“فطور من القلب”.. مبادرة تطوعية شبابية تبعث البهجة في قلوب الصغار وترسم البسمة على شفاه المعوزين

الرباط – إذا كان زمام القيادة في العمليات التطوعية عادة ما يعهد به إلى الكهول، فإن مبادرة “فطور من القلب”، التي تنظمها جمعية مغرب 21 منذ بداية شهر رمضان المبارك، تقطع مع هذا التقليد، ويتولى فيها الشباب واليافعون تأمين عملية إفطار أزيد من 1200 معوز يوميا، من ألفها إلى يائها.

إنها الرابعة والنصف بعد الزوال في يوم من أيام العشر الأواخر من الشهر الفضيل، حركة نشيطة تدب في شارع الإمام الغزالي بوسط مدينة الرباط. ذكور وإناث في عمر الزهور، يقصدون فضاء مدرسة محمد جسوس، مرتدين قمصانا صفرا كتب على صدرها بلوني العلم المغربي بالفرنسية، “فطور دي كور” (فطور من القلب)، وبالعربية، رمضان 1434.

داخل الفضاء، موسيقى شبابية صادحة، والشباب كأنهم خلايا نحل يتحركون بنظام وانتظام في كل أرجائه. مجموعة ترتب الصحون، وأخرى تحملها إلى الموائد، ومجموعة ثالثة تنظم الطاولات والكراسي استعدادا لاستقبال المستفيدين من المبادرة التي تستعد لإطفاء شمعتها الثانية.

يقول رئيس جمعية مغرب 21، عبد الغني بنسعيد، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، “كنا نقدم السنة الماضية وجبة إفطار ل800 شخص، ولكن مع الهمة التي أبان عنها الشباب وتزايد أعداد المتطوعين، قمنا بتوسيع العملية هذه السنة، ووصلنا في بعض الأحيان إلى 1500 مستفيد في اليوم”.

“لدينا ، يضيف بنسعيد، 750 متطوعا ينقسمون إلى 6 مجموعات .. وكل يوم تؤمن مجموعة من 125 شخصا عملية الإفطار في جو عائلي استثنائي”.

“نشعر هنا وكأننا عائلة واحدة” يؤكد المتطوعان نوفل وإلياس، في تصريح مماثل، وهما يضعان الكؤوس على الطاولة التي عهد إليهما بتنظيمها. ويضيفان، “قدمنا للمشاركة في هذه العملية بعدما تعرفنا على المبادرة من خلال صفحة الجمعية على الفايسبوك”.

وعن سبب إيثاره التطوع في إطار “فطور من القلب” على تناول وجبة الفطور برفقة عائلته، قال نوفل “إن هذه المبادرة وسيلة لتخفيف المعاناة على الفقراء (…) ومنحهم الإحساس بأن هناك من يهتم لأمرهم ومستعد لمشاركتهم فرحة الإفطار”. يحرك إلياس رأسه موافقا على كلام نوفل، قبل أن يقول “سأشارك في أي مبادرة مماثلة .. تطوعي في عملية فطور من القلب منحني الإحساس بالسعادة”.

مع اقتراب ساعة الإفطار، ترتفع وتيرة عمل المتطوعين، وتتسارع حركة المنسق بين المجموعات الذي عليه أن يتأكد من أن كل شيء يسير على ما يرام، و لاستدراك ما قد يقع من هفوات.

بالنسبة لجمال، الطالب بكلية العلوم القانونية والاقتصادية السويسي بالرباط، والذي يتطوع للسنة الثانية على التوالي في “فطور من القلب”، فإن العمل بمعية أقرانه “متعة”. وبخصوص طريقة اندماج المتطوعين الجدد في العمل، يشرح جمال، “خلال الأسبوعين الأولين من شهر رمضان، التحق بنا العديد من المتطوعين الجدد الذين خضعوا خلال الأيام الأولى للتأطير من قبل متطوعي السنة الفارطة، واليوم عدد منهم يتولى رئاسة الفرق التي تسهر على تأمين عملية الإفطار”.

“الشباب لا يبخلون علينا بأي شيء”، تقول السيدة السعدية التي قدمت من القنيطرة رفقة ابن أختها بلال، الذي يعاني من إعاقة ذهنية، قبل أن تضيف “نصحني الطبيب الذي يتابع عنده بلال حصص العلاج هنا في الرباط، أن آتي إلى الجمعية. وقد أحسست أن اندمج في هذه الأجواء و أحب بلال المتطوعين كثيرا، وبات يعرف الكثير منهم بأسمائهم. وإضافة إلى ذلك، فإنه يطرب للأناشيد التي ترددها فرقة الأمداح قبل آذان المغرب”.

وأوضحت، في تصريح مماثل، أنه في ليلة السابع والعشرين من رمضان نظمت الجمعية حفلة لفائدة أطفال المعوزين، وأهدت بلال وباقي الأطفال ألبسة تقليدية واحتفت بهم وفق التقاليد المغربية.

في الطاولة المقابلة، تسكب إيمان، التي تتابع دراستها بثانوية “ديكارت” بالرباط، العصير في كأس حارس موقف للسيارات دأب على الحضور يوميا إلى الفضاء رفقة زوجته وطفليه لتناول وجبة الفطور. يقول الرجل الخمسيني ، “الحمد لله، الأكل جيد ومتوفر بكميات كافية، والمعاملة التي نلقاها رائعة”.

و في تقييمه للظروف التي مرت فيها عملية “فطور من القلب”هذه السنة، قال السيد بنسعيد ” إن المغاربة كرماء خاصة في شهر رمضان، وقد تمكنا من تأمين عملية الإفطار بفضل شركات مواطنة ومحسنين قدموا تبرعاتهم مباشرة للجمعية، أو من خلال عمليات الجمع التي كلفت بها مجموعات من الشباب أمام عدد من المراكز التجارية الكبرى بالمدينة.

و انحصرت عملية “فطور من القلب”، التي شارفت على إطفاء شمعتها الثانية، في العاصمة الرباط، لكن السيد بنسعيد يؤكد أن “هناك تفكيرا اليوم في توسيع العملية لتشمل مدنا أخرى السنة المقبلة”.

(محمد مجدوبي)