أعراس فاس .. مرآة تعكس التعدد والتنوع الذي راكمته المدينة عبر تاريخها الطويل في فن العيش
(إعداد : حفيظ البقالي)
فاس- لا شك أن أعراس فاس هي مرآة تعكس ذلك التعدد والتنوع الذي راكمته العاصمة الروحية للمملكة عبر تاريخها العريق في عادات أهلها وتقاليدهم ولباسهم وفن العيش الذي خبروه وأضحى يشكل إرثا لا ماديا موسوما بالتفرد والثراء.
كما أن هذه الأعراس بما تختزنه من عادات اجتماعية وطقوس تقليدية عريقة ما هي إلا نتاج لذلك التمازج الذي استمر منذ آلاف السنين بين هويات وإثنيات متعددة ومتنوعة منها العربي والأمازيغي والأندلسي والإفريقي والعبري والذي أفضى إلى ما صار يعرف ب (الشغل الفاسي) الذي يطال مختلف مناحي الحياة من مطبخ وملبس ومسكن وتأنق وزينة وغيرها من مكونات ومرتكزات فن العيش بمختلف تمظهراته .
لقد حافظت مدينة فاس التي يرجع تاريخ تأسيسها إلى أزيد من 1200 سنة على إرثها الثقافي والحضاري العريق وعملت على تطويره وتنميقه تماشيا مع روح العصر وضمنه طابع الاحتفاء بالمناسبات السعيدة كالأعراس التي تفرد لها العائلة الفاسية حيزا هاما ضمن اهتماماتها وانشغالاتها باعتبارها تعكس تلك الأصالة وذلك التفرد والخصوصية التي يهيم بها ( أهل فاس ).
وكانت التحضيرات لهذه المناسبة قديما تنطلق منذ أن يصبح الشاب أو (العزري) بلغة أهل فاس مستعدا للقطع مع العزوبية والتأهل للحياة الزوجية من خلال تعبيره عن الرغبة في الزواج أو من خلال ملاحظة الأم أو الأب لتلك الرغبة لتبدأ الاجتماعات المطولة بين أفراد العائلة الكبار والتي تدور حول البيوتات التي قد تكون لها بنت تصلح للزواج من ابنهم هذا في حالة ما إذا لم تكن الأم قد سبق لها و (حطت عينيها) على فتاة من الوسط العائلي أو من الجيران والأقارب.
وبعد أن يتم تحديد الفتاة المرشحة التي لا تمنح لها التزكية إلا بعد استخبار وبحث مستفيض عن الوسط الذي تنحدر منه والذي غالبا ما تتكلف به النسوة والقريبات اللواتي يقمن بالتقصي عن أحوال الفتاة الأخلاقية والجسمانية وكذا عن وضع عائلتها الاعتباري وارتباطاتها وعلاقاتها ومستواها المادي والمعيشي تبدأ عملية وضع الترتيبات ليعاين الشاب عروسه التي وقع عليها الاختيار.
وما أن يبدي الشاب موافقته على العروس المستقبلية حتى تنطلق سلسلة أخرى من الترتيبات تسبقها اجتماعات ومداولات حول الطريقة التي سيتم بها الاتصال بعائلة الفتاة والتي غالبا ما تقوم بها أم العريس التي تتوجه لبيت الفتاة معلنة عن نيتها ورغبتها في طلب يد البنت لابنها وهي الرغبة التي تقابلها أم العروس بطلب مهلة لإخبار الزوج وكذا من أجل الاستخبار بدورها عن هذه العائلة التي ترغب في الزواج من ابنتها.
وبعد الموافقة يلتقي رجال الأسرتين رفقة الأهل والأقارب للتفاوض حول مختلف مكونات الزواج خاصة المهر ليتحدد يوم الخطوبة وتقوم أم العريس قبله بزيارة لدار العروس محملة ببعض الهدايا ( تمر وحناء وشموع قماش ) ومرفوقة بالقريبات وهو ما يسمى ب (كمالة العطية) لتأتي مرحلة الخطبة الرسمية التي غالبا ما كانت تتم بعد صلاة عصر يوم الجمعة في مسجد أو ضريح المولى إدريس الأزهر حيث يجتمع رجال العائلتين مع الاصدقاء وتتم قراءة الفاتحة مع تحديد مدة الخطبة التي قد تطول أو تقصر حسب الظروف لكنها في الغالب تكون ما بين ستة أشهر الى سنتين ويكون الخاطب ملزما خلالها بتقديم الهدايا إلى عروسه خاصة خلال الأعياد الدينية وهو ما يسمى ب (التفكيرة).
وفي نهاية فترة الخطبة يتم عقد القران كما يتحدد تاريخ الزواج لتبدأ الاستعدادات حيث تقوم أم الفتاة او إحدى القريبات بزيارة لبيت العريس لأخد المقاسات من أجل إعداد (الفرش) الذي ستحمله العروس معها إلى بيتها كما تقوم قريبات العروس قبل يوم الزفاف بتهييء الحجرة التي ستنزل بها العروس وهو ما يسمى ب (نهار التنقيل) والذي يليه (نهار الزينة) أو (نهار الفرش) الذي يتم خلاله اعداد (شوار العروس) أي كل الأثاث والأرائك التي ستحملها الزوجة الى منزلها الجديد كما يتم تجهيز قبة العرس (الدخشوشة).
ومن جانبها تقوم العروس وقبل أيام من موعد الزفاف بالذهاب إلى (الحمام البلدي) مرة كل يومين لتغتسل (سبع مرات) تتوج بتنظيم حفل (التقبيب) الذي تكون خلاله العروس محفوفة بالقريبات والصديقات وتشرف على عملية الاغتسال (الطيابات).
وتبدأ الاحتفالات ببيت العروس ب(ليلة الحناء) حيث تقوم (المعلمة الحناية) بتخضيب يدي ورجلي العروس بالحناء وهي داخل (الخدر) وفي اليوم الموالي تنظم الحفلة التي تسمى (قوالب صغار) بحضور القريبات وأفراد العائلة والصديقات تليه حفلة (قوالب كبار) حيث تقوم (النكافات) بتخضيب العروس بالحناء ويلبسنها أبهى الفساتين كما تتزين بالحلي والمجوهرات لترفع فوق الأكتاف على ( الميدة ) وسط زغاريد المدعوات ورقصهن على نغمات جوق نسوي.
أما العريس فتقضي التقاليد المصاحبة لحفلات الزفاف أن يغادر منزل العائلة قبل يوم الزفاف إلى (دار يسلان) مرفوقا بأصدقائه حيث يمكث هناك ولا يقترب من دار أبيه إلا ليلة العرس.
وتتوج هذه الاحتفالات بليلة (الدخول) حيث يقام حفل كبير بمنزل العروس وبعد انصراف المدعوين يبقى المقربون في انتظار قدوم موكب العريس الذي يكون بدوره قد نظم حفلا كبيرا مماثلا في بيته قبل أن يتشكل موكب من الشباب وأهل العريس من أجل الذهاب إلى دار العروس وإحضارها في موكب احتفالي كبير تحفه النكافات والقريبات والمدعوات .
ولا يدخل مع العروس إلى منزلها الجديد إلا النسوة وبعد أن تستريح تلبسها النكافات وتوجهنها وهي محجبة وتحمل رغيفين كرمز وفأل خير إلى عتبة غرفة الزفاف بينما يأتي العريس وسط أصحابه من (دار يسلان) الى دار العرس ويدخل وحده الى فناء المنزل ويلتحق بغرفة زوجته مغطى الوجه وتقوم النكافات بإزالة الحجاب عن وجه العروس ليتقابل العريسان وتوجه النكافات العروسة إلى (الدخشوشة) ويتركنها مع زوجها.
وفي اليوم الخامس من بعد ليلة (الدخول) الذي يليه ما يعرف ب(الصبوحي) يقام حفل كبير ويسمى (نهار حل الراس) كما يسمى اليوم السادس ب(نهار الغسيل) حيث تستحم العروس ليلا وعند انتهاء اليوم السابع يغادر الزوجان قبة العرس (الدخشوشة) ليبدآ حياتهما الزوجية اليومية المصحوبة باختبارات تقوم بها أم العريس للتعرف على مدى إتقان العروسة لفن الطبخ وما يمسى ب(التاويل) الذي يرافق المعيش واليومي.
اقرأ أيضا
الدار البيضاء : حفل تكريم لروح الفنان الراحل حسن ميكري
نظمت، مساء أمس الجمعة بمسرح محمد السادس بالدارالبيضاء، أمسية فنية تكريما لروح الفنان الراحل، والمؤسس للمجموعة الموسيقية” الإخوان ميكري”، حسن ميكري، بحضور شخصيات من عالمي الفن والثقافة.
المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية (السيد بنسعيد)
أكد وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، مساء الجمعة بتطوان، أن المسرح هو قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية إلى الخارج.
تطوان .. افتتاح فعاليات الدورة الرابعة والعشرين للمهرجان الوطني للمسرح
افتتحت، مساء الجمعة بتطوان، فعاليات الدورة الرابعة والعشرين للمهرجان الوطني للمسرح، المنظمة تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.
أخبار آخر الساعة
-
الدار البيضاء : حفل تكريم لروح الفنان الراحل حسن ميكري
-
المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية (السيد بنسعيد)
-
تطوان .. افتتاح فعاليات الدورة الرابعة والعشرين للمهرجان الوطني للمسرح
-
استعراض تجربة الشركة الوطنية للنقل والوسائل اللوجيستيكية في دمج الرقمنة في قطاعي النقل واللوجستيك بالمنتدى الدولي والمعرض الإفريقي لوسائل النقل
-
الجماعات الترابية.. الجمعية المغربية لرؤساء المجالس الجماعية وجمعية المنتخبين الفرنسيين توحدان جهودهما لتعزيز التعاون اللامركزي
-
كأس أمم إفريقيا لكرة القدم للسيدات (المغرب-2024).. السيد موتسيبي “فخور للغاية” بدور المغرب في تطور كرة القدم بإفريقيا
-
السنغال.. أمسية دينية تخليدا للذكرى الـ 60 لتشييد المسجد الكبير بدكار
-
الأيام الإفريقية للموارد البشرية بالجديدة.. الرأس المال البشري الإفريقي رافعة أساسية لتنمية القارة (ندوة)