باحثة تشرح ملامح وتجليات الإيديولوجيا في الرواية البحرينية

المنامة – عزت الباحثة البحرينية أنيسة إبراهيم السعدون، عكوفها على دراسة الرواية في البحرين، في علاقتها بالإيديولوجيا، لأسباب عدة أبرزها، استجلاء أهم المضامين والقيم الإيديولوجية التي تشغل الروائيين البحرينيين، وتأمل ملامح تمايزها بما يشف عن مقاصدهم الفكرية والجمالية.
ومن دواعي هذا الاشتغال، أيضا، الوقوف على الأنماط الروائية التي نزع أولئك الروائيون إلى معالجة رؤاهم الإبداعية طيها، حتى يتسنى تقييم الجهود الروائية التي يبذلونها ضمن مسار الجهود العربية.
في دراستها الصادرة عن (المؤسسة العربية للدراسات والنشر) في 383 صفحة من القطع المتوسط، والموقعة مؤخرا في جناح وزارة الثقافة ضمن أنشطة معرض البحرين الدولي للكتاب بالمنامة، أخضعت الباحثة لمشرحة البحث أربع روايات إن كانت قد تآلفت في اتصالها بالواقع، بما يحبل به من تحولات اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية، فإنها قد تمايزت في تمثيلها الفني له، إذ انطلقت في تعاملها مع الواقع من اتجاهات أدبية متباينة، جعلت بعضها في طرفي نقيض.
ويتعلق الأمر بنصوص (الينابيع) لعبد الله خليفة، ممثلة لرواية الواقعية النقدية، و(تحولات الفارس الغريب في البلاد العاربة) لفوزية رشيد، ممثلة لرواية الواقعية الاشتراكية، و(سلالم الهواء) لمحمد عبد الملك، ممثلة لرواية الواقعية النفسية، و(أغنية أ، ص الأولى) لأمين صالح، ممثلة لرواية التجريب.
تبين الدراسة بأن جميع شخصيات هذه الروايات تعاني من تأزم الواقع، وخطورة آفاقه، وإن اختلفت في التعامل معه، بين مصالحة وخضوع، وإحساس بالضياع، واستسلام لقدر الآلام والمواجع، وبين محاولة المواجهة، والتمنع على الانكسار، من أجل غد أفضل من الراهن.
وتجلي الباحثة بوضوح كيف انفتحت الرواية في البحرين على إشكاليات المجتمع، وحاولت، بانطلاقها من قضايا متنوعة الرؤى الفكرية والقيم الإيديولوجية، اكتشاف الذات في أبعادها النفسية والاجتماعية والثقافية والحضارية، وقد كفل لها هذا الطرح، فضلا عن البعد المحلي، بعدا إنسانيا وتاريخيا، ما يجعلها على صلة عميقة بالواقع في نواحيه المختلفة. كما أن تعدد اتجاهات الروايات انعكس بشكل بين على الجوانب الفنية والمقومات الجمالية فيها.
وكشفت معالجة الروائيين للواقع وعيا يتطور ويتخطى التعامل الانعكاسي إلى الجدلي، حتى مع تلك الروايات المبنية على نمط تقليدي، ما يجلي تحولا نوعيا في ممارسة الكتابة الروائية كان بمثابة استجابة واعية للتحولات والانعطافات في الواقع سواء في سياقها المحلي، أو في سياقها العربي، أو في سياقها المنفتح على محيط أوسع ينشغل بمشكلات وقضايا وثيقة الصلة بحركات التحديث الغربية وآثارها على العالم العربي.
وفق الدراسة، الروايات جميعها انشدت إلى تعرية واقع عربي موسوم بالقهر والتسلط والاضطهاد، وتأملت بدرجات متباينة، وأطروحات مختلفة، ومقومات جمالية متمايزة، الصراع الحضاري المتمخض من العلاقة الإشكالية بين المستعمر (بكسر الميم) والمستعمر (بفتحها)، وكشفت عن تجليات تأثرها بالمناخ النفسي والاجتماعي والثقافي والسياسي السائد في البلدان العربية.
وجزمت الدراسة في النهاية بأهمية الرواية في البحرين، وعدم إمكانية إقصائها عن مسار التجارب الروائية في الوطن العربي، وجدارتها بأن تشكل رافدا من روافد الرواية العربية يسهم في إثراء الحركة الأدبية فكريا وجماليا. وأبرزت أن الالتفات إلى هذه الرواية، بدراسات نقدية متأنية غاية مطموع فيها من أجل النهوض بها، والعمل على مزيد من تميزها، وخلق أجواء التفاعل المأمولة بأطراف العملية الإبداعية في المحيط الداخلي والخارجي.