2016 تلوح سنة رهيبة بالنسبة لجنوب إفريقيا

جوهانسبورغ -بقلم: عبد الغني عويفية -لا يزال جفاف حاد يسود جنوب إفريقيا، مما يهدد بالانزلاق نحو ركود خطير في بلد يعيش مسبقا المتاعب بسبب التوتر الاجتماعي والعرقي الكامن. وألحق الجفاف، الأخطر منذ أوائل ثمانينات القرن الماضي، خسائر فادحة بالفلاحين، وقضى على الماشية، مؤديا أيضا إلى تراجع إنتاج الذرة، المحصول الرئيسي في البلاد.
وأظهرت الأرقام الصادرة اليوم الخميس عن مصالح الأرصاد الجوية في جنوب إفريقيا أن البلاد سجلت في عام 2015 أدنى مستوى للتساقطات المطرية على مدى 55 عاما. وبتراجع التساقطات إلى 400 مليمتر من الأمطار في عام 2015 مقابل معدل سنوي قدره 600 مليمتر، أضحى الإنتاج الفلاحي في جنوب إفريقيا الآن في عين الإعصار، مع تراجع بنحو 30 في المئة في إنتاج الذرة في 2015.
ويتوقع المحللون انخفاضا في الإنتاج بنسبة 50 في المئة في عام 2016، مما سيؤدي إلى ارتفاع في أسعار المنتجات الاستهلاكية.
وقال جاني دي فيليي، رئيس “حبوب جنوب إفريقيا” الجمعية الرئيسية لمنتجي الحبوب في جنوب إفريقيا، “يمكننا الآن التأكيد بيقين أننا نواجه كارثة”. وتساهم الفلاحة فقط ب2,2 في المئة من نمو الناتج الداخلي الخام للبلاد، إلا أن حدوث انكماش كبير في القطاع يهدد بقوة بكبح نمو ضعيف مسبقا.
ولا يستبعد بعض المحللين احتمال حدوث ركود في جنوب إفريقيا بسبب تأثير الجفاف على الاقتصاد. وأفلتت البلاد بالكاد من ركود في الربع الثالث من عام 2015، مسجلة نسبة نمو ب 0,7 في المئة بعد معدل سلبي في الربع الأسبق (ناقص 1,7 في المئة).
وتتوقع بعض التحليلات نموا ضعيفا جدا في عام 2016 نظرا لاستمرار نفس المشاكل التي أثقلت اقتصاد هذا البلد في 2015، خاصة انخفاض أسعار المواد الأولية والتباطؤ في الصين. وحسب البنك الأمريكي ميريل لينش، فإن معدل النمو في جنوب إفريقيا سيتراوح ما بين 0,4 و1 في المئة هذا العام.
ويهدد الركود الجديد المرتقب في عام 2016، حسب المحللين، بتفاقم البطالة التي تمس أكثر من 25 في المئة من الساكنة النشيطة، واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء في بلد يسجل أعلى نسبة للفوارق الاجتماعية الصارخة في العالم.
وتساهم هذه العوامل في تأجيج التوتر الاجتماعي الذي يبدو أنه سيزيد في هذه السنة التي ستشهد إجراء الانتخابات المحلية. ويلوح الاقتراع، الذي سيجري خلال النصف الأول من العام، صعبا بالنسبة للمؤتمر الوطني الإفريقي (الحزب الحاكم). ووسط هذا المناخ الاجتماعي المتوتر، تضاعفت الحوادث العنصرية في الأسابيع الأخيرة، مما يهدد بنسف تعايش بذل الآباء المؤسسون لجنوب إفريقيا الجديدة، بمن فيهم نيلسون مانديلا، تضحيات هائلة من أجل إرسائه.
وحذر سيم تشابالالا رئيس “ستاندارد بانك”، إحدى أكبر الأبناك الجنوب إفريقية، أول أمس الأربعاء، من أن العنصرية والفوارق ستنضاف إلى الإشكاليات التي تعوق الاقتصاد.
ويرى خبراء آخرون، من بينهم غاري فان ستاندن، المحلل السياسي بمكتب “إن كا سي إفريكان أيكونوميكس” أن التراجع الاقتصادي سيضاعف الضغوط على الجبهة الاجتماعية.
وأشار المحلل إلى أن هذه الضغوط ستتجلى سياسيا بمناسبة الانتخابات الجماعية، مضيفا أن الهيئات الرئيسية المشكلة للمعارضة، وهي التحالف الديموقراطي (ليبرالي) والمدافعين عن الحرية الاقتصادية (اليسار الراديكالي) ستشكل تحديا حقيقيا لحزب مانديلا.
وحسب بعض الدراسات، فإن المؤتمر الوطني الإفريقي سيخسر 10 بالمائة من الأصوات خلال الانتخابات القادمة، لاسيما جراء إخفاقاته الاقتصادية وغياب القيادة التي تميز الولاية الثانية للرئيس جاكوب زوما.
وينتظر تسجيل خسائر كبرى، لاسيما في الحواضر الكبرى كجوهانسبورغ وبريتوريا والكاب.
كما ينتظر في 2016 عودة أكثر حدة للحركات الاجتماعية، لاسيما المظاهرات الطلابية والمسيرات المنظمة بدعوة من المدافعين عن الحرية الاقتصادية.
وكان هذا التنظيم الذي يقوده القائد الشعبي جوليوس ماليما قد هدد هذه السنة باحتلال المؤسسات الاقتصادية والمالية المتواجدة بساندتون الرقعة الأكثر غنى بإفريقيا الموجودة بقلب جوهانسبورغ، العاصمة الاقتصادية والمالية للبلاد.
وأوضح وزير المالية برافين غوردان بوضوح، أمس الخميس، أن حكومته واعية بالأخطار الاجتماعية المرتبطة بالأزمة الحالية.
وحاول المسؤول التأكيد بأن البلاد ستتمكن من تفادي ركود في 2016 بشرط تفعيل التدابير القاسية المفروضة عبر وضعية مالية صعبة، تتميز على الخصوص بتراجع غير مسبوق للعملة الوطنية.
وخسر الراند 25 بالمائة من قيمته مقابل الدولار في 2015. وتواصلت الخسائر هذه السنة بتراجع قاس سجل يوم الاثنين.
ويرى المحللون أن الجفاف سيدفع البلاد نحو ركود يصعب تفاديه في 2016.
وقال جورج كلينوس المحلل بمكتب التحاليل الاقتصادية إي تي إم “نتوقع حدوث ركود هذه السنة. ستساهم الفلاحة والجفاف في هذه الوضعية”.
وخلص المحلل إلى أن 2016 ستكون، لا محالة، السنة الجنوب- إفريقية السيئة بامتياز.