2016 .. نهاية الثنائية الحزبية في إسبانيا وظهور أزمة سياسية غير مسبوقة

محمد توفيق الناصري

مدريد –  عاشت إسبانيا في 2016 سنة حافلة بالأحداث السياسية مع انتخابات انهت هيمنة الثنائية الحزبية لأكثر من عقدين من الزمن، وهو ما أدى إلى أزمة سياسية غير مسبوقة.
فلأول مرة في التاريخ الحديث لهذا البلد، انتهى التناوب بين اليسار واليمين، الذي بصم السياسة الإسبانية، وذلك في أعقاب الانتخابات التشريعية ل20 دجنبر 2015، التي أسفرت عن بروز حزبين جديدين هما حزب سيوددانس، يمين وسط، وحزب بوديموس، اليساري الراديكالي، اللذين زعزعا هيمنة الحزب الشعبي (المحافظ) والحزب الاشتراكي العمالي الاسباني.
ولم يعد البرلمان الإسباني، للمرة الأولى منذ سنة 1982، تحت هيمنة أي من الحزبين التقليديين، إذ توجه الإسبان إلى صناديق الاقتراع مرتين في ظرف ستة أشهر (20 دجنبر 2015 و20 يوليوز 2016)، وخرج الحزب الشعبي في كلا الاستحقاقين فائزا، لكن دون الحصول على أغلبية مطلقة تمكنه من الحكم بمفرده.
ولم تفرز نتائج هذين الاستحقاقين، فقط، بروز حزبين سياسيين جديدين أضحيا رقما في المعادلة الحسابية، ولكن خلقت، أيضا، وضعا غير مسبوق أجبر الأحزاب السياسية الرئيسية على التوصل لحلول توفيقية لتشكيل الحكومة.
وبعد أشهر من الجمود، تمكنت القوى السياسية الرئيسية، باستثناء حزب بوديموس، وعلى الرغم من خلافاتها، من الحيلولة دون لجوء البلاد لانتخابات ثالثة في ظرف سنة واحدة. ومع ذلك، لا زالت هناك شكوك بشأن قدرتها على إيجاد حلول دائمة خلال هذه الولاية التشريعية.
وبدت هذه الولاية التشريعية، التي بدأت في نونبر الماضي، معقدة بالنسبة لزعيم المحافظين، ماريانو راخوي، الذي أدى اليمين لفترة رئاسة ثانية على التوالي، لكنه سيجد نفسه مضطرا، هذه المرة على رأس حكومة أقلية، لإيجاد تسويات من أجل تمرير التشريعات أو المبادرات التي ليس حولها إجماع في البرلمان.
وقد تم تنصيب راخوي (61 سنة) بأغلبية نسبية 170 صوتا مؤيدا و111 ضد وامتناع 68. وأصبح رئيسا للحكومة الاسبانية الجديدة بفضل أصوات نواب حزبه ال137، ونواب حزب سيوددانس، يمين وسط، ال33، وامتناع غالبية أعضاء الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني.
ولم ينتظر المراقبون، الذين توقعوا تجاذبا بين الحكومة ومجلس النواب (الغرفة السفلى)، خاصة بسبب عدد من القضايا الهامة التي ظلت عالقة، والتي لم تتمكن حكومة تصريف لأعمال منذ انتخابات دجنبر 2015 من تقديم إجابات لها، طويلا ليروا توقعاتهم تتحقق.
وهكذا، وبعد نحو شهر على تنصيبها، اضطرت حكومة الحزب الشعبي للتفاوض مع الحزب الاشتراكي حول مشروع ميزانية 2017، وحصل الاشتراكيون من المحافظين على زيادة بنسبة 8 في المائة في الحد الأدنى للأجور، الذي سينتقل إلى 707 أورو ابتداء من يناير 2017، مقابل الامتناع عن التصويت بالبرلمان على قانون المالية برسم السنة المقبلة.
وبات الفاعلون السياسيون بإسبانيا يدركون جيدا الواقع السياسي الجديد الذي فرضته نتائج الاستحقاقين البرلمانيين الماضيين، في دجنبر وأكتوبر الماضيين، والتي تميزت بنهاية هيمنة الحزبين التقليدين في هذا البلد الايبيري، الذي عاش جمودا سياسيا عمر لأزيد من عشرة أشهر.
وبالتالي فإن مهمة “المقيم بلا مونكلوا”، القديم الجديد، لن تكون سهلة على الإطلاق كما أجمعت على ذلك وسائل الإعلام الإسبانية، التي لم تتردد في الإشارة إلى أن هذه الولاية الجديدة يجب أن تكون ولاية حوار لتمكين البلد من رفع العديد من التحديات التي تواجهه.