وكالة بيت مال القدس الشريف .. عقد ونيف في خدمة المدينة المقدسة ورعاية المقدسيين

(بقلم : عصام واعيس)

الرباط – لم تأل وكالة بيت مال القدس الشريف، منذ رأت النور قبل 16 سنة بمبادرة من جلالة المغفور له الحسن الثاني، طيب الله ثراه، الذي تولى رئاستها حينها، جهدا في خدمة مدينة القدس الشريف، “مدينة الأنبياء”، وصون مآثرها ورعاية سكانها.
فقد ظلت هذه الوكالة، التي تعتبر الذراع الميداني للجنة القدس، منذ تأسيسها سنة 1998، في طليعة المساندين للسكان الفلسطينيين والمؤسسات الفلسطينية في المدينة المقدسة، والعاملين على الحفاظ على المسجد الأقصى المبارك والأماكن المقدسة الأخرى في المدينة وتراثها الحضاري والديني والثقافي والعمراني وترميمها.
وقد بدأت الوكالة منذ تأسيسها، ورغبة منها في تحقيق هذه الأهداف وحماية الحقوق العربية والإسلامية في المدينة المقدسة وتعزيز صمود أهلها، في تمويل المشاريع والبرامج التي تدعم وتعزز الوجود العربي والإسلامي في القدس الشريف بشراكة وتعاون مع المؤسسات والفعاليات العربية الإسلامية والدولية.
وكان تقرير للوكالة، التي يساهم المغرب بنسبة 80 في المائة في تمويلها، كشف أن حجم المشاريع التي نفذتها في مدينة القدس الشريف خلال الفترة الممتدة ما بين 2008 و2012 بلغت 28 مليون و94 ألف و862 دولار.
وأوضح التقرير، الذي قدمته لجنة القدس، التي يرأسها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، خلال أشغال القمة الإسلامية العادية في دورتها ال12 التي انعقدت في فبراير من العام الماضي بالقاهرة، أن هذه الاعتمادات توزعت عل قطاعات التعليم (23 بالمائة) والإسكان والترميم وشراء العقار (11 بالمائة) والصحة (15 بالمائة) والأعمال الاجتماعية والرياضة والثقافة (50 بالمائة).
وقد استطاعت الوكالة، على مدار سنوات اشتغالها، إنجاز مشاريع وبرامج بالغة الأهمية في قطاعات الإسكان وترميم المآثر والبنايات التاريخية، والتعليم والصحة، والشباب والرياضة والثقافة والقطاع الاجتماعي.
ولم تكن هذه المشاريع لتنجح وتترجم على أرض الواقع لولا “توفر الوكالة على استراتيجية عمل محددة ومدروسة لدعم مشاريع تنموية حيوية بمدينة القدس الشريف”، كما أكد ذلك السيد عبد الكبير العلوي المدغري، المدير العام لوكالة بيت مال القدس الشريف، في مناسبات مختلفة.
ففي مجال الإسكان وترميم المآثر والبنايات التاريخية، قامت الوكالة بدعم وتمويل برنامج الإقراض الفردي والجماعي لبناء وترميم البيوت والمساكن الذي يروم توفير قروض ميسرة وبدون فوائد لذوي الدخل المحدود والمتوسط من أهالي مدينة القدس لبناء وحدات سكنية جديدة أو استكمال وحدات سكنية.
وإضافة إلى هذا المشروع، أنجزت الوكالة مشاريع أخرى في مجال التعمير، من بينها مشروع إسكان المعلمين الذي يهدف إلى توفير سكن لأعضاء جمعية إسكان معلمي القدس يعينهم على مواجهة معاناة استئجار البيوت والبقاء في القدس، ومشروع تأهيل وترميم مساكن الفقراء والمهمشين الذي يهدف إلى تقديم منح صغيرة للأسر المهمشة والفقيرة وذلك من أجل توفير الحد الأدنى من مواصفات المسكن الكريم للمقدسيين.
كما قامت الوكالة في هذا المجال بترميم الزاوية المغربية التي تعتبر آخر ما تبقى من حارة المغاربة وتقطن بها 16 عائلة مقدسية من أصول مغاربية في ظروف سكنية غاية في الصعوبة، إضافة إلى ترميم مساجد في البلدة القديمة بالقدس وترميم مباني تاريخية.
وحفاظا على ذاكرة فلسطين وإسهاما في توثيق جزء من تاريخها الحافل بالأحداث، أقامت الوكالة، في مقرها المركزي بالرباط بداية من عام 2009، مكتبة متخصصة في تاريخ القدس وفلسطين لحفظ نسخ من النفائس والكتب والمخطوطات التي يمكن الحصول عليها من مصادر مقدسية وعالمية، وتم تجهيزها بالنظم المعلوماتية المتطورة وفتحها في وجه الدارسين والباحثين والمهتمين، وهي تضم إلى حد الآن أكثر من 5400 عنوان متخصص، بملغ استثمار قدره 400 ألف دولار إلى حد الآن.
وفي المجال الاجتماعي، يعتبر برنامج العيش الكريم أكبر برنامج تنفذه وكالة بيت مال القدس الشريف في المجال. وتقوم فكرة البرنامج، الذي انطلق العمل به في شهر مايو 2008 على توزيع الخبز على الأسر الفقيرة والمحتاجة في القدس الشريف بقدر 20 ألف رغيف خبز يوميا لفائدة 1000 عائلة محتاجة في مرحلة أولى وحوالي 2000 عائلة في مرحلة لاحقة. ويهدف هذا البرنامج، الذي بلغت كلفته إلى حد الآن 4,4 مليون دولار، إلى مواجهة الحصار الاقتصادي الذي يستهدف الإنسان المقدسي، وما يترتب عنه من غلاء المعيشة الفاحش وارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وقد ساهم هذا البرنامج، بشكل فعال ومباشر، في التخفيف من معاناة الأسر المقدسية الفقيرة ومن عبء الالتزامات المالية والمصاريف المفروضة عليها وضمان الحد الأدنى للعيش اليومي.
كما أطلقت الوكالة، في 20 أكتوبر من سنة 2010، برنامجها لكفالة 500 يتيم مقدسي، وهو يوفر كفالة شاملة للأطفال المستفيدين تشمل المنحة الشهرية وتغطية الرسوم الدراسية والحقيبة والزي المدرسي والتغطية الصحية والمساعدات الغذائية في شهر رمضان وخلال المناسبات الدينية لعائلات الأيتام المستفيدين من البرنامج.
وتؤمن الوكالة، سنويا، مساعدات إنسانية مختلفة لفائدة ألف عائلة فقيرة، عبارة عن طرود غذائية تخصص لعائلات المستفيدين من برنامج كفالة اليتيم الذي ترعاه الوكالة بكلفة 300 ألف دولار، كما توزع كسوة العيد على الأيتام.
ودعما لحقوق المقدسيين المعرفية والثقافية، أنجزت الوكالة، خلال السنوات التي تلت تأسيسها، مشاريع مهمة في هذا المجال تتمثل، بالخصوص، في تجهيز وتأهيل مدارس وكليات وروض أطفال، وتقديم منح للطلبة المقدسيين تغطي الأقساط الدراسية، وفي بعض الحالات مساعدة اجتماعية لتغطية جزء من نفقات المعيشة للطلاب المحتاجين، وإيجار مباني لاستعمالها كمدارس بالقدس، ناهيك عن شراء مباني سكنية وتحويلها إلى مدارس.
ووعيا منها بأهمية الإعلام في التعريف بمعاناة المقدسيين وبالأنشطة والبرامج التي تقوم بها الوكالة في سبيل تخفيف هذه المعاناة، حرصت وكالة بيت مال القدس الشريف على تطوير مقاربتها الإعلامية في التعريف بالهموم اليومية والمصاعب التي تواجه سكان القدس لاسيما من خلال تعزيز وتنويع المحتوى الإعلامي لمجلة “صدى”، وتحديث موقع الوكالة على الانترنت.
كما قامت الوكالة، في هذا السياق، بعقد ندوات ولقاءات دورية للتعريف بأنشطتها وحث الشركاء والمؤسسات والفعاليات العربية والإسلامية على مضاعفة دعمها المالي للمقدسيين عبر مشاريع وبرامج الوكالة.
ووكالة بيت مال القدس مؤسسة عربية إسلامية غير هادفة للربح تأسست سنة 1998 بمبادرة من جلالة المغفور له الحسن الثاني، الذي تولى رئاستها حينها. وقد انبثقت عن منظمة المؤتمر الإسلامي التي تبنت هذه المبادرة الهادفة إلى حماية الحقوق العربية والإسلامية في المدينة المقدسة وتعزيز صمود أهلها من خلال دعم وتمويل برامج ومشاريع في قطاعات الصحة والتعليم والإسكان والحفاظ على التراث الديني والحضاري للقدس الشريف.