من الرشيدية إلى نانسي .. حكاية الفنان العصامي هاشم آل الشيخ الذي سكن الوطن لوحاته الإبداعية

من الرشيدية إلى نانسي .. حكاية الفنان العصامي هاشم آل الشيخ الذي سكن الوطن لوحاته الإبداعية

الخميس, 2 أبريل, 2015 - 11:02

(بقلم : علي الحسني)
الرشيدية – من قصر سيدي أبو عبد الله بالجماعة القروية شرفاء مدغرة انتقل هاشم آل الشيخ، الشاب العصامي، إلى مدينة نانسي الفرنسية بحثا عن عمل في رحلة تمخضت عن ميلاد فنان تشكيلي لم يفارقه حب الوطن يوما فبصم أحاسيسه الجمالية والفنية في لوحاته التعبيرية.بداية ستينيات القرن الماضي حزم هاشم، الذي لم يتجاوز مستواه الدراسي شهادة الدروس الابتدائية وهو ابن وسط محافظ مشبع بالتقاليد والعادات، حقائبه في رحلة سفر قادته الى مدينة نانسي الفرنسية وهو في ريعان الشباب مفعم بحب المغامرة واكتشاف عوالم جديدة.

ولأنه كان عصاميا ولا يتقن لغة المهجر فقد كان همه الأول في البداية تأمين لقمة عيش … لم يكن هاشم يعتقد أن رحلته تلك، التي كان دافعها البحث عن العمل، ستفضي به إلى عالم التشكيل بعد أن طرده رب العمل لعدم قدرته على الاشتغال في أعمال البناء والتطهير والتأقلم مع ظروف العمل الشاق والمضني.

لم يسبق له أن درس الفن التشكيلي، لكنه، وبعد رحلته تلك والانتقال من عمل إلى آخر، قرر أن ينكب على الفن وحب الرسمن وعن ذلك يقول آل الشيخ، في بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء، “لقد حاولت أن أنطلق من تجربتي الخاصة وأن أعرف ذاتي من خلال أعمالي”.

الحديث ذو شجون مع الفنان آل الشيخ في تجربة العشق والشوق والغربة، بآلامها وآمالها بأحلامها وبانكساراتها التي ترجمها بالريشة إلى أحلام وأماني لم تفارق مخيلته.

إصابته بالمرض كانت حافزا قويا لشق طريق الفن التشكيلي بالنسبة لهاشم فترجم عشقه وشوقه وغربته في لوحاته التي عكست نفسيته والمعاناة التي طالت المهاجرين المغاربة في تلك الحقبة مع الغربة.

وأثناء فترة علاجه بالمستشفى كان هاشم يؤنس وحدته بالرسم على الورق بالقلم الجاف، فالممرضة مارتين، التي كانت تداوم على علاجه اكتشفت موهبته الفنية في فن البورتريه واستنساخ ومحاكاة الصور الموجودة على البطائق البريدية والتي كان يقدمها غالبا هدايا وعربون محبة للممرضات ولأصدقائه المرضى.

يعكف آل الشيخ على محترفاته في سكون الليل متوسلا بالعزف على آلة القيثارة والتغني بمقطوعات من ربيرتوار أشهر العازفين والمغنين أمثال الفرنسي ريتشارد انطوني صاحب “هذا القطار الذي يأخذني بعيدا” والبلجيكي مارك أريون صاحب “الرسالة” والمطرب مايك برونت “دعني أحبك” و”دمعة واحدة” الذي اقتنى لوحتين فنيتين من أعمال الفنان آل الشيخ.

الاقتران بفرنسية شكل بالنسبة لهاشم دفعة قوية في عالم التشكيل حيث شجعته على السير قدما على درب الإبداع، كما أن تعلمه على يد أحد الفنانين الفرنسيين، الذي تنبأ له بمستقبل واعد في عالم الفن لأن لمساته في هذا المجال كبيرة، أوليات فنون الرسم التشكيلي وخاصة الصباغة الزيتية والرسم على القماش للبلدات الفرنسية ولمناظرها الطبيعية.

كان الفرنسيون، يقول آل الشيخ، “يبدون إعجابا كبيرا بأعمالي التي لاقت رواجا وشهرة حتى في بلجيكا التي كنت أسافر اليها لملاقاة اصدقائي وتسويق لوحاتي الفنية”.

يواجه الفنانون في المهجر، يؤكد آل الشيخ في نبرة لا تخلو من حسرة وأسى، صعوبات وعراقيل كثيرة لإثبات وجودهم وسط ثقافة ثانية فيما يصعب عليهم نسيان ثقافتهم الأولى.

عمله في تركيب النعوش وصقلها جعل فكرة الموت بالغربة تراود آل الشيخ كثيرا وشعوره بالوحدانية والحنين أرغماه على مغادرة الديار الفرنسية ليستقر بمدينة ورزازات التي وجد فيها متنفسا مثاليا لتفجير طاقاته الابداعية ليستقر بعدها بمسقط رأسه عله يحظى بالدفن بتربة طالما أحبها.

بعد تجربة طويلة في المهجر، يرى الفنان آل الشيخ، الذي تزوج ثانية من منطقته، أن الإنسان إذا وجد نفسه أو جزء من نفسه في المهجر ووجد العمل آنذاك يصبح المهجر وطنا مؤقتا، على الرغم من آلام الغربة حيث الحنين دائما إلى المكان الأول مهما كان صغيرا ومتواضعا.

الواحة بقصورها وقصباتها وخيامها ورمالها بالنسبة للفنان آل الشيخ مصدر إلهام ووحي .. وطقوس الرسم تكون أثناء الاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية خاصة المشرقية كفريد الأطرش وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب. رهافة حس الفنان وهبته ملكة العزف على آلة العود تقاسيم مشرقية ومغربية تحاكي تموجات نفسيته .. فنان صادق وشفاف في الرؤية الفنية، يمتلك القدرة والذكاء الخارق في اختيار الشكل واللون.

وقال الفنان هشام “حاولت أن أقدم من خلال مجموعة من لوحاتي تجسيدا للحنين إلى الوطن ضمنتها قوة الرمز التعبيري جاعلا من المكان رسالة واعية تحرك مشاعر المتلقي وتستفز روحه بما تثير من أسئلة عن مغزى هذا الإبداع الذي هو خلاصة تجاربي واشتغالاتي من خلال رؤية فنية لا تبتعد عن روح الواقع في بساطتها وطفوليتها التعبيرية”.

تراه أينما حط به الرحال يحمل معه أدواته وألوانه وهمومه وآماله وتطلعاته، يتفتح ذهنه لتخرج الأفكار لوحدها ويرسم ما دار في المخيلة من أفكار سرعان ما تتحول إلى عمل فني.

مولع بالألوان الصارخة والقوية .. الأخضر والأحمر والبني، حيث الضوء له نكهة أخرى والهواء الطلق في الطبيعة حيث الشمس والسماء وفي لباس النسوة والرجال ومشغولات الفلاحين وحياتهم البسيطة.

محاكاة المكان وتوظيفه تشكيليا، يقول آل الشيخ، هو تعبير لإيضاح الأسلوب والرؤية الفنية الخاصة التي انتهجتها في معالجة المكان/الوطن ورصد جمالياته وأبعاده الثقافية والتراثية. فقد ترجم مشاهد القصور والقصبات تشكيليا وبأساليب اتسمت بتعبيرية واقعية حداثية ممزوجة بألوان وأضواء الصحراء.

رصد الفنان آل الشيخ، ومنذ انطلاقة تجربته في الستينيات المبصومة بجمالية وتراثية البيئة والمكان الصحراوي الذي عشقه وقد شخص تلك العلاقة الحميمة بينه وبين المكان “اهتمامي البالغ برسم المعالم الصحراوية ينبع من قناعتي بأنها المكان الوحيد الذي اسافر من خلال عبر الزمن الى عالم الطفولة.

وفي أسلوب تصويري يتسم بالواقعية سجل الفنان المكان الصحراوي ومشاهد الأمكنة في القرى وغيرها وبألوان فرحة مشرقة تعكس فرحه بالمكان وتراثه وهويته. بعين طفولية ذات تعبير سحري، تناول الفنان آل الشيخ مشاهد المكان والمنظر الطبيعي في الواحات من قصور وقصبات ووديان بما فيها من آفاق جمالية وتنوعات بيئية.

بعد ستين عاما ونيف ما يزال هذا الفنان، الذي ينتمي للرعيل الأول من جيل الفنانين التشكيليين بالإقليم، كثير العطاء يحب العيش في الظل بعيدا عن الأضواء وواحدا من الذين لا تعرفهم إلا القلة القليلة، فإذا كانت التجربة الإبداعية لهذا الفنان لم تحظ بالاهتمام فإن تجربته الإنسانية وهي تعانق تجربته الإبداعية لم تتلق هي الاخرى اهتماماً من أي نوع مما حال دون تثمين أعماله التي في غياب أماكن مخصصة لعرض الابداعات الفنية بالمنطقة ظلت سجينة تنتظر من يحرر قيودها.

اقرأ أيضا

اليوم الثالث من المهرجان الدولي للفنون والثقافة “صيف الأوداية”.. أمسية فنية حافلة بإيقات متنوعة ومتميزة

الثلاثاء, 30 يوليو, 2024 في 11:02

تواصلت فعاليات الدورة الـ12 من المهرجان الدولي للفنون والثقافة “صيف الأوداية”، بمنصة كورنيش أبي رقراق بالرباط، بسهرة فنية، أحياها، مساء أمس الإثنين، عدد من الفنانين المغاربة، وذلك بمناسبة عيد العرش المجيد.

الاحصاء العام للسكان والسكنى.. انطلاق المرحلة الثانية من التكوين الحضوري للمشرفين الجماعيين والمراقبين المكونين بجهة الرباط -سلا – القنيطرة

الإثنين, 29 يوليو, 2024 في 14:58

انطلقت، اليوم الإثنين بالرباط، المرحلة الثانية من التكوين الحضوري الخاصة بتكوين المشرفين الجماعيين والمراقبين المكونين المشاركين في عملية الإحصاء العام للسكان والسكنى 2024 بجهة الرباط – سلا – القنيطرة.

أولمبياد باريس 2024.. راكب الأمواج المغربي رمزي بوخيام يتأهل إلى الدور الثالث

الإثنين, 29 يوليو, 2024 في 10:49

تأهل راكب الأمواج المغربي، رمزي بوخيام ، ليلة الأحد – الاثنين، بتيهوبو في تاهيتي، إلى الدور الثالث لمسابقة ركوب الأمواج، ضمن دورة الألعاب الأولمبية (باريس 2024).

MAP LIVE

MAP TV

الأكثر شعبية