مرضى الهيموفيليا.. “أحفاد سيزيف” في صراع متجدد لوقف النزيف

مرضى الهيموفيليا.. “أحفاد سيزيف” في صراع متجدد لوقف النزيف

الثلاثاء, 19 أبريل, 2016 - 11:55

 عبد اللطيف أبي القاسم

    دكار-  في ما يشبه تكرارا لقصة سيزيف، بطل الأسطورة اليونانية الذي حكمت عليه الآلهة بالعيش في دوامة مستمرة من المعاناة لا تكاد تنتهي إلا لتبدأ، يخوض مرضى الهيموفيليا، الذين احتفوا بيومهم العالمي أول أمس الأحد، كفاحا متواصلا وصراعا متجددا مع داء يحول دون توقف نزيف الدم الذين هم في عرضة دائمة له، ويجعل حياتهم “قطعة من عذاب” حين يصعب عليهم الولوج للعلاج، ولاسيما في الدول السائرة في طريق النمو.

   وفي غالبية الدول الإفريقية، ومن ضمنها السنغال، يكافح مرضى الهيموفيليا، أو “أحفاد سيزيف”، على مستويات عدة في مواجهة هذا المرض الذي يسبب معاناة كبيرة بتجليات عدة تبدأ منذ الصغر، ولكنها، مثل معاناة سيزيف، لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد.  

   ويعرف مدير المركز الوطني لتحاقن الدم بدكار، البروفيسور ساليو ديوب، الهيموفيليا باعتبارها “مرضا وراثيا يتميز بغياب البروتين المسؤول عن تخثر الدم لدى المريض (العامل 8 والعامل 9)،  ما يجعله معرضا للخطر في حالة وجود نزيف”، ويتسبب في مضاعفات تنعكس سلبا على صحة المصاب وقد تؤدي في حالة عدم التكفل به إلى الوفاة.

   ويبلغ معدل الإصابة بمرض الهيموفيليا على المستوى العالمي حالة إصابة واحدة في كل ألف نسمة.

   وقال البروفيسور ديوب، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن عدد مرضى الهيموفيليا الذين يتلقون العلاج على مستوى المركز الذي يديره يصل إلى 185 مصاب من ضمن 1400 شخص محتملة إصابتهم حسب المعدل العالمي، وهو ما يعني أن 20 في المائة فقط من المرضى من تم تشخيص إصابتهم.

   ويعزو البروفيسور ديوب، وهو أيضا عضو مجلس إدارة الاتحاد العالمي للهيموفيليا، هذا النقص في عدد الهيموفيليين المستفيدين من خدمات المركز لسببين رئيسيين يتمثل أولهما في تعرض الكثير منهم للوفاة في سن مبكر، لاسيما في صفوف الذكور الذين يتعرضون لنزيف حاد إثر عملية الختان. أما السبب الثاني فيتمثل في كون بعض حالات الإصابة بهذا المرض تكون أقل خطورة، ولا يتم الكشف عنها إلا في إطار التشخيص الذي يسبق الخضوع لعملية لجراحية.

  وتتنوع مظاهر معاناة مرضى الهيموفيليا حيث تتجاوز الآلام العضوية الناتجة عن الداء، لتطال الجانب المادي والنفسي والاجتماعي والمهني على حد سواء.

  وفي هذا الصدد، أبرز البروفيسور ديوب، أنه إضافة إلى مشكل النقص في التشخيص، يظل الولوج إلى العلاج أكبر مشكل يواجه المرضى، موضحا أنه “إذا كان العلاج معروفا ويقتصر على تعويض البروتين الناقص في دم المريض، فإن الصعوبة تكمن في مدى جاهزيته والقدرة على الولوج إليه”.

   وحسب البروفيسور ديوب، فإن “هناك مصنعا واحدا في القارة الإفريقية ينتج هذا الدواء يوجد في جنوب إفريقيا. ونظرا لأنه باهظ الثمن فإن العديد من الدول لا تتمكن من استيراده. وحتى إذا توفر الدواء فإن الولوج إليه ليس في المتناول بالنظر إلى الوضع السوسيو-اقتصادي الهش لعائلات المرضى”.

   ولمواجهة هذا الوضع، تأسست الجمعية السنغالية للهيموفيليا سنة 1992، على يد الدكتورة أنتا سار، المتخصصة في الصيدلة، والتي توفي ابن لها في ثمانينيات القرن الماضي بسبب داء الهيموفيليا إثر عملية الختان التي خضع لها دون سابق علم بإصابته المرض.

   تقول أنتا سار، في تصريح مماثل، إن إحداث الجمعية السنغالية للهيموفيليا مكن من تعزيز جهود المصابين بالداء وذويهم للتكفل بالعلاج ومواجهة باقي التبعات، مضيفة أن جهود الجمعية، توجت بمنحها عضوية الاتحاد العالمي للهيموفيليا.

   وحسب أنتا سار، أمينة مال الجمعية، فإن “دواء (العامل 8 و9) غير متوفر بالبلاد. نتوصل به فقط على شكل هبات إنسانية من الاتحاد العالمي للهيموفيليا. إنه باهظ الثمن، وسعر القارورة الواحدة يتراوح ما بين 300 ألف و500 ألف فرنك إفريقي (دولار واحد إفريقي يساوي 656 فرنك إفريقي)”. وتضيف “هذه الهبات تقدم مجانا للمصابين الذين يتابعون علاجهم بالمركز الوطني لتحاقن الدم الذي نشكره على انخراطه ودعمه”.

   محمد ياسين، رئيس الجمعية السنغالية للهيموفيليا، استعرض تجليات أخرى للصراع اليومي الذي يخوضه المصابون بهذا الداء. وقال محمد ياسين في تصريح للوكالة، إن الأمر يتعلق بقلة الإمكانات المادية بالنظر لغلاء الدواء وعدم توفره، ومعاناة نفسية قوامها القلق الدائم على صحة المريض واحتمال تعرضه لنزيف في أي وقت. ويوضح ياسين أن “الكثير من الأطفال المصابين يتعرضون لصدمات نفسية.. كما يعاني المصابون للوصم في بعض الأماكن والعائلات”.

  كما يتعلق الأمر بصعوبة الاندماج الاجتماعي سواء في الوسط المدرسي بالنسبة للأطفال أو المهني بالسنبة للشباب. “40 في المائة من المصابين بالهيموفيليا معاقون ولا يتوفرون على عمل. ويعاني المصابون أيضا من صعوبة العمل في بعض الظروف، وعدم تفهم بعض مسؤولي الشركات لحالتهم”.

   مشكل آخر صحي يعترض بعض المصابين في رحلة العلاج، ويتثمل في إفراز أجسامهم لمضادات أجسام بعد تلقي العلاج التعويضي بعامل التخثر المفقود أو الناقص. وهذا بالضبط ما يعاني منه ابن السيدة خارديا غولوكو ذو العشر سنوات.

   تقول خارديا إنها اكتشفت إصابة ابنها بالهيموفيليا وعمره 13 شهرا، وأنه رغم استفادته من العلاج بالعامل 8، إلا أن جسمه يرفض التفاعل بسبب تكون مضادات أجسام لهذا العامل في جسده. وأضافت أن علاج مضادات الأجسام يكمن في تناول دواء آخر، لكنه هو غير متوفر في السنغال.

   وتضيف خارديا والدمع يغالبها، “يعاني ابني من تسوس في إحدى أسنانه منذ ثلاث سنوات. لكننا لا نستطيع قلع السن حتى لا نتسبب في نزيف قد يؤدي به للوفاة.. وهو اليوم يعاني من آلام على مستوى الركبتين. ويقول الأطباء إن عليه وقف العلاج بالعامل 8 لأن عدد مضادات الاجسام بات مرتفعا في جسمه. لا أعرف ماذا أفعل”.

   ولا تقف الجمعية السنغالية للهيموفيليا مكتوفة الأيدي أمام هذه الوضعية. ويؤكد رئيسها أن المعركة التي قد تطول مع الداء مستمرة حيث ستواصل عملها على مساعدة المرضى وأسرهم ماديا وطبيا ومعنويا، والتحسيس بالمرض، والترافع أمام وزارة الصحة لتحقيق تقدم في مسار العلاج وتحسين جودته.

   وتعتزم الجمعية خلق فروع جهوية وتأسيس شبكات مع الأطباء ومهنيي الصحة والعمل الاجتماعي لتسهيل الولوج للعلاج بصفة عاجلة في مختلف جهات البلاد. وفي هذا الإطار احتضن المركز الوطني لتحاقن الدم الاسبوع المنصرم ورشة من يومين لفائدة أطباء مصالح المستعجلات وأطباء الأطفال والبيولوجيين من مؤسسات استشفائية من جهات تييس، ولوغا، وكاولاك، بغرض تعزيز معارفهم في مجال مرض الهيموفيليا، ووضع مخزون من الأدوية في كل جهة لتمكين المرضى من الولوج لها  دون الاضطرار للانتقال إلى العاصمة دكار.

اقرأ أيضا

الدار البيضاء.. إسدال الستار على مهرجان “ويكازابلانكا” بأمسية شعبية مغربية بامتياز

الأحد, 21 يوليو, 2024 في 14:37

أسدل الستار، مساء أمس السبت بساحة الأمم المتحدة، قلب العاصمة الاقتصادية النابض بالحياة، على مهرجان “ويكازابلانكا” 2024 الذي استقبل جمهورا متحمسا حج للاستمتاع بأمسية موسيقية لا تنسى، كانت نجمتها الأغنية الشعبية المغربية.

أولمبياد باريس 2024.. حضور قوي للمغرب في منطقة المشجعين (أفريكا ستاسيون)

الأحد, 21 يوليو, 2024 في 13:51

عاشت منطقة المشجعين (أفريكا ستاسيون)، القريبة من القرية الأولمبية الواقعة بإيل سان دوني بضواحي باريس، على إيقاع أجواء مغربية مميزة أمس السبت، حيث احتفلت بروح العيش المشترك والتآخي اللذين يميزان المملكة.

الداخلة-وادي الذهب.. أزيد من 1900 مستفيد من قافلة طبية متعددة التخصصات

الأحد, 21 يوليو, 2024 في 9:46

استفاد أزيد من 1900 شخص من خدمات قافلة طبية متعددة التخصصات نظمت في الفترة من 18 إلى 20 يوليوز الجاري، بمختلف أقاليم جهة الداخلة وادي الذهب.