مؤتمر حوار الحضارات بالبحرين .. الطريق شاق نحو عالم يسوده السلام

مؤتمر حوار الحضارات بالبحرين .. الطريق شاق نحو عالم يسوده السلام

الإثنين, 12 مايو, 2014 - 12:56

(من المراسل الدائم للوكالة بالمنامة، أحمد الطاهري)

المنامة- لم يستسهل لفيف رفيع المستوى من المفكرين ورجال الدين وممثلي المنظمات الدولية، اجتمع الأسبوع الماضي في المنامة في إطار مؤتمر (حوار الحضارات والثقافات)، عملية تكريس هذا الحوار، مقرا بأن السعي إلى إرساء دعائم عالم يسوده السلام والوئام طريق شاق يستدعي عملا مشتركا منسقا، ذكيا ومبتكرا، وتفكيرا عقلانيا جادا من لدن النخبة الطليعية الممثلة لمختلف الديانات والثقافات والحضارات.
اختلفت زوايا النظر إلى موضوع نهج الحوار لإنقاذ البشرية من شرك البؤس والفوضى والدمار الذي جرها له فكر بائس وعقل خرب، إلا أن القاسم المشترك تجلى في كشف “وهم” حتمية صراع أو صدام الحضارات، والإقرار مقابل ذلك بالاختلاف والتنوع كرافدين طبيعيين وحتميين للتفاهم والتكامل في أفق بلوغ الهدف المنشود المتمثل في إسعاد البشرية جمعاء.
وفي مرافعاتهم عن الضرورة القصوى لترسيخ المثل العليا القمينة بإرجاع السلوك البشري إلى جادة الصواب بعد ضلال وزيغ بلغا أعلى درجة من البطش والوحشية، نهل المفكرون ورجال الدين كثيرا من منظومة علم الأخلاق، داعين إلى التحلي بنسق قيمي متكامل يسنده العلم والعقل.
بدت الدعوة صريحة للعمل جديا، وفق آليات مرجعية ثقافية وتعليمية وإعلامية ناجعة، من أجل إعلاء وسيادة فضائل الانفتاح على الآخر، التواصل والتفاهم والتعايش والتصالح، التعاون والتقاسم والوفاق والسلام، بعد أن عانت البشرية وما تزال تعاني كثيرا من ويلات الجهل والغطرسة والانغلاق، الشك والضغينة والخوف والعزلة والاغتراب، الخصام والتصادم والانقسام، النزاع والاحتراب.
لقد أجمعت مختلف المداخلات وأوراق العمل على الدعوة إلى الحوار باعتباره الرافعة التي تحمل مسؤولية ترسيخ وحدة الإنسانية في إطار تنوعها واختلافها وتعددها، حاثة على العمل على تشجيع وغرس قيم وثقافة الحوار بكل الوسائل الممكنة، ونبذ كل أشكال خطابات الكراهية التي تؤدي إلى التطرف والعنف والعنف المضاد، في سبيل إقرار تحالف حضاري يحقق العيش المشترك بين بني البشر على تنوعهم وتعدد ثقافاتهم وخياراتهم الفكرية والدينية والروحية.
ومن زاوية الرؤية ذاتها، شدد البعض على ضرورة مراجعة أساليب التدريس في التعليم الديني، في أفق مجابهة الأفعال المأساوية المقترفة باسم الدين، وكبح جماح العنف والإرهاب بمختلف أشكاله، وتسليط الضوء على التجارب الإيجابية للعيش سويا عبر التاريخ، بين الجماعات المختلفة الأصول دينيا ومذهبيا وثقافيا.
واستفاض المؤتمرون في تسليط الضوء، أيضا، على الدور المحوري الذي يتعين القيام به من لدن الدول ومنظمات المجتمع المدني المحلية وعبر الوطنية، ومختلف المنظمات الإقليمية والدولية لترسيخ قيم الحوار والتعايش بين الأمم والشعوب، والتغلب على الأسباب الرئيسية الكامنة وراء الشقاق في ما بينها، والمتمثلة، أساسا، في سياسة الكيل بمكيالين وعدم المساواة، وفجوات التنمية والفقر وسوء توزيع الموارد.
واحتل موضوع الكراهية حيزا هاما من النقاش، حيث خلص المؤتمر إلى الإقرار بأن جميع أشكال خطابات الكراهية تعد ممارسات منافية لحقوق الإنسان، تتعارض مع المدنية وتجافي الحضارة، فهي تصدر عن علاقة بالآخر يحولها الجهل به إلى كراهية، وهي لا تؤدي سوى إلى الإقصاء والتمييز، وإلى التشجيع على التعصب والتطرف والإرهاب، والدعوة إلى الانغلاق بدل الحوار، وإلى العنف بدل السلام، وإلى التباغض بدل التعاون والتحالف.

ولم يفت المؤتمرين، أيضا، تفكيك علاقة الديني بالسياسي، حيث اعتبروا في (إعلان البحرين) الذي توج مداولاتهم، أن الاستغلال السياسي للأديان والحضارات بالتشجيع على تكريس العقليات الفئوية والعنيفة وغير المتسامحة هو مدخل للتشويش على الحوار الحضاري لكل مجهودات التضامن الحضاري تحت راية القيم المشتركة، وطريق للتدخل في الشؤون الداخلية للمجتمعات والدول ذات السيادة، وتعطيل للتنمية، وغلق لأبواب التطور السياسي الطبيعي للمجتمعات بتكريس منطق التصلب والمغالبة وأشكال المحاصصات السياسية، بدل منطق التسامح والتعاون والولاء المشترك للوطن.
وكان شيخ الأزهر الشريف، أحمد الطيب، واضحا ودقيقا في تشخيص الواقع، إذ حذر من أن العالم أصبح على سطح بركان عنيف يهدد بالهلاك، وأنه لم يعد هناك من حل إلا بالتعارف والحوار والتقارب بين الأمم والشعوب والأديان.
الإمام الأكبر ذهب أبعد من ذلك في التحليل، إذ رأى أنه ينبغي قبل التحاور مع أتباع الديانات الأخرى، إجراء حوار داخلي “يجمع أهدافنا ويوحد مقاصدنا العليا، حيث نعذر بعضنا بعضا في ما اختلفنا فيه، خاصة وأنه يقع بيننا كمسلمين العنف والبغضاء جراء اختلافات مذهبية يتسع لها ديننا الحنيف”.
من جانبه، شدد رئيس منتدى الفكر العربي، الأمير الحسن بن طلال، على ضرورة توحيد الجهود التي بدأت منذ أربعة عقود لنشر ثقافة السلام والتمكين لثقافة المواطنة العالمية، محذرا من خطورة توسع “البلقنة” وانتشار الخلافات العرقية والطائفية التي أصبحت تمتد من البلطيق إلى البحر الأسود وصولا للمنطقة العربية.
ويرى رئيس تحرير قناة (تي في 5 موند) الفرنسية، سليمان زغيدور، أن العزلة والانغلاق تشكلان أبرز السمات التي أسهمت في إرباك علاقتنا بالآخر، جازما بأن فكرة التعايش – الحوار بين مختلف الثقافات والحضارات أضحت شرطا لازما وحاسما لاستمرار البشرية، إذ لا خيار بديل عن التعايش بين مختلف ألوان الطيف اللغوي والديني والثقافي، باعتبار أن التنوع ظاهرة طبيعية وحتمية.
بدوره، استند تحليل الأمين العام للجنة الحوار الإسلامي المسيحي، محمد السماك، للعامل البيولوجي في توصيف حراك المجتمعات، إذ يعتبر أن التدافع، وليس التحارب ولا التصادم، هو تنافس ارتقائي وتطويري للمجتمعات الإنسانية المختلفة. ذلك أن المجتمعات هي كالمياه، إذا ركدت أسنت، وإذا تحركت وتدافعت أمواجها، تعانقت مع حركة الضوء والريح مما يوفر لها عناصر الحياة والانتعاش والنمو والتقدم.
وانطلاقا من هذا الإيمان الراسخ بحركية ودينامية المجتمعات، اختار منظمو المؤتمر، الذي انعقد بمبادرة من عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، تحت شعار “الحضارات في خدمة الإنسانية)، صورة جد معبرة لملصق هذه التظاهرة العالمية، وهي صورة شجرة خضراء كبيرة معطاء، يانعة ووارفة الظلال، ترمز إلى أن الوحدة الإنسانية هي الأصل الذي يجمع بين بني البشر على اختلاف توجهاتهم الفكرية والثقافية والدينية وألوانهم وألسنتهم.
ومن هذا المنظور، سيظل يمثل الاختلاف بين الناس وما يشكله هذا الاختلاف من تدافع، أحد أهم مستلزمات عدم فساد الأرض، إذ من دون الاحتكاك الفكري والتلاقح الثقافي والتدافع الحضاري بين الناس مختلفي ومتنوعي الثقافات، يفقد الذهن عطشه إلى المعرفة التي هي عود الثقاب الذي يلهبه.

اقرأ أيضا

فيضانات إسبانيا: الحكومة تستعد لإعلان المناطق المتضررة بشدة “مناطق منكوبة”

السبت, 2 نوفمبر, 2024 في 14:10

أعلن رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، اليوم السبت، أن السلطة التنفيذية تعتزم إعلان المناطق المتضررة بشدة من الفيضانات المدمرة التي ضربت جنوب شرق البلاد “مناطق منكوبة”.

وزارة العدل تعزز اللاّمركزية بتأسيس مديريات إقليمية لتحديث الإدارة القضائية

السبت, 2 نوفمبر, 2024 في 12:21

أصدر وزير العدل قرارا بإنشاء وتنظيم المصالح اللاممركزة للوزارة، متمثلة في مديريات إقليمية للعدل موزعة على مستوى الدوائر القضائية لكل محكمة استئناف.

السيد الشامي يبرز إيجابيات تعزيز حكامة المالية العمومية (مناظرة)

السبت, 2 نوفمبر, 2024 في 11:36

أكد رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أحمد رضا الشامي، أمس الجمعة بالرباط، أن تعزيز حكامة المالية العمومية يخلق آثار إيجابية على عدة مستويات.