قطاع الصحة .. خطوات هامة تحققت في قطاع ما يزال يعاني من اختلالات بنيوية عميقة

قطاع الصحة .. خطوات هامة تحققت في قطاع ما يزال يعاني من اختلالات بنيوية عميقة

الجمعة, 27 ديسمبر, 2013 - 10:37

(بقلم: كريمة حاجي )

الرباط – حقق المغرب سنة 2013 خطوات هامة على درب النهوض بالخدمات الصحية وتجويدها، من خلال اعتماد جملة من الإجراءات والمخططات المحددة الأهداف لتحسين ولوج المواطن المغربي للعلاج، غير أنه رغم كل ما تحقق ما تزال المنظومة الصحية الوطنية تعاني من اختلالات بنيوية عميقة تحد من فاعليتها.

وتجمع الجهات المعنية بالشأن الصحي بالمغرب على أن الوضع الحالي للقطاع يبين بوضوح وجود إكراهات عديدة تتطلب اعتماد رؤية شمولية واضحة واستراتيجية ناجعة تعتمد على دمج البعد الصحي في السياسات العمومية، وعلى الدراسة الدقيقة لكل المعيقات من أجل إيجاد الحلول المناسبة لها.

وترى أن تكريس هذا الحق الذي تضمنه دستور 2011 ومحو الصورة النمطية السلبية المعروفة عن القطاع لدى المواطن المغربي، يمران عبر “بلورة ميثاق وطني” أكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس في الرسالة السامية التي وجهها إلى المشاركين في المناظرة الوطنية للصحة المنعقدة بمراكش في يوليوز الماضي، أنه يتعين أن يكون “واقعيا وقابلا للتفعيل، يضع المواطن في صلب اهتمامات المنظومة الصحية، هدفه تحصين المنجزات، وتقويم الاختلالات، وإيجاد السبل الكفيلة بتجاوز الإكراهات، واستشراف الآفاق المستقبلية الواعدة، ضمن مقاربة شمولية وخلاقة، غايتها الأسمى توفير خدمات ذات جودة عالية لكافة المواطنات والمواطنين، بصفة ناجعة، عادلة ومنصفة”.

ومن بين أوجه هذه الاختلالات تلك التي تضمنها الرأي الذي أصدره المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي مؤخرا حول”الولوج إلى الخدمات الصحية الأساسية بالوسطين الحضري والقروي” والذي رسم صورة قاتمة عن القطاع الصحي، حيث اعتبر أن شبكة العلاجات الصحية الأساسية تشكو من غياب خريطة صحية ونقص في الموارد البشرية والمالية ومن تدبير مغرق في المركزة وغير فعال.

كما خلص إلى أن التخطيط الحالي لتنظيم شبكة مؤسسات العلاجات الصحية الأساسية لم يعد يستجيب للحاجيات، بل “وصل إلى الطريق المسدود”.

فرغم الجهود التي بذلت -يضيف المجلس- والتي مكنت من انتقال أمد الحياة من 47 عاما سنة 1962 إلى 75 عاما سنة 2010 ، وانخفاض معدل وفيات الأمهات والأطفال أقل من 5 سنوات، إلا أن هذا المعدل يبقى من بين الأكثر ارتفاعا في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط .

وأشار إلى أن بناء مؤسسات علاجية صحية في كل الجماعات القروية تقريبا، دون اعتبار لنقص الموارد البشرية والمادية أفضى إلى وضعية نجد فيها أن 143 مركزا صحيا مغلق في الوقت الحالي، في حين يشهد بعضها ارتيادا ضعيفا جدا.

وسجل المجلس أيضا النقص الكبير في عدد مهنيي الصحة وأوجه التفاوت الكبيرة في توزيعهم بين الجهات وحتى داخل الجهة الواحدة وبين الوسطين الحضري والقروي. كما تبلغ نسبة الأطباء إلى عدد السكان 6,2 طبيب لكل 10 آلاف مواطن، وهي نسبة تبقى دون معايير منظمة الصحة العالمية..

وتقدر وزارة الصحة النقص في عدد الأطباء ب6000 طبيب، وفي عدد المهنيين شبه الطبيين ب9000 مهني، وهو نقص يزيد من حدته كون القطاع الخاص يشتغل أيضا بمهنيين من القطاع العام، كما أنه سيتفاقم خلال العقد القادم مع بلوغ 24 في المائة من المهنيين شبه الطبيين سن التقاعد (حوالي 7000 شخص).

أما نظام المساعدة الطبية (راميد) الذي تتواصل عملية تعميمه ليشمل 8,5 مليون نسمة من ذوي الدخل المحدود، فرغم الإجراءات المصاحبة التي تم اعتمادها لتفعيله على النحو الأمثل، ولاسيما رفع الميزانية المخصصة للأدوية من 1,6 مليار درهم سنة 2012 إلى 2,2 مليار في 2013 وقرار منع مهنيي الصحة بالقطاع العام من الاشتغال في القطاع الخاص الذي أثار الكثير من الجدل، إلا أنه يتم تسجيل تعثر على مستوى أجرأته بسبب تعقد المساطر الإدارية وضعف إمكانيات المستشفيات العمومية وطول الانتظار للحصول على الخدمة الصحية المطلوبة خاصة بأقسام الجراحة والمستعجلات.

وعلى صعيد آخر، ومن أجل تحسين الولوج إلى الدواء، الذي يعتبر ثمنه مرتفعا في المغرب حيث يصرف كل مواطن ما معدله 376 درهما فقط سنويا على اقتنائه بسبب القدرة الشرائية الضعيفة، تم خلال مرحلة أولى، سنة 2012 ، تخفيض أثمنة 320 دواء، في حين ستشمل المرحلة الثانية 800 دواء، ليصبح العدد الإجمالي للأدوية التي ستعرف تخفيضا حوالي 1120 دواء.

ومن شأن هذا التخفيض أن يساهم بشكل مباشر في تحسين الولوج إلى الأدوية لصالح المواطن المغربي الذي يساهم في الخدمات الصحية بنسبة 54 في المائة، 40 في المائة منها موجهة لاقتناء الأدوية.

غير أنه ورغم هذه الخطوة، يبقى ثمن الدواء بعيدا عن متناول المواطن العادي بسبب عدم ملاءمة المراسيم والمقررات التي تخص طرق تحديد أسعار الأدوية (تعود لسنة 1969) لمستجدات القطاع، وعدم التشجيع على استعمال الأدوية الجنيسة التي تتوفر على نفس جودة الأدوية الأصلية وتتميز بأسعارها المعقولة.

كما أن منطق حماية المصالح الذي يتحكم بشكل كبير في مفاوضات الوزارة الوصية مع مهنيي قطاع الصيدلة يعسر التوصل إلى قرارات شجاعة تسهم في خفض أثمنة الأدوية بشكل يضاهي ما هو معمول به في دول عربية.

ومن بين المجالات التي أخذت وزارة الصحة على عاتقها النهوض بها ومنحتها الأولوية في تدخلاتها، المستعجلات والصحة النفسية والعقلية، حيث تم في هذا الصدد إطلاق المخطط الوطني للتكفل بالمستعجلات الطبية في مارس 2013 الذي يرتكز على خمسة محاور رئيسية وهي المستعجلات ما قبل الاستشفائية? والمستعجلات الاستشفائية? والتكوين والتأطير الاستعجالي للطواقم الطبية وشبه الطبية? وتطوير الشراكات بين القطاعات العمومية وبين القطاعين العام والخاص? فضلا عن الإطار القانوني في هذا المجال.

أما المخطط الوطني للتكفل بالصحة النفسية والعقلية الذي تم إطلاقه في يونيو 2013 ، فيروم تعزيز العرض الخاص بالطب النفسي والعقلي من خلال إحداث مستشفيات جهوية متخصصة وتوفير الأدوية وتعزيز التكوين الأساسي والتكوين المستمر لمهنيي الصحة قصد رفع عدد الأطباء المتخصصين (الطب النفسي، والطب النفسي للأطفال)، وتعزيز تكوين الممرضين المتخصصين في الطب النفسي.

وتأمل الوزارة المعنية، من خلال هذا المخطط الذي تؤكد أن نتائجه ستكون ملموسة على المديين المتوسط والبعيد، في تجاوز “الحالة المزرية” التي توجد عليها غالبية المؤسسات الاستشفائية على مستوى هندستها وبناياتها وتجهيزاتها ومرافقها الصحية، والتي رصدها المجلس الوطني لحقوق الإنسان في تقريره حول”الصحة العقلية وحقوق الإنسان: الحاجة الملحة لسياسة جديدة” في شتنبر 2012 ، بالإضافة إلى عدم مراعاة شروط المراقبة والسلامة وضعف أو غياب الصيانة وضعف الطاقة الإيوائية لهذه المؤسسات وعدم تكافؤ توزيعها الجغرافي والخصاص المهول في عدد الأطباء والممرضين وتعرض المرضى العقليين للوصم والإقصاء وضعف التكفل الصحي بهم.

ورغم اختلاف وتنوع المقاربات التي يرى فيها مهنيو الصحة حلولا لإشكاليات المنظومة الصحية، يتم التأكيد على صعوبة إيجاد حلول جذرية وعلى ضرورة التأسيس على التراكمات الحالية من أجل التخفيف فقط من حدة هذه الإشكاليات، مع التأكيد على ضرورة الولوج إلى الوقاية والتربية الصحية لمواجهة الانتشار المتزايد للأمراض وبالتالي التخفيف مستقبلا من الضغط الذي يعاني منه القطاع.

اقرأ أيضا

مدينة سلا تعيش على إيقاع الدورة 16 للمهرجان الدولي لأطفال السلام

الخميس, 25 يوليو, 2024 في 20:40

تحتضن مدينة سلا حاليا فعاليات الدورة 16 للمهرجان الدولي لأطفال السلام الذي تنظمه جمعية أبي رقراق إلى غاية 30 يوليوز الجاري تحت الرئاسة الشرفية لصاحبة السمو الملكي الأميرة لالة مريم.

إقليم تازة.. حريق بغاية بورد بدائرة أكنول يأتي على حوالي 30 هكتار

الخميس, 25 يوليو, 2024 في 19:23

أتى حريق اندلع مساء أمس الأربعاء بغابة بورد بمنطقة الشرشارة بجماعة بورد بدائرة أكنول بإقليم تازة على 30 هكتار من الغطاء الغابوي.

السيد أخنوش يشارك في قمة باريس حول “الرياضة والتنمية المستدامة”

الخميس, 25 يوليو, 2024 في 18:30

شارك رئيس الحكومة، السيد عزيز أخنوش، اليوم الخميس بباريس، في قمة “الرياضة والتنمية المستدامة”، التي تنعقد على هامش افتتاح الألعاب الأولمبية، حيث يمثل صاحب الجلالة الملك محمد السادس في هذا الحدث الرياضي العالمي.