”فيلا 69” للمصرية آيتن أمين: شاعرية زمن الانتظار

(من مبعوث الوكالة : نزار الفراوي)

خريبكة- بفيلمها الطويل الأول “فيلا 69″، تكرس المخرجة المصرية الشابة آيتن أمين انتماءها إلى جيل جديد من السينمائيين الذين يحاولون شق مجرى مغاير للأشكال التقليدية للكتابة التي وسمت العديد من إنتاجات الاستوديوهات المصرية عبر سنوات مجدها الجماهيري والنقدي.

ثمة حكاية إنسانية عادية. رجل يعيش العزلة في بيته القديم. يحصي أيام مرضه العضال المتشابهات، في انتظار الرحيل. جدة الكتابة تكمن في الخروج من الخيار التقليدي للسرد القائم على حوار مباشر وتعبيرات حركية سطحية تستدر التعاطف إلى الرصد الدقيق والذكي لأوجه علاقة الذات المريضة واليائسة مع الزمن والمحيط، مع الأشياء والتحولات. يبحث الفيلم عن إنتاج المعنى من خلال حساسية عالية تعطي لردود الأفعال، حتى الأكثر طبيعية، دلالاتها على مستوى الوعي والإحساس.

“الفيلا 69” ، الذي يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان خريبكة للسينما الإفريقية، يحكي زمنا انتظاريا مستسلما، يهيئ للرحيل. يكاد الرجل المريض، المهندس حسين، (خالد أبو النجا) الذي يعيش على ذكريات من الماضي، يحصر علاقته بالعالم في ما تحكيه الممرضة التي تتعهده. ينبعث عامل درامي يصنع التحول في علاقة الذات مع واقعها. حين تطل شقيقة المريض (لبلبة) وحفيدها المراهق، لرعاية حسين في أيامه الأخيرة، يضطر إلى مواجهة إيقاع جديد، يضايقه، يرفضه بداية لأنه اعتاد الوحدة والهدوء، لكنه لا يلبث أن ينقاد إلى جاذبية الإقبال على الحياة ومقاسمة المتع الصغيرة لفتى مقبل على الحياة، وتجديد الصلة بشقيقته التي باعدت الحياة بينهما طويلا. تحتدم رهانات الموت والحب والعلاقات الإنسانية والفقدان.

إيقاع بطيء يحاكي أجواء الفيلم وزمنية شخصيته الرئيسية. ديكور غني داخل فيلا عتيقة لطبقة أرستقراطية آيلة للاندثار في مصر. الأثاث القديم، السيارة “الأنتيكة” الرابضة في مرآب البيت، موسيقى محمد عبد الوهاب، عناصر تؤثث الفضاء وتشحنه بشاعرية مكان مفعم بوضع الشخص الذي يسكنه.

تقول آيتن أمين، التي تسجل بداية مشجعة في أول أفلامها الطويلة، بعد ثلاثة أعمال قصيرة. إنها تراهن على معالجة مواضيع إنسانية غير مرتبطة بمكان أو واقع محدد. تريد أن تغوص في أعماق شخصيات قد توجد في أي مكان.

تدافع عن لمستها التجريبية الواضحة، البعيدة عن السرد الخطي الكلاسيكي. كما تعترف بحضور العنصر الأوتوبيوغرافي، بالنظر إلى كونها عايشت تجربة مرض طويل أقعد والدها، فتكونت لديها فكرة عن وضع المريض وهو يفقد السيطرة على حياته.

وكان لافتا في الفيلم حضور المخرج المصري المعروف خيري بشارة كضيف شرف، في دور صغير، لكنه يلمح إلى تواصل بين جيلين مختلفين من صناع السينما في مصر، علما أن الجيل الجديد من المخرجين يعترف لخيري بشارة إلى جانب محمد خان، بتأثير قوي في اتجاهاته نحو التجديد والتأسيس لأساليب مغايرة عن الأجيال التي صنعت تاريخ السينما المصرية.

يذكر أن “فيلا 69” يشارك في المسابقة الرسمية للدورة 17 لمهرجان خريبكة التي تتواصل إلى 21 يونيو، ضمن قائمة من 14 فيلما تمثل 13 بلدا.