“غارديليتو”.. ثمانيني يلهب منذ نصف قرن شوارع بوينوس أيريس بإيقاعات التانغو

                            (بقلم: هشام الأكحل)

   بوينوس أيريس –  بأناقة جذابة لا تخطؤها عين المارة في المعرض المفتوح كل أيام الآحاد على طول شارع “لاديفينسا” بحي “سان تيلمو” وسط بوينوس أيريس، يقف “غارديليتو” ذو الـ83 عاما في نفس المكان منذ نحو نصف قرن من الزمن ممسكا بقيثارته القديمة وهو يرقص ويغني على إيقاعات التانغو التي تحمل السياح إلى بدايات القرن الماضي.

  اختار “غارديليتو” لنفسه مكانا وسط أشهر الأحياء ببونوس ايريس حيث لا يمكن لأي زائر لهذه المدينة أن يسقطها من قائمة الأماكن التي يتعين زيارتها، يعتمر قبعة أنيقة تمنحه بعضا من الطول لقامته القصيرة ويضع ربطة عنق اختارها بعناية يقول إنها تعود لكارلوس غارديل، أيقونة التانغو الأرجنتيني، الذي توفي في حادثة تحطم طائرة سنة 1935 بكولومبيا.

   إلى جدار علق صورا قديمة بعضها بالأبيض والاسود كما ألصق بالجدار أوراق صحف أرجنتينية وأخرى دولية سلطت الضوء في إحدى مقالاتها على غارديليتو الذي اختار أن يعيش في جلباب كارلوس غاريل إلى الأبد.

 الحيوية والنشاط لا يفارقان هذا الثمانيني الذي جعل من حياة البوهيمية عالمه الخاص فهو لا يخلف موعده يوم السبت بساحة فرنسا بحي لاريكوليطا ولا يوم الأحد بسان تيلمو. كما أنه لا يكل من أن يراقص المارة والسياح بل ويعلم بعضهم أبجديات رقصة التانغو وهو لا يشترط لذلك مقابلا بل يترك المجال مفتوحا لسخائهم وكرمهم.

   عدا أيام السبت والأحد يخصص غارديليتو باقي أيام الأسبوع ليعزف على قيثارته أنغاما تعود على سماعها سكان بلدة “مورون” بضواحي بوينوس أيريس، حيث رأى النور ويعيش حاليا، الذين ألفوا منظره بينهم وأصبح جزءا من المشهد اليومي لهذه البلدة. يحملهم بأنغامه إلى عوالم التانغو ويعود مساء إلى بيته حيث يعيش رفقة قيثارته.

على الرغم من سنه المتقدمة يقول غارديليتو في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، “أشعر أنني قادر على الرقص والغناء كما كنت في السابق ولم تأخذ السنون من حيويتي شيئا ..صحيح أن الشيب غزى الرأس والأخاديد شقت طريقها على وجهي لكن قلبي سيظل دائما ينبض حبا لموسيقى التانغو”.

في نظر غارديليتو من يغنون حاليا من الشباب لا يتقنون هذا الفن كما يجب وهم برأيه “لا يغنون بل يصرخون”، ويضيف بنبرة لا تخلو من ثقة عالية في النفس أنه أفضل من قلد كالوس غارديل ويفخر بزياراته للعديد من البلدان الاوروبية لتقديم عروض في الهواء الطلق.

 غارديليتو لا يستهويه استخدام مكبر الصوت ويقول أن أغاني التانغو تخرج من القلب وتنشد القلب والاحساس ولا تحتاج إلى واسطة لآنها قادرة على أن تصل إلى أبعد مدى في عمق الانسان.

وقد أدرجت منظمة اليونيسكو سنة 2009 موسيقى ورقصة التناغو ضمن خانة “التراث الثقافي الإنساني اللامادي، الذي يتعين الحفاظ عليه من الاندثار.

 عشاق هذا الفن اتخذوا من ساحات بوينوس أيريس وشوارعها خاصة “فلووريدا” و”لافايي” مسارح مفتوحة يبرزون فيها مهاراتهم في الرقص والغناء ويبدعون لوحات فنية كثيرا ما شدت انتباه المقيمين كما السياح.

 أما “غارديليتو”، الذي لا يأبه بمنتقديه ممن يلومونه بأنه يعيش متنكرا تحت اسم غيره، ولم يقم طيلة حياته إلا بترديد أغاني أسطورة التانغو كارلوس غارديل، فيصر على أنه سيواصل الطريق الذي اختاره إلى أن يوافيه الأجل أو إلى أن ينبري من هو أهل ليشغل مكانه.. وحينها فقط سيعتزل.