عرض مسرحية (حنين) لفرقة (فانتازيا) بالمنامة: إدانة صريحة لظاهرة زواج القاصرات

(أحمد الطاهري)

  المنامة – من خلال عرضها لمسرحية (حنين)، الليلة الماضية بالمنامة، ضمن مهرجان الصواري المسرحي للشباب (3 – 10 شتنبر الجاري)، تواصل فرقة (فانتازيا) المسرحية المغربية كشف عيب اجتماعي ما فتئ ينخر المجتمعات العربية، ويتمثل في ظاهرة زواج القاصرات,

  ويتنافس هذا العمل ضمن قائمة أعمال من البحرين، والمملكة العربية السعودية، والكويت، وسلطنة عمان، ومصر، على جوائز المهرجان التي تضم جوائز لأفضل ممثل أول، وممثل ثان، وللممثلة الأولى، والممثلة الثانية، ولأفضل إضاءة، وأفضل ديكور، وأفضل مكياج، وملابس، وموسيقى، وإخراج.

  كما تضم هذه الجوائز جائزة لأفضل عرض، وجائزة عبد الله السعداوي، التي تقدمها لجنة التحكيم الخاصة لأفضل عرض، بالإضافة إلى جائزة التأليف المسرحي التي استحدثتها إدارة المهرجان في الدورة الحالية.

  وتعالج مسرحية (حنين) التي ألفها الكاتب السعودي عباس الحايك، وأخرجها أنوار حساني، ظاهرة زواج القاصرات في العالم العربي، من خلال شخصيتين محوريتين: (أبو سلميان) الزوج العجوز المتوفى، و(حنين) التي زوجت قهرا له وهي في السن الثانية عشر، لحظة كانت تلهو بألعاب الأطفال وترنم أغانيهم..

  وسط ديكور بسيط أثث غرفة نوم غمرها الضوء بعد طول ظلام، تحكي الفتاة حنين قصة عشر سنوات مثقلة بالعذاب والقهر والمعاناة.. قصة زوجة وطبيبة وممرضة لعجوز مريض.. زوجة عاشت بين الممنوع والمحرم تحت سلطة رجل هرم.

  بعد وفاة الكهل “الوجيه والوقور”، تستعيد حنين حريتها وتعيش أنوثتها كما يليق بفتاة في عنفوان شبابها.. ويتحرر لسانها ليفضح في سرد جميل ومعبر سطوة وظلامية فكر ذكوري متحجر، ويكشف بهتان فحولة متوهمة، ومأساة خلل اجتماعي وفكري وسلوكي فادح يستقوي بسلطة المال و”الوجاهة” ولا يصده أدنى وازع لإرضاء نزواته الذكورية، حتى وإن اقتضى الأمر “امتلاك” كهل لطفلة في عمر حفيدته!.

  تستعيد الفتاة عافيتها بعد أن تخلصت من “صخرة” كانت تجثم فوق قلبها.. بعد قتامة ومرارة حياة، تنتشي بفتوتها كما يليق بأي فتاة تستمد عنفوانها وتشحذ نضارتها من رحيق الحياة.. تنزع عباءتها السوداء لتظهر بلباس أبيض قصير.. تسرح شعرها وتجمل وجهها بالمساحيق.. ترقص على وقع موسيقاها المحببة، وتفرد ذراعيها كطائر ينعم بحرية التحليق عاليا.

  الطفلة التي ترعرعت في ظل المنع والقهر إلى أن أضحت فتاة يافعة تتنفس بعد رحيل الكهل نسيم الحرية بعد طول اختناق.. الفتاة التي سرقت منها حياتها تتحرر من قيدها بعد “سجن” لمدة عشر سنوات قضتها بلا عائلة ولا حب.. بلا مرح ولا رقص ولا موسيقى.. الفتاة الطليقة تطلق صرختها المدوية الصادمة في قعر الواقع العربي المعتم والمأزوم: “ما الذي يبحث عنه عجوز لدى طفلة..؟”.

  وأعرب المخرج أنوار حساني، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، عن غبطة فرقة (فانتازيا) بالمشاركة بمسرحية (حنين) ضمن منافسات الدورة الحادية عشر لمسرح الصواري، مذكرا بمشاركة الفرقة في مهرجانات نظمت بالهند وبيلاروسيا ومصر، حيث فازت بعدة جوائز في مهرجان بورسعيد خلال العام الحالي.

   وأوضح حساني أن الفرقة تعاملت مع النص الذي يتناول ظاهرة زواج القاصرات كظاهرة اجتماعية عربية، لكونه يكتسي طابعا مستفزا يحث على طرح المشكل بغية إيجاد حلول له، مشيرا إلى أن لغة النص (العربية) لغة قوية أوصلتها ممثلة المسرحية إلى الجمهور باقتدار ودراية.

  وتناولت ندوة صحفية عقدها منظمو المهرجان عقب العرض، وأطرها مبدعون مسرحيون خليجيون بحضور مؤلف ومخرج المسرحية، والمشاركين في المهرجان والجمهور الذي غصت به (الصالة الثقافية)، واقعية النص ومختلف الجوانب الرمزية والتقنية لهذا العرض المونودرامي، مؤكدة أن العرض جسد عملا واقعيا يحمل هم قضية إنسانية راهنة، من خلال أداء فني رفيع، ممتع وجميل.

  وأجمع المتدخلون على الإشادة بأداء الممثلة الشابة كريمة أولحوس، التي برعت جيدا في تقمص أدوار مختلف الشخصيات، وفي التحكم في حركاتها الخفيفة والمتسقة على الخشبة، مستدرجة الجمهور لسبر أغوار واقع شاذ يخاصم الحداثة ويستعدي الكرامة الإنسانية.

  واختارت لجنة العروض بالمهرجان سبعة أعمال مسرحية من بين 24 عملا من مختلف البلدان العربية. وحازت معظم العروض المختارة للمشاركة على جوائز عربية.

  ومن البحرين، تأهل عملان من أعمال مسرح الصواري لخوض المنافسة على جوائز المهرجان، وهما مسرحية (الهشيم) وهي من تأليف عبد الأمير الشمخي وإخراج محمد شاهين، ومسرحية (كرسيان) التي ألفها عبد الله السعداوي وأخرجها ياسر القرمزي.

  وتضم قائمة الأعمال المشاركة في المهرجان، الذي يديره المخرج المسرحي أحمد الفردان، مسرحية (توبة إبليس)، المقتبسة من العمل المسرحي الشهير (دكتور فاوست) للكاتب كريستوفر مارلو. وتقدم المسرحية فرقة (الوتر) من مصر، وهي من إخراج محمد حلمي.

  ومن الخليج، تشارك ثلاثة أعمال مسرحية هي (العريش) لفرقة (مزون) العمانية، وهي من تأليف موسى البلوشي، وإخراج يوسف البلوشي، ومسرحية (زيارة) من فرقة (مسرح الشباب) بالكويت، وهي من تأليف وإخراج نصار النصار، ومسرحية (ثلاثة .. اثنان) لنادي المسرح بجامعة جازان السعودية، وهي من تأليف أحمد يعقوب وإخراج أحمد كاملي.

  ويحتفل مسرح الصواري بالبحرين بالذكرى الخامسة والعشرين لتأسيسه، مؤكدا أنه منذ تأسس عام 1991 وهو لا زال يؤمن بحركة التجديد والبحث في المسرح العربي.

ويؤكد مسرح الصواري أن هذا المهرجان يشكل ذريعة لأن يكون المسرح شابا ومتوهجا على الدوام، وأن يكون نافذة لمسرح عربي متجدد، معربا عن طموحه في استضافة عروض أجنبية في دوراته المقبلة، كي يتم إثراء خبرات الجمهور البحريني بأعمال ذات أنماط ومستويات متقدمة والإسهام في تقويم بوصلة الشباب المهتمين بالفن.