طبق “إل أسادو” والأرجنتينيون .. حكاية عشق وهوية

 هشام الأكحل

بوينوس أيريس- “إذا لم تكن عاشقا للأسادو وتعرف كيف تعده فأنت لست أرجنتينيا”، بهذه العبارة يلخص بيدرو، أحد أمهر الطهاة الأرجنتينيين العلاقة التي تربط أبناء بلاد التانغو بأطباق اللحم المشوي، المعروف محليا بالأسادو، هي علاقة قد تستعصي على الفهم لمن لا يدرك أهمية ورمزية “إل أسادو” بالنسبة للأرجنتينيين.

   ويتكون إل أسادو ، الذي يعتبر طبقا شعبيا متداولا على أوسع نطاق بالارجنتين، في الغالب الأعم من لحوم البقر إلى جانب أنواع أخرى من اللحوم التي يتم طهيها على مشواة يطلق عليها اسم “لابارييا”، أو يتم شواؤها على نار مكشوفة.

  وبحسب بعض المصادر التاريخية والدراسات الاجتماعية فإن جذور “إل أسادو” تعود إلى مطلع القرن الثامن عشر مع انتشار نمط رعاة البقر “إلغاوتشو” بمنطقة “لابامبا” ذات الأراضي السهلية الشاسعة وسط البلاد.

  ويشكل “إل أسادو” إلى جانب شراب “الماطي” جزءا من الهوية والثقافة الأرجنتينية، ولا ينحصر دوره في مجرد إشباع البطن بما لذ من اللحوم المشوية فحسب، بل يتعداه إلى دلالات أكبر تتمثل في كونه يعد رمزا للصداقة والتضامن.  وانطلاقا من هذا المعطى فقد حرصت سلطات العاصمة بوينوس أيريس على تنظيم أول مسابقة وطنية للأسادو جمعت مؤخرا، بساحة لاريبوبليكا أمام معلمة “الأوبيليسكو” وسط العاصمة، أمهر الطهاة من جميع المحافظات والأقاليم التي تضمها البلاد.

   إعداد “إل أسادو” لا يتطلب بالضرورة وجود شرط أو مناسبة معينة، غير أن نمط الحياة المدنية بات يفرض إقامة حفلات الشواء خلال أيام الأحد والعطل. كما أن إعداد هذا الطبق الأكثر شهرة في أمريكا الجنوبية، تسبقه طقوس خاصة من بينها طريقة إعداد موقد النار، واللباس التقليدي الذي يرتديه المكلف بعملية الشواء، الذي غالبا ما يكون من ذوي الخبرة في المجال، بينما تعمل النساء على إعداد ما يمكن أن يرافق طبق “إل أسادو”.

  بالنسبة للأرجنتينيين يمثل “إل أسادو”، في تقدير الصحافي والخبير في مجال الطبخ الأرجنتيني، بييترو سوربا، “الأكلة الأكثرة شهرة وإقبالا ويعني أيضا متعة الجلوس إلى المائدة وانتظار أن يأخذ اللحم نصيبه الكافي من الطهي قبل التمتع بنكهته المتميزة، كل ذلك يمثل بالنسبة إلينا شيئا يدخل في صميم ثقافتنا وهويتنا”.

  ويضيف سوربا، عضو لجنة التحكيم في هذه المسابقة، الأولى من نوعها، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، “لديكم في المغرب متخصصون في إعداد وشواء اللحم بمختلف الطرق ويمكن تذوقه بمراكش وفي ساحتها الشهيرة جامع الفنا”، معربا عن أمله في أن يتم في القادم من الأيام تنظيم مسابقة تجمع بين أمهر طهاة اللحم المغاربة والأرجنتنين وهو ما سيكون “أمرا رائعا”.

  وبدوره، اعتبر رئيس الحكومة المستقلة للعاصمة بوينوس أيريس، أوراسيو لاريتا، في تصريح مماثل، أن “إل أسادو يعد من بين أكثر الأطباق رمزية بالنسبة للأرجنتينيين وأهم اللحظات هي تلك التي يلتئم فيها أفراد الأسرة على مائدة واحدة، وأعتقد أنه من خلال الطبخ يمكن أن نتاقسم الكثير من الأشياء مع المغرب الذي يتوفر بدوره على طهاة يتقنون إعداد اللحم المشوي”.

  من جانبه، يرى ماريو أدريان بيريز، وهو أحد أمهر الطهاة الارجنتينن العارفين بخبايا إعداد “إل أسادو” أنه ليست هناك طريقة وحيدة لإعداد أفضل أكلة يعشقها الأرجنتينيون، بل هناك أربعون أو خمسون طريقة تختلف باختلاف المناطق، مضيفا أن معد أطباق “إل أسادو” يتعين أن يكون شخصا مرهف الاحساس وأن تجود قريحته شعرا ينهل من التراث الشعبي الأرجنتيني وهو يعد “ال أسادو”.

  إذا كان “ال أسادو” يتسيد كل الأطباق الأرجنتينية ويصعب تصور مائدة دون حضور وازن للحم، فإن المتخصصين في المجال الصحي يحذرون بالمقابل من أن الكميات التي يتناولها الارجنتينيون من اللحم والتي تفوق 50 كيلوغراما سنويا، قد تكون وراء وضع الارجنتينيين من قبل الدراسات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية ضمن خانة أكثر شعوب المنطقة بدانة، مع ما يعنيه ذلك من المشاكل الصحية.. ما ظهر منها وما بطن.