سنة 2013 : تأهل منتخب موريتانيا لأول مرة في تاريخه لتظاهرة كروية قارية بعد أزيد من خمسة عقود من الانكسارات

بقلم محمد بن الشريف

نواكشوط -شكل تأهل المنتخب الموريتاني لكرة القدم للنسخة الثالثة لنهائيات بطولة إفريقيا للاعبين المحليين، التي ستقام في جنوب إفريقيا من 11 يناير إلى فاتح فبراير 2014، إنجازا غير مسبوق في تاريخ الكرة الموريتانية.

فلأول مرة ستكون الكرة الموريتانية حاضرة في تظاهرة قارية من هذا الحجم وهي التي كانت في العقود الماضية لا تتجاوز في أحسن الحالات عتبة الدور التمهيدي إن لم تكن قد رفعت الراية البيضاء قبل انطلاق التصفيات.

لقد كان يوم 20 يوليوز 2013 يوما مشهودا في تاريخ منتخب “المرابطين” بتأهله لأول مرة للمشاركة في تظاهرة كروية قارية إثر فوزه في ليلة رمضانية بالملعب الأولمبي بنواكشوط على نظيره السينغالي 2-0 (خسر1-0 في الذهاب) في مباراة إياب الدور الثاني التي تتبعها أزيد من 20 ألف متفرج في مقدمتهم رئيس الدولة محمد ولد عبد العزيز الذي سبق وأن أكد للمكتب الجامعي دعم الدولة الكامل للجامعة وللمنتخبات الوطنية في مختلف الأصناف لتأمين حضور موريتاني منتظم في المسابقات القارية والعربية والإقليمية .

وكان المنتخب الموريتاني قد حقق في بداية مشواره إنجازا غير مسبوق أيضا بتسجيله أول فوز له خارج قواعده بهدف دون رد وكان على حساب منتخب مالاوي وتحديدا بملعب العاصمة منروفيا وأمام أعين رئيسة البلاد إيلين جونسون سيرليف.

ورسم هذا التأهل التاريخي ابتسامة في بحر من الدموع جراء الانتكاسات المتتالية والهزائم المذلة التي قتلت الأمل في نفوس الموريتانيين، لكن نتيجة مونروفيا والإطاحة بالمنتخب السنيغالي جعلتهم متعطشين إلى إحراز مزيد من الانتصارات والعودة إلى الواجهة بعد عقود من التواري عن الأنظار والوقوع في ذيل ترتيب المنتخبات العالمية في تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم (206) وهي الرتبة التي كان الرئيس الموريتاني محمد وعبد العزيز قد اعتبرها “غير مقبولة لأن البلد يتوفر على إمكانيات ومواهب كثيرة”.

في تلك الليلة تدفقت الجماهير في الشوارع وعبر الساحات والأزقة وامتدت الطوابير وأطلق أنصار “المرابطين” العنان لمنبهات سياراتهم في شوارع العاصمة وباقي المدن الأخرى احتفاء بهذا الحدث الذي انتظره الشعب الموريتاني على مدى أكثر من خمسين سنة.

واعتبر الرئيس ولد عبد العزيز تأهل منتخب “المرابطين” لنهائيات بطولة إفريقيا للأمم للمحليين “مفخرة للشعب الموريتاني وأدخل الفرحة إلى بيوت جميع المواطنين” وشكل “قطيعة تامة” مع عهود الهزائم التي طالما لاحقت المنتخب الموريتاني على مدى العقود الماضية .

ومن جهته، يرى رئيس الجامعة الموريتانية لكرة القدم أحمد ولد يحي أن تأهل الفريق للأدوار النهائية للبطولة الإفريقية للأمم للمحليين أعاد الأمل لكرة القدم الموريتانية وأثبت أن موريتانيا “قادرة بالفعل على المنافسة إذا توفرت الشروط اللازمة لذلك”، مؤكدا أن”الزمن الذي كان يجمع فيه المنتخب للعب أمام دولة أجنبية، ثم يهزم ويسرح قد انتهى”.

ومع ذلك يرى ولد يحي أن الطريق مازال شاقا وطويلا سعيا إلى بلوغ الهدف المتمثل في بناء كرة وطنية محكمة التنظيم في الداخل ومشرفة التمثيل في الخارج .

أما مدرب المنتخب الموريتاني الفرنسي باتريس نوفوه الذي ساهم بشكل كبير في تألق الكرة الموريتانية على الصعيد القاري، فلم يخف فرحته بلاعبيه وهم يصنعون المستقبل، معتبرا أن هذا التأهل يشكل “لحظة تاريخية” علاوة على كونه ساهم بشكل ملموس في تحسين تصنيف المنتخب الموريتاني عالميا حيث ارتقى من 206 في أوائل سنة 2012 إلى المركز 142 في الشهر الحالي.

وأكد باتريس نوفوه بأن فريقه “قادر على تحقيق الأفضل وتمثيل الكرة الموريتانية خير تمثيل في بطولة إفريقيا للمحليين “دون أن يخفي أن هدفه المنشود هو قيادة المنتخب (أ) إلى دورة كأس إفريقيا للأمم التي ستقام بالمغرب سنة 2015 .

وكانت النتائج الإيجابية التي حصدها منتخب “المرابطين” حافزا قويا لنوفوه لتمديد العقد الذي يربطه مع الجامعة الموريتانية لكرة القدم حتى سنة 2015 لأن كل شروط النجاح باتت متوفرة لمواصلة مهمته على رأس المنتخب الموريتاني حتى نهائيات كأس إفريقيا للأمم المقررة في المغرب على حد تعبيره، موضحا أن قراره تجديد العقد أملته رغبته الجامحة في “مواصلة النجاح وإيمانه بمستقبل الكرة الموريتانية وليس لاعتبارات مادية”.

وكان نوفوه قد أقام تجمعا تدريبيا للمنتخب الموريتاني (أ) بلاعبيه المحليين والمحترفين بالخارج استعداد لنهائيات بطولة إفريقيا للأمم 2014 وتصفيات كأس إفريقيا للأمم 2015 التي ستقام بالمغرب، حيث أجرى ثلاث مباريات ودية، اثنتين ضد المنتخب الكندي في شتنبر الماضي في بلنسية (إسبانيا) تعادل في الأولى (0-0) وفاز في الثانية (1-0)، وواحدة في شهر أكتوبر في مسقط ضد منتخب سلطنة عمان وخرج منها متعادلا (0-0).

كما أقام المنتخب الموريتاني للمحليين مؤخرا تجمعا تدريبيا في الجزائر أجرى خلاله ثلاث مباريات خسر الأولى أمام اتحاد البليدة (2-3) وتعادل في الثانية مع مولودية الجزائر (1-1) وفاز في الثالثة على شباب بلوزداد (3-2).

و توجه منتخب “المرابطين ” أمس الأربعاء إلى دكار ومنها إلى العاصمة الرواندية كيغالي حيث سيواجه في مبارتين وديتين المنتخبين الأوغندي والرواندي ضمن معسكر إعدادي ثالث وأخير، قبل أن يشد الرحال إلى جنوب إفريقيا.

يذكر أن المنتخب الموريتاني سيخوض مباريات الدور الأول في المجموعة الرابعة إلى جانب منتخبات الكونغو الديمقراطية (حامل لقب الدورة الأولى) والغابون وبروندي.

وتجدر الإشارة إلى أن باتريس نوفوه سبق له أن تولى تدريب منتخبات النيجر (1999-2000) وغينيا (2004-2006) وقاده إلى دور ربع نهاية كأس إفريقيا للأمم 2006 بمصر والكونغو الديمقراطية (2008-2010).

وكانت النتائج المشجعة التي سجلتها المنتخبات الموريتانية في مختلف الفئات حافزا قويا لشركة الاتصالات الموريتانية- المغربية “موريتل” لإبرام عقد شراكة مع الجامعة الموريتانية لكرة القدم، تصبح بموجبه الراعي الرسمي للمنتخبات الموريتانية والأندية الموريتانية المشاركة في المسابقات القارية والعربية بتقديمها منحة تصل إلى 150مليون أوقية تسدد على مدى ثلاث سنوات.

وأكد المدير العام ل” مورتيل” المغربي كمال عقبه أن مؤسسته “تجعل دائما من دعم الأنشطة الثقافية والرياضية إحدى أولوياتها” مبينا أن هذا الدعم ينبع من كون مؤسسته تعتبر أن الرياضة “تحمل قيما إنسانية وتساهم في مكافحة الاقصاء والتهميش وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية”.

وإدراكا منها لأهمية المكانة التي أضحت تحتلها الرياضة بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص باعتبارها رافدا اقتصاديا ومجالا للاستثمار ورافعة للتنمية البشرية قررت الحكومة الموريتانية الزيادة في الاعتمادات المخصصة لكرة القدم بموريتانيا ضمن ميزانية سنة 2013 .

فالمبالغ التي كانت تمنح للجامعة الموريتانية لكرة القدم من ميزانية الدولة لم تتجاوز 30 مليون أوقية سنة 2009 (100 أوقية تساوي 3 دراهم) إلا أن هذا المبلغ وصل سنة 2011 إلى 67 مليون أوقية، ليرتفع سنة 2012 إلى أكثر من 200 مليون أوقية، في حين وصل المبلغ المقدم في الأشهر الأولى من سنة 2013 إلى أزيد من 136 مليون أوقية. ويرافق هذا الدعم المالي مبلغ 30 مليون أوقية سنويا كراتب للمدرب الأجنبي، بالإضافة إلى تقديم تسهيلات مالية للجامعة في إقامة التجمعات التدريبية محليا ودوليا وإجراء مباريات ودية.

كما قررت السلطات العمومية إحداث صندوق لمؤازرة فريق “المرابطين” ذلك أن التحضيرات الجارية لبطولة إفريقيا للأمم للاعبين المحليين وتصفيات كأس إفريقيا للأمم (المغرب 2015) ستكلف حسب تقديرات الجامعة الموريتانية مليارين من الأوقية (5 ملايين أورو).

ووفق مصدر مسؤول بوزارة الثقافة والشباب والرياضة فإن الرئيس الموريتاني وعد لاعبي المنتخب بمكافئات كبيرة في حالة تحقيقهم لنتائج مشرفة في الموعد الجنوب إفريقي وضمان التأهل لنهائيات أمم أفريقيا القادمة في المغرب عام 2015 .

والأكيد أن النتائج التي سجلتها كرة القدم الموريتانية في السنتين الأخيرتين توحي بأن زمن الانكسارات قد ولى دون رجعة وأن المنتخب الموريتاني بات قادرا على المنافسة وتمثيل بلاده تمثيلا مشرفا في المحافل الرياضية القارية والإقليمية ولم لا الدولية.