(سماء عليلة) لقاسم حداد.. عربة ذهبية نحو السهوب، لمن يحسن قراءة المعادن!
المنامة – (لا أذهب إلى المنفى، إنه هنا)، هكذا يفتح الشاعر البحريني قاسم حداد كتابه (سماء عليلة) الصادر حديثا عن (دار مسعى). من أول وهلة، ثمة كشف عن وجع اغتراب، لا أمن ولا طمأنينة.. (تغادر الوطن. وهل الوطن في مكان؟).
بعد شذرات (الغزالة يوم الأحد)، الصادرة عن (دار الغاوون 2010)، أطلق قاسم حداد في (سماء عليلة) غارة شعرية جديدة عبأ لها 284 شذرة طلقة. القلم الرصاص لا يهادن أمام الخطر الدائم، والكتابة ملاذ يحمي الذات الهشة من عالم يكاد الهواء فيه لا يكفي زفير الأكباد..
ثمة شعور رهيب بالخطر الدائم يخيم على الكتاب. شعور متأصل لدى الشاعر، إذ بالعودة إلى سيرته الذاتية، نقرأ أنه ما إن يدركه المساء بعيدا عن البيت حتى تنتابه حالة الذعر الغامض، فيتصرف مثل وحش جريح ومحاصر..
في (سماء عليلة) يستدرج قاسم حداد القارئ للتحليق في رحلة خطرة على بساط كتابة قلقة ومستنفرة، تسبر عوالم وجود هش ومعطوب. عوالم القلق، الألم، الذعر، الخوف، الفقد، لا جدوى البحث عن جدوى..
في شذرات الكتاب يبدو وجع الحياة أكثر سطوة، والأمل ساقطا رميما، والعزلة قلعة لاحتماء المرء من العالم وإفلاته بجلده..تلك العزلة التي تصبح أكثر جمالا حين تكون في مكان لا أحد يعرفك فيه، وإن كنت تعرف أحدا، فسوف تبادر بإفساد عزلتك بنفسك.
أطول شذرات الكتاب الواقع في 104 صفحات، لا تتعدى خمسة أسطر. ولأنها كتابة شذرية يخوض غمارها كاتب معروف بنفسه الشعري الطويل، جاءت اللغة مقتصدة، زاهدة ومكثفة تفسح المجال للتحديق الواسع في صور بصرية مدهشة بأفقها التخييلي في كشف نقائض ومفارقات صادمة في أبعادها الذاتية والفلسفية والوجودية.
لا تخضع مواضيع الشذرات لتبويب أو تصنيف. يسرح الشاعر في الكتابة عن الشعر واللغة، السياسة والدين، المنفى والعزلة والموت، الحب والحلم والحرية، الجسد والجرح، الأصدقاء والخصوم (…)، بلغة قلقة لا تترك شيئا على هيئته، كأن الشاعر المسكون بفقد غامض للأشياء التي يحب ينثر بذوره في ليل مدلهم وتحت سماء عليلة.
ثمة عمى يقود إلى الهاوية ولا دليل نجاة في الطريق سوى بصيرة الشعر ذي الرؤية النافذة للوجود والعدم.. يظل الشاعر وفيا لرؤيته للكتابة كما حددها في سيرته الذاتية. إنها قناديل سوداء في يد كائن أعمى يقود سربا من الموغلين في النوم نحو أحلام تضاهي الكوابيس.
يسمو الشعر عن الواقع والمعرفة والعقل.. يصبح معدنا نفيسا، مشجبا ذهبيا للندم والنسيان واختزال احتمالات الموت.. (لغتك، عربتك الذهبية نحو السهوب، هل تحسن قراءة المعادن؟)، (طاولة الشعر أعلى من الأرض، وأكثر شساعة منها)، (ليست مهنة لكي تحسنها، الكتابة هاوية فشل متواصل نحو الأمل).
وحدها قيم الحرية والحب والحلم تجعل الحياة ممكنة. الحرية التي لا ثمن لها، والحب منبع الخصب والجمال.. (لا تتأخروا كثيرا عن الماء، يصيبه الجفاف بعيدا عن الحب)، (حبك يأسر عدوك، لفرط رشاقتك، عاريا من الأسلحة). أما الحلم فملاذ مؤقت لدغدغة الحقيقة قبل الارتطام بجدار الواقع، و(نزهة الحالم، ذريعة لضباع كامنة). (في النوم، حلمك يرى الحقيقة، تستيقظ فتسقط في الواقع)، (كل صباح أحصي أشلاء روحي، خارجة من أحلام لا تتحقق).
في (سماء عليلة) ما من موت، بل غياب طويل بلا نهاية، غياب يؤكده حضورنا! ولأنها المرة الأخيرة، يجدر إحصاء سنواتنا يوما بعد يوم، وساعة ساعة. الموت يصير أحلى بعد عبور ذي أثر، (اترك أثرا يشير إلى عبورك، ولا تمكث طويلا)، أما الحياة فتصبح ضربا من العبث بعد فقد من نحب (من الأفضل أن تموت قبل محبيك. فمن غيرهم لا معنى لك)، (عقاب عظيم، أن تعيش أطول من الآخرين، تشهد فقدهم).
وفق منطق المفارقات ذاته، يبدو الأعداء الواضحون الجريئون أكثر جمالا من خصوم جبناء، ويصبح تحويل الصديق إلى عدو أسهل من كسب العدو صديقا. (الخصوم نجوم ليلك، إن أحسنت إيقاظ الضوء في زجاجة صدورهم)، (لديك من الأصدقاء ما يكفي لقناديل الطريق المطفأة. فلا تغفل عن الخصوم). ولأن للضغائن أنياب، يتربع الأب على عرش الصداقة بلا منازع. (كنت سأصبح أجمل أصدقائه، لو أنه تأخر قليلا، أفتقد أبي كل يوم. لم أعثر على صديق مثله).
في الزمن الضجر تصبح للأشجار آذان صاغية وأقدام راكضة.. (شجرة، لكنها تسمعك وتصغي إليك، ما عليك إلا أن تحسن مكالمة الطبيعة)، (سرعة الشجرة أكثر ثقة من مزاعم الخيول)، (أحسن حالا مني، هذه الشجرة، تنام واقفة، ولا تتوقف عن العمل).. وفي الزمن الموحش تصير الطبيعة على قسوتها مدعاة للرحمة والسكينة.. (ذئب تحت وابل الثلج في غابة بعيدة، يمنحني الثقة في رحمة الفصول).
أحمد الطاهري
اقرأ أيضا
مجلس حقوق الإنسان.. السيد زنيبر يترأس أول اجتماع للمجلس الاستشاري المعني بالمساواة بين الجنسين
ترأس رئيس مجلس حقوق الإنسان، السفير عمر زنيبر، اليوم الاثنين بجنيف، الاجتماع الأول للمجلس الاستشاري المعني بالمساواة بين الجنسين، والذي تم إحداثه تحت الرئاسة المغربية.
متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر يحتفي بالذكرى العاشرة لتأسيسه
احتفى متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر،اليوم الاثنين بالرباط، بالذكرى العاشرة لتأسيسه، وذلك بتنظيم حفل رسمي، حضرته ثلة من الشخصيات من علم الثقافة والدبلوماسية والاقتصاد.
باريس انفرا ويك: البنية التحتية المستدامة، مجال متميز للتعاون بين المغرب وفرنسا (السيد بنشعبون)
باريس – أكد المدير العام لصندوق محمد السادس للاستثمار، محمد بنشعبون، اليوم الاثنين بباريس، أن مجال البنيات التحتية المستدامة يمثل مجالا متميزا للتعاون بين المغرب وفرنسا. وقال السيد بنشعبون، في كلمة ألقاها في ندوة نظمت في إطار اليوم الافتتاحي لأسبوع “باريس انفرا ويك”، أحد المواعيد الرائدة في أوروبا المخصصة لتمويل البنية التحتية، إن البنيات التحتية […]
أخبار آخر الساعة
-
مجلس حقوق الإنسان.. السيد زنيبر يترأس أول اجتماع للمجلس الاستشاري المعني بالمساواة بين الجنسين
-
متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر يحتفي بالذكرى العاشرة لتأسيسه
-
باريس انفرا ويك: البنية التحتية المستدامة، مجال متميز للتعاون بين المغرب وفرنسا (السيد بنشعبون)
-
مراكش: انعقاد المنتدى السنوي لأطراف “الشراكة من أجل تخزين الطاقة”
-
الحكومة واصلت التحكم في مستويات معقولة للواردات التي عرفت استقرارا نسبيا (السيد أخنوش)
-
الدار البيضاء: مؤسسة مسجد الحسن الثاني تضطلع بدور محوري في إدارة هذه المعلمة ونشر علوم الدين والفقه (السيد التوفيق)
-
انطلاق الأدوار الإقصائية للدورة التاسعة لبطولات المغرب للترويض والقدرة والتحمل والقفز على الحواجز بسيدي البرني
-
تنصيب هشام رحيل مديرا لمطار محمد الخامس بالدار البيضاء (المكتب الوطني للمطارات)