رغم جسامة التحديات، الكنديون في انتظار مبادرات ملموسة من حكومة ترودو

رغم جسامة التحديات، الكنديون في انتظار مبادرات ملموسة من حكومة ترودو

الثلاثاء, 26 يناير, 2016 - 12:17

بقلم حسن العمري

مونريال – لم تمر بالكاد ثلاثة أشهر على تنصيبها حتى بدأت الحكومة الليبرالية بزعامة جاستن ترودو في اتخاذ مبادرات ملموسة بعد الوعود المعلن عنها في خضم الحملة الانتخابية، والتي جعلت الكنديين يحلمون بمستقبل أكثر ازدهارا يعكس التغيير الذي طال انتظاره بعد سنوات من حكم المحافظين.
لكن المهمة لن تكون سهلة بالنسبة لفريق ترودو نظرا لمجموعة من القضايا الحساسة والمعقدة، في ظل اقتصاد هش وسياق عالمي يتسم بمكافحة تنظيم “الدولة الإسلامية” وتنامي التطرف العنيف.
وإذا كان ترودو قد عبر عن الثقة في قدرة حكومته على رفع التحديات التي ستواجهها في الأشهر المقبلة، فإن الكثير من المراقبين يعتقدون بأن المهمة لن تكون سهلة وأن تجسيد الوعود سيكون أمرا صعبا في ضوء العقبات التي تلوح في الأفق.
وبرأي هؤلاء المراقبين فإن السلطة التنفيذية الجديدة ستعاني للتغلب على هذه المزالق على الرغم من الإرادة التي أعلنتها لبدء مسلسل دينامي للتحولات العميقة التي وعدت الكنديين بها قبل فوزها في الاستحقاقات التشريعية لشهر أكتوبر الماضي.
وبالتأكيد فإن الحكومة الليبرالية لم تتأخر في البدء في تجسيد عملها واتخاذ الإجراءات اللازمة، وخاصة مع الخفض، ابتداء من بداية يناير الجاري، من قيمة الضرائب على الطبقة المتوسطة (20.5 بالمئة عوضا عن 22 بالمئة) والزيادة في نسبها على الأغنياء (33 بالمئة). ومع ذلك فقد أقر وزير المالية بأن هذه التغييرات لا تتوافق مع ما كان قد وعد به خلال الحملة الانتخابية، معتبرا أن الخسائر المترتبة على هذا الإصلاح الضريبي تقدر بـ1.2 مليار دولار سنويا.
وفي هذا السياق، فقد كشف المدير البرلماني للميزانية، جان دينيس فريشيت، في تقريره الجديد بأن هذا الإصلاح سيؤدي إلى خسارة ما معدله 1.7 مليار دولار من العائدات سنويا.
وإذا كان التزام الليبراليين بتحقيق عجز في ثلاث ميزانيات متتالية بـ10 مليارات دولار قبل إعادة التوازن للميزانية في سنة 2019 يبدو متوافقا عليه، فإن هدف 10 مليار كعجز سنوي للميزانية، الذي قدم باعتباره سقفا خلال الحملة، قد تم تحويله إلى أرضية في الأسابيع الأخيرة مع التعديلات نحو الانخفاض لمعدلات النمو في البلاد من قبل المؤسسات المالية الوطنية والدولية.
وفي هذا الصدد، تبقى كل العيون مسلطة على ما تحمله الأسابيع المقبلة (مارس وأبريل) لمعرفة الخطوط العريضة لأول ميزانية لحكومة ترودو والتدابير الملموسة التي سيتم تنفيذها لمواجهة الظرفية الصعبة التي يجتازها الاقتصاد الكندي ولتعزيز النمو الاقتصادي في البلاد، في وقت وعدت فيه الحكومة بمضاعفة الاستثمارات المخطط لها في البنيات التحتية من 65 إلى 125 مليار دولار في غضون العقد القادم لدعم الاقتصاد وخلق فرص شغل جديدة.
وعلى الرغم من انخفاض قيمة الدولار الكندي وأسعار النفط فإن ترودو أكد أن هذه الاستثمارات ستعمل على تسوية المشاكل الاقتصادية لكندا في المديين القصير والطويل، حتى وإن كان قد دعا خلال مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس المستثمرين الأجانب لاغتنام “الفرصة الكندية” في سياق يتسم بالتقلب الاقتصادي وتهاوي أسواق الأسهم على الصعيد الدولي.
على الصعيد الاجتماعي، يتعين على حكومة ترودو أيضا الانخراط في سباق مع الزمن قبل الموعد الحاسم ليوم 6 يونيو المقبل الذي حددته المحكمة العليا في كندا لتعديل بعض مواد القانون الجنائي من أجل السماح بالترخيص للمساعدة الطبية من أجل الموت الرحيم.
وإذا كانت المحكمة العليا قد منحت في فبراير 2015، أجلا لمدة سنة واحدة لأوتاوا من أجل اعتماد قانونها الخاص قبل أن يتم إبطال مقتضيات القانون الجنائي التي تحظر المساعدة الطبية على الموت الرحيم، فقد تم تمديد هذا الأجل لمدة أربعة أشهر إلى سادس يونيو المقبل عقب احتجاج من قبل الحكومة الليبرالية.
ومع ذلك، يرى المراقبون أن هذا الأجل يبدو ضيقا جدا، على اعتبار أن الجدول الزمني للبرلمان غير منتظم في الأشهر المقبلة حيث أن مجلسي العموم والشيوخ لن يلتئما سوى لمدة أسبوع في شهر يناير الجاري، وثلاثة أسابيع في فبراير، وأقل من أسبوعين في مارس وأسبوعين في أبريل المقبل.
من جهة أخرى، فإن اللجنة البرلمانية التي تم تشكيلها لدراسة هذه المسألة لم تجتمع سوى مرة واحدة فقط منذ بداية العام الجاري في وقت يتوجب عليها تقديم تقريرها النهائي إلى الحكومة في يوم 26 فبراير المقبل، وهي المشكلة التي قد تنضاف إلى مسألة التنسيق مع الأقاليم ، علما بأن كيبيك تبقى الإقليم الوحيد التي يتوفر على نظام للرعاية من أجل الموت الرحيم والذي دخل حيز التنفيذ في 10 دجنبر 2015.
ومن بين الملفات الأخرى التي يمكن أن تثير نقاشات ساخنة بين الحكومة الفدرالية والأقاليم، هناك ملف تحسين نظام التقاعد، وهي القضية التي دفعت وزراء المالية لتأجيل النظر فيه إلى السنة الجارية، وذلك من أجل دراسة كافة الخيارات قبل اتخاذ قرار نهائي بشأنه.
كما يتعين على رئيس الوزراء معالجة قضية أخرى تتعلق ببناء خط جديد لأنابيب النفط لا سيما وأنه التزم بتغيير صورة كندا على الصعيد الدولي في مجال مكافحة التغيرات المناخية.
وإذا كان ترودو قد وعد بعقد اجتماع فدرالي مع الأقاليم في غضون 90 يوما بعد مؤتمر باريس من أجل إعداد مخطط وطني للوفاء بالالتزامات الدولية في مجال مكافحة الاضطرابات المناخية، فإن العديد من الخبراء يرون أن المهمة تبدو معقدة خصوصا مع الأقاليم التي تتوفر على النفط في الغرب والشركات الكندية التي تحاول الدفع لتبني مشاريع بناء خطوطها لأنابيب النفط، وخاصة “إنيرجي إيست” و”نورثيرن غاتوي” أو “كيستون إكس إل” الذي رفضته إدارة أوباما في انتظار أيام أفضل مع القاطن المقبل للبيت الأبيض.
على الصعيد الدولي، فعلى الرغم من أن حكومة ترودو تسير على الطريق الصحيح للوفاء بوعدها لاستضافة 25 ألف لاجئ سوري بحلول متم شهر فبراير المقبل، حيث ولج نصفهم التراب الكندي، فإن السياسات تؤشر على أن السلطة التنفيذية الحالية تعاني في سبيل التوفيق بين التزامها في الحرب التي يقودها المجتمع الدولي لمكافحة الإرهاب مع نيتها سحب طائراتها (سي إف-18) من مهمة القصف الذي يشنه التحالف الدولي ضد “الدولة الإسلامية” في العراق وسورية.
وقد أضحى هذا السحب، خلال الأسابيع الأخيرة، في قلب انتقادات المعارضة التي تتهم الحكومة بالتراجع في وقت يتقدم فيه العالم أجمع في إطار جبهة مشتركة لإلحاق الهزيمة بهذا التنظيم الإرهابي الذي لا يزال يعيث فسادا في كافة أنحاء العالم.
وقد تم تكثيف هذه الانتقادات خلال الأسبوع الماضي في وقت عاشت فيه البلاد في حالة من الحزن جراء وفاة سبعة كنديين في هجمات إرهابية، واحد في جاكرتا بأندونيسيا وستة في واغادوغو ببوركينا فاسو، وفي ظل السؤال الذي يتردد على شفاه الجميع: ماذا ستكون طبيعة البعثة الكندية الجديدة في حال انسحاب التحالف وهل ستكون أكثر فعالية من سابقتها؟.
كما أن هناك ملفات أخرى ستجذب الانتباه في المشهد السياسي الكندي مثل إنشاء لجنة وطنية للتحقيق في قضية الآلاف من النساء والفتيات من الشعوب الأصلية اللواتي قتلن أو يوجدن في عداد المفقودين، وتقنين الماريخوانا ومطالب الأقاليم بالتعديل بالزيادة للتحويلات المالية الممنوحة للأقاليم لتحسين الرعاية الصحية.
وأمام الحماس الذي مكنها من جذب الكنديين واستعادة زمام السلطة، يتوجب على حكومة ترودو الإبحار بحذر في الأشهر المقبلة ضد الرياح وحركات المد والجزر للوصول إلى بر الأمان، وفي ظل إدراكها لجسامة التحديات سواء على الصعيد المحلي أو الدولي لتجسيد هذا النمط الجديد للحكم “الشامل” المرتكز على أساس التشاور والحوار والاستماع للشركاء.

اقرأ أيضا

فاس: تكريم الكاتب والمخرج المسرحي محمد الكغاط

الأحد, 30 يونيو, 2024 في 18:20

كرم ثلة من المثقفين ورجال الأدب من فاس وخارجها، السبت، الكاتب والمخرج المسرحي محمد الكغاط، بمناسبة الذكرى ال23 لوفاته، تكريما لذاكرة مبدع استثنائي بصم الساحة الثقافية المغربية.

مراجعة مدونة الأسرة.. الإحالة الملكية تضع حدا للتأويلات الدينية الفردية (فاعلة جمعوية)

الأحد, 30 يونيو, 2024 في 12:16

أكدت رئيسة جمعية “أيادي حرة”، ليلى أميلي، أن الإحالة الملكية لبعض المسائل الواردة في مقترحات اللجنة المكلفة بالنظر في مدونة الأسرة، على المجلس العلمي الأعلى، “تضع حدا للتأويلات الدينية الفردية التي لا تراعي الواقع وتطورات المجتمع”.

المهندس دعامة أساسية في بلورة الاستراتيجيات الوطنية وتحقيق التنمية المستدامة (السيد أخنوش)

السبت, 29 يونيو, 2024 في 21:52

أكد رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش، اليوم السبت بطنجة، أن المهندس يعتبر دعامة أساسية في بلورة الاستراتيجيات الوطنية التنموية وتحقيق التقدم والتنمية المستدامة.