ديوان “قضبان النافذة لا تمنع السماء” للشاعر عبد الرحمان أبو يوسف .. أجراس تقرع للأمل

( تقديم : سعيد الرفاعي)

الرباط – في ديوان “قضبان النافذة لا تمنع السماء”، يوحي الشاعر عبد الرحمان أبو يوسف (حمو بويمضغن) ولا يشخص. يقارب ولا يكشف الغطاء. يقول “عندما أخلو بالكلمات .. تجرفني الحروف إلى كل العتبات… أحلم بما خلف الأبواب…” لكنه يقف على العتبات، يترك الأبواب مواربة، لا يفتحها إلا بمقدار، ولا يقول كل شيء.
فإهداء الديوان، على سبيل المثال، قصيدة مطولة إلى طرفين “هم وهما”، هم يقبعون خلف القضبان لكن أفئدتهم ترفرف خارجها جذلانة، وكأنما ألهمهم ناظم حكمت حين قال، في أوج المحنة، “المهم أن تحافظ على تلك الجوهرة في جنبك الأيسر”، وهما، قد يكونا الوالدين اللذين علماه كيف “يحاكي الكناري والزنبق”…أم “نسجت أحبولة الأحلام من هواجسها” و”حبلت بالفجر”، وأب “نبض الشاعر من دمه”، وقد علمه “كيف يلمس الرياحين”.
قد تكون درة قصائد هذا الديوان واسطة عقده قصيدة “الشعراء” (ص 63)، فهو يصنفهم إلى ثلاثة. “منهم من لا يحمل شيئا بين يديه”، و”منهم من لا يرتفع فوق الحجر المقطوع، إلا قليلا”، ومنهم من “يقفون على ضفاف النهر، كالقصب يرضى بالندى” فكأنه يقصد الشاعر الذي يجري ولا يجرى معه، على حد قول القائل.
في هذا الديوان، الذي يقع في 92 صفحة من القطع المتوسط، يشتغل الشاعر على المفردات وعلى الصور وعلى المعاني، لا يلتقط أياها يجد على قارعة الطريق، بل يتخير منها ويجهد في انتقاء ما يرى أنه الأنسب والأليق لأفقه الشعري. وترسم قصيدته بالكلمات قلالا وقوارير متنوعة الأحجام والأشكال، يريد منها أن تسقي المتلقي عذبا زلالا.
وفي ديوان آخر وسمه الشاعر أبو يوسف ب”مرآة وراء فرجار الشمس”، (81 صفحة من القطع المتوسط)، يعود الإهداء الباذخ، على شاكلة قصيدة كاملة، إلى الوالدة والوالد دون أن يغفل أعزاء آخرين إلى قلبه، هو إهداء إذن “إلى وجوه مرت على أجنحة الزمان أمام شرفتي.. مرور الندى على الربى في مهجتي”.
ويخصص الشاعر في صلب هذا الديوان قصيدة أخرى لأمه (ص 53)، وثالثة للأم أيضا. لكنه ينتقل هذه المرة من الخاص إلى العام. فالأم هنا أم لطفل فلسطيني، ويرى في صرخة الطفل المنتفض “زأرة الأسد”، وفي بكاء الأم الحانية “دمعة التوعد” لنازيي العصر وفاشييه (ص 70).
وفي ديوان ثالث بعنوان “وشم النشيد”، (96 صفحة من القطع المتوسط) إهداء إلى راحلين مميزين، “إلى الذين عبروا عبر صفاء البلور إلى السماء”، و”إلى أيادي البهاء، إلى روح وريحان مفحمة بالضياء”، مآخذا شوبنهاور لأنه لم يفتح في نظريته الفلسفية بابا للأمل ولم يبق على نشوة الرجاء “كي تتعزى الأوراق الذابلة، في الخريف، بنسل يعقبها”.
وفي هذا الديوان أيضا، تحضر فلسطين، القضية الأساس والهم القومي المقيم، في قصيدة مطولة عنوانها “مدينة السلام” (ص 49-58). هي القدس التي “من ها هنا مر الزمان مثقلا ببريدها”.
في ديوان “قضبان النافذة لا تمنع السماء”، الذي صدر في دجنبر 2015، يتساءل الشاعر عبد الرحمان أبو يوسف عما إذا كان “هذا الغد لا يستأهل أجراسا ترن من الأسحار…” (ص 3 و4). فمجموع دواوينه أجراس تقرع … يستأهلها الغد بالتأكيد.
صمم أغلفة الدواوين الثلاثة، التي صدرت في فترات متقاربة عن مطبعة “الودغيريون” بالرشيدية، مصطفى ودغيري.