دار المستقبل ..تأمين رحلة علاج للأطفال مرضى السرطان دون حرمانهم من جرعة الحنان والدفء الأسري

دار المستقبل ..تأمين رحلة علاج للأطفال مرضى السرطان دون حرمانهم من جرعة الحنان والدفء الأسري

الخميس, 27 فبراير, 2014 - 12:07

(بقلم: فاطمة تمجردين)

الرباط – بوجوه شاحبة، بعد أن أنهكها “المرض الخبيث” الذي تغلغل إلى أجسامها الصغيرة، وأخرى استعادت نظارتها وهي تتماثل للشفاء، بدا أطفال مصابون بداء السرطان ب(دار المستقبل) بحي النهضة 2 بالرباط، التي تأويهم وذويهم من أجل تأمين رحلة علاج قد تقصر أو تطول، دون أن يحرموا من جرعة الحنان والدفء الأسري.
تتباين طبيعة المرض ودرجة انتشاره لدى هؤلاء الأطفال لكن القاسم المشترك بينهم هو إحساس بالأمان كان يشع من عيونهم البريئة وهم رفقة أولياء أمورهم، حيث كان بعضهم يمسك بأيدي أحد الوالدين وآخرون تحملهم أمهاتهم على ظهورهن وكأنهن تخشين أن تخطفهم منهن يد المنون على حين غرة.
لقد انبثقت فكرة إحداث (دار المستقبل) التي رأت النور سنة 1995، بحسب السيدة فوزية المسفر العلوي رئيسة جمعية “المستقبل” التي تضم آباء وأصدقاء الأطفال المصابين بالسرطان( عندما كانت مسؤولة عن أمراض الدم وسرطان الطفل بمستشفى الأطفال ابن سينا بالرباط) ، حين لوحظ أن عملية علاج هذا الداء لم تكن تسفر عن نتائج جيدة ، وذلك بسبب الانقطاع عن العلاج بحكم أن أسر المرضى كانت تقطن بعيدا عن مدينة الرباط ، وأغلبها من أسر معوزة لا يمكنها تحمل نفقات السفر ، فضلا عن تكلفة العلاج المرتفعة، مما يدفع هذه الأسر إلى التوقف عن علاج أطفالها وبالتالي تفاقم حدة هذا المرض الذي يؤدي في بعض الحالات الى الوفاة.
وأكدت السيدة المسفر، في تصريح لوكالة المغرب العربي للانباء، أن طبيعة مرض السرطان تتطلب مدة زمنية طويلة للعلاج تمتد من عام الى ثلاث سنوات، وفي حال عدم التتبع فإن مجهودات العلاج تذهب سدى.
وتقوم هذه المؤسسة التي زارتها مؤخرا صاحبة السمو الملكي الأميرة للا سلمى رئيسة ( مؤسسة للا سلمى للوقاية وعلاج السرطان) بعد خضوعها لعملية ترميم، بإيواء الأطفال المصابين بداء السرطان وأولي أمورهم من الأسر الذين يقطنون بعيدا عن الرباط مقابل مبلغ رمزي (عشرة دراهم درهما لليلة الواحدة)، كما توفر لهم الأكل والنقل بين الدار و المستشفى.
وقد تطلبت عملية ترميم هذه الدار ، التي أسستها جمعية “المستقبل” سنة 1995 ، غلافا ماليا يصل إلى مليونين و200 ألف درهم ساهمت فيه (مؤسسة للا سلمى للوقاية وعلاج السرطان ) بمبلغ مليون درهم، في إطار جهودها الرامية إلى التخفيف من معاناة المصابين بالورم الخبيث، وذلك من خلال ما تقدمه من أشكال الدعم المادي والاستشفائي والنفسي لهذه الفئة من المرضى التي قد تعوزها ، في أحيان كثيرة، الإمكانيات الكافية لمواجهة هذا الداء الفتاك.
تقول السيدة الساهلة القادمة من مدينة طانطان، والتي استقبلتها دار “المستقبل” مع طفلتها البالغة من العمر عشر سنوات بعد إصابتها بسرطان المخ “إني أدين لهذه الدار في بقاء طفلتي التي كانت قد خضعت لعملية جراحية على مستوى الرأس، على قيد الحياة لانه لولاها، كان من المستحيل أن أواصل العلاج بسبب بعد المسافة عن العاصمة وطول مدة العلاج التي بلغت لحد الان أربع سنوات”.
وتستحضر هذه الأم ، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، معاناتها مع الورم الخبيث ،إذ كان عليها في البداية الانتقال الى الرباط مرة في الأسبوع، ثم مرة كل ثلاثة أسابيع، وحاليا مرة كل ثلاثة أشهر، وقالت ان ” دار المستقبل كانت بالنسبة لي بارقة أمل في شفاء ابنتي من خلال مساعدتي في تحمل الأعباء المادية المرتبطة بهذا المرض، كما أنها مكنتني من البقاء مع ابنتي التي لازالت بحاجة إلى اهتمامي ورعايتي”.
فبفضل الأجواء الأسرية التي تسود هذه الدار، تضيف السيدة الساهلة، ” لم أعد أشعر بالوحدة ، حيث نشارك في تدبير أشغال الدار كما لو اننا في بيوتنا، ونحظى بمعاملة طيبة من لدن جميع العاملين بهده الدار، وهو ما انعكس ايجابا على نفسية طفلتي التي تحسنت حالتها مع وجودها مع أطفال آخرين ولم تعد تشعر بانها مختلفة ، بل ان دار المستقبل أتاحت لها فضاء للعب والمشاركة في مختلف الانشطة التي تنظمها، كالرسم والموسيقى للترويح عن ضغوطات يوم حافل بالعلاج و الألم”.
أما السيدة رشيدة القادمة من مدينة جرسيف، فقد اكتشفت مرض صغيرتها البالغة من العمر سبع سنوات عندما لاحظت اصفرارا وشحوبا في وجهها وفقدانها للشهية، فأجرت لها تحاليل ليتبين أن لديها فقرا في الدم بسبب سرطان الدم.
لم تتمالك هذه الأم نفسها من هول الصدمة قائلة ” أول ما تبادر الى ذهني هو أني سأفقد فلذة كبدي بسبب ما يشاع حول هذا المرض من كونه قاتلا، لكن المسؤولين في مستشفى الاطفال بالرباط نصحوني بالتوجه الى دار المستقبل حيث أتيحت لي الفرصة لتتبع حالة طفلتي وبالتالي تجاوز هده المحنة ليس فقط ماديا ولكن أيضا من الناحية النفسية، لان الدار أتاحت لي متنفسا للتعبير عن كل ما يخالجني من مخاوف ومشاركة باقي الأمهات قلقهن وكذلك فرحتهن عند شفاء أطفالهن”.
وتتابع رشيدة ” كباقي الأمهات أمر بفترات عصيبة وتنتابني حالة اكتئاب عندما أرى طفلتي وهي في عمر الزهور تصارع مرضا لا يتحمله حتى الكبار، كما أنها تضطر إلى الانقطاع عن الدراسة خلال فترة العلاج وهو ما يحز في نفسي لاسيما انها تلميذة نجيبة”، مشيرة الى أن ابنتها كانت قد شفيت ثم عاودها المرض، ومع ذلك فإن هذا لم يثنيها، متسلحة بالصبر، من مواصلة العلاج.
وبحسب إحصائيات ل”جمعية المستقبل”، فانه يتم تسجيل ما بين ألف و 1200 حالة سرطان جديدة سنويا عند الاطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 0 و18 سنة في المغرب، منها 800 حالة تتابع العلاج بالمراكز المتخصصة في الرباط والدار البيضاء وفاس ومراكش و400 لا تصل الى المستشفى إذ أنها إما تفقد الحياة أو لا يتم تشخيصها.
وذكرت رئيسة “جمعية المستقبل” السيدة فوزية المسفر بأن سرطان الطفل غير معروفة أسبابه، الا انه يمكن علاجه في أغلب الأحيان اذا تم تشخيصه مبكرا وتم توفير الدواء للمريض تحت إشراف طاقم طبي كفء.
وأضافت أن الجمعية تنظم دورات تكوينية لفائدة الاطباء والممرضين لمساعدتهم على تشخيص المرض بسرعة لدى الطفل الى جانب توعية الأسر والأطفال للتعرف على الأعراض الأولى للسرطان ومباشرة العلاج، مؤكدة أن التأخر في التشخيص يعني تقليص فرصة العلاج لان سرطان الأطفال ينتشر بسرعة وقد تصبح حياة الطفل مهددة بين ثمانية أسابيع إلى ستة أشهر.
واعتبرت ان دور هذه المؤسسة الاجتماعية لا ينحصر فقط في الايواء بل تقدم خدمات ذات طابع معنوي لان أسر المرضى في حاجة الى الدعم النفسي الذي توفره الدار باعتبارها فضاء تلتقي فيه الأسر وتتعرف على تجارب بعضها البعض في التعامل مع هذا الداء ، مضيفة أن شفاء بعض الحالات يبعث الامل لدى أسر أخرى ويحفزها لمواصلة رحلة العلاج بكل إصرار.
وتستقبل “دار المستقبل” 600 أسرة في المعدل في السنة، حيث تعد جهتا طنجة تطوان والغرب اشراردة بني احسن الأكثر حضورا ، متبوعتين بالجهة الشرقية وبجهة تازة الحسيمة تاونات. وقد بلغ عدد المبيت بهذه الدار، سنة 2012، زهاء 14 ألف، في حين وصل معدل الإقامة إلى 75 في المائة، ومدة الملء 10 أيام في المعدل، بينما بلغ معدل إقامة الأسر في السنة خمسة أسر.
من المؤكد أن تجربة “دار المستقبل” تشكل مبادرة مبتكرة في معالجة داء سرطان الطفل إلى جانب دور الحياة التي أنجزتها ” مؤسسة للا سلمى للوقاية وعلاج السرطان” في إطار مخططها الوطني للوقاية ومراقبة السرطان الذي يمتد من 2010 إلى 2019 ، مما يجسد الأولوية التي يوليها قطاع الصحة العمومية بالمغرب لهذا الداء وكذا الانخراط الجمعوي الفاعل في التكفل بالمرضى، خاصة الأطفال، وتمكينهم من الولوج الى الدواء.

 

اقرأ أيضا

مدينة سلا تعيش على إيقاع الدورة 16 للمهرجان الدولي لأطفال السلام

الخميس, 25 يوليو, 2024 في 20:40

تحتضن مدينة سلا حاليا فعاليات الدورة 16 للمهرجان الدولي لأطفال السلام الذي تنظمه جمعية أبي رقراق إلى غاية 30 يوليوز الجاري تحت الرئاسة الشرفية لصاحبة السمو الملكي الأميرة لالة مريم.

إقليم تازة.. حريق بغابة بورد بدائرة أكنول يأتي على حوالي 30 هكتار

الخميس, 25 يوليو, 2024 في 19:23

أتى حريق اندلع مساء أمس الأربعاء بغابة بورد بمنطقة الشرشارة بجماعة بورد بدائرة أكنول بإقليم تازة على 30 هكتار من الغطاء الغابوي.

السيد أخنوش يشارك في قمة باريس حول “الرياضة والتنمية المستدامة”

الخميس, 25 يوليو, 2024 في 18:30

شارك رئيس الحكومة، السيد عزيز أخنوش، اليوم الخميس بباريس، في قمة “الرياضة والتنمية المستدامة”، التي تنعقد على هامش افتتاح الألعاب الأولمبية، حيث يمثل صاحب الجلالة الملك محمد السادس في هذا الحدث الرياضي العالمي.