خمسة أسئلة للباحث محمد لملوكي مؤلف “دليل الباحث في التراث الثقافي”

خمسة أسئلة للباحث محمد لملوكي مؤلف “دليل الباحث في التراث الثقافي”

الأربعاء, 10 يناير, 2024 - 10:42

               (أجرى الحوار: عبد اللطيف أبي القاسم)

الرباط – صدر حديثا للأستاذ الجامعي والباحث محمد لملوكي، كتاب جديد بعنوان “دليل الباحث في التراث الثقافي”. في هذا الحوار، يجيب لملوكي عن خمسة أسئلة لوكالة المغرب العربي للأنباء، حول دوافع إصدار هذا الدليل وأهدافه، ودور التراث الثقافي في التنمية الاقتصادية. كما يستعرض التموقع الريادي للمملكة على مستوى العناصر المسلج تراثا عالميا وجهود حماية التراث الثقافي الوطني على المستويين الرسمي والمدني.

    1. أصدرتم مؤخرا كتاب “دليل الباحث في التراث الثقافي”، ماذا كان دافعكم وراء ذلك، وما أبرز أهداف هذا المؤلف؟

من دواعي إصدار هذا الدليل أولا كونه متعلقا بموضوع التراث الثقافي الذي أصبح اتجاها بحثيا في طور النمو والتراكم، يخترق تخصصات متعددة. ومن جهة أخرى، اقتنعنا بعد تجربة متواضعة في التدريس الجامعي ومتابعة بحوث تخرج الطلبة، وتأطير مجموعة من الدورات التكوينية والزيارات الميدانية للمعالم التاريخية والمواقع الأثرية، بمدى حاجة الطلبة والباحثين والمهتمين إلى مرجع عبارة عن دليل منظم خاص بالتراث الثقافي.

ويمكن إجمال أبرز أهداف هذا الإصدار، في كونه يسعى لأن يكون إضافة نوعية ترقى بالبحث الجامعي نظرا وطريقة ومضمونا، حيث تلتئم فيه مجموعة من الميزات (البيداغوجية والمعرفية والتقنية والتنموية) قلما تأتلف في الكراسات الجامعية الموجهة أساسا لطلبة الجامعة. فهو يربط معطيات متفرقة ومختلفة حول التراث الثقافي ويجعل بعضها في خدمة بعض. وهذا الاتجاه الذي نما بشكل تصاعدي في البحوث المهتمة بالتراث، يميل إلى الميدان ويجافي التنظير. فصدور دليل في التراث الثقافي يتماشى مع هذا التوجه ويروم إغناء النقاش حول العمل الميداني وطرق استثماره. ناهيك عن جعل الباحث يتعاطى مع قضايا التنمية والراهن، ومشاركا في اقتراح الحلول المناسبة لحسن الاستثمار والتدخل فيه.

كما يستجيب هذا الدليل من جهة أخرى لضرورة قصوى متعلقة بهشاشة التراث الثقافي وموت الذاكرة الحاملة له بموت المسنين. وهو بالتالي يسهم في دعم الباحثين وتوجيههم في أعمال ومشاريع تروم تحصينه وتوثيقه بالتدوين والتصنيف في شكل  قواميس وموسوعات ومكانز، أو في شكل أطاليس تصنيفية.

   2- ترون في كتابكم أن اهتمام الدول بتراثها الثقافي يتجاوز كونه حنينا إلى الماضي، ليشكل دعامة أساسية لتنميتها الاقتصادية، كيف ذلك؟

لا أحد يشك الآن في أن التراث الثقافي دعامة أساسية في التنمية الاقتصادية للدول والجماعات على مستويات عدة؛ مباشرة وغير مباشرة، وبشكل يتكامل فيه التراث المادي بغير المادي. فإذا بدأنا بأبعد جوانب التراث، في ذهن البعض، عن البعد الاقتصادي كالحكايات والأغاني والموسيقى الشعبية والطبخ.. فالجميع يعرف على سبيل المثال أن جاذبية مراكش وشهرتها مدينة لساحة جامع الفنا وأنشطتها الفرجوية والشعبية في المقام الأول قبل مآثرها العمرانية والتاريخية.. والأمر نفسه بالنسبة لموسم طانطان وموسم حب الملوك… لكن كيف نحصن هذا التراث من التنميط، لا بد من بحوث علمية رصينة تحفظ أصالة هذه العناصر وتفردها وارتباطها ببيئتها الطبيعية.

ومن المكاسب الاقتصادية الاجتماعية المرتبطة  بالموروث الثقافي ما ينشأ من تنمية اجتماعية تتجلى في فرص الشغل بهذا القطاع وخاصة الحرفيين وحاملي المهارات والمعارف التراثية، حيث تشتغل فئات اجتماعية عديدة بحرف تراثية منها الحدادة والنجارة والدباغة والوراقة والصياغة أحيى الاهتمام بالتراث مهنها وتحسنت مداخيلها وانبعثت مهاراتها. وهذه الفئة الآن، ينظر إليها كصمام أمان في ديمومة التراث والحفاظ عليه. ومن مؤشرات ذلك، تزايد الطلب على المنتوجات الحرفية محليا ودوليا، وشهرة العديد من أعلام التراث الشعبي واستدعاؤهم للمحافل الوطنية والدولية. وتبعا لهذا الاهتمام توسطت محلات بيع المنتجات التراثية أهم محاور المدن الكبرى واستوطنت، أحيانا، أغلى العقارات بالحواضر وجدران المطارات بالمملكة. وطبيعي أن يحصل هذا تحت نمو النشاط السياحي الداخلي منه والخارجي.

   3- يحتل المغرب موقعا رياديا من حيث عدد العناصر الوطنية المصنفة تراثا لا ماديا على مستوى القارة الإفريقية والعالم العربي، سواء على قوائم منظمتي (يونيسكو) أو (إيسيسكو). ما قراءتكم لهذا الموقع المتقدم، وكيف تقيمون جهود المملكة في هذا المجال؟

ثمة عوامل متداخلة أهلت المغرب لهذه الموقع المتقدم. فمن من وجهة نظر التاريخ والتجربة؛ فقد أولت السياسة المغربية اهتماما كبيرا بإنشاء الهئيات، والمؤسسات، والإدارات ومشاريع الترميم ذات الصلة بمجال التراث وصونه وأرشفته بشكل مبكر. وعلى سبيل المثال، فقد صنفت كثير من معالم المغرب التاريخية ضمن سجلات المحافظة بموجب ظهائر وقوانين ملزمة (ظهير بتاريخ 11 غشت 1914 المتعلق بترتيب أسوار مراكش   وترتيب أسوار الحصن البرتغالي وقصبة أكادير سنة 1932 كمثالين على ذلك..)

كما يعد المغرب من أوائل الدول التي انضمت إلى منظمة اليونسكو منذ أول دورة لمؤتمرها العام بمدينة دلهي الجديدة عاصمة الهند في نونبر من سنة 1956، وترأس إحدى هيئآتها الرئاسية مرتين: الأولى وهي المجلس التنفيذي ما بين 1964 و 1965 في شخص محمد الفاسي، والثانية ما بين 2001 و 2003 في شخص عزيزة بناني. وقد توج المغرب انخراطه الفعلي مع هذه المنظمة بإدراج عناصر من تراثه الثقافي كتراث للإنسانية (فاس 1981، ومراكش 1985، وقصبة ايت بن حدو 1987، ومكناس 1996، ووليلي وتطوان 1997، والصويرة 2001، والجديدة 2004،….) وعناصر عديدة من التراث الثقافي غير المادي عبر ربوع المملكة كالتراث الشفهي بساحة جامع الفنا سنة 2001، وموسم طانطان سنة 2004، ومهرجان حب الملوك بصفرو، ورقصة تاسكوين وكناوة والكسكس والصقارة والنخلة والأركان والتبوريدة..

أما جغرافيا، فموقع المغرب جعل منه ملتقى للحضارات والتأثيرات الخارجية. فتشكل على أرضه  تراث غني ومتنوع يعكس مساره التاريخي وانصهار  مكوناته الثقافية.

   4- عرفت الفترة الأخيرة تسجيل محاولات للسطو على عناصر عدة للتراث الثقافي المغربي ونسبها إلى جهات أخرى كما هو الشأن بالنسبة للزليج والقفطان وغيرها. كيف يساهم البحث العلمي في مواجهة هذا الوضع؟ 

بالفعل ظهر مؤخرا سباق بين الدول نحو تسجيل عناصر التراث الثقافي لدى المنظمات المعنية، وهذا التسارع نتج عنه محاولات في السطو والتدليس على الدول ولجن المنظمات طبعا، وإلا فلا يمكن لمثل هذه المحاولات أن تنال من تراث المغرب العريق والمعروف كوجهة سياحية عالمية.

وفي نظري، فإن الرد على هذه الحوادث هو تعزيز سجلات وقوائم جرد عناصر التراث الثقافي المغربي وتوثيقها توثيقا وافيا شاملا. وهو ما تنبهت إليه الجهات الوصية عبر فتح مشاريع توثيق عناصر من التراث الثقافي المغربي عبر جهات المملكة. وقد أسندت هذه المهمة إلى فرق بحث متخصصة تشتغل وفق منهجية علمية وعمل ميداني حقيقي. ونأمل أن تتواصل هذه العملية وفق خريطة يتوزع فيها العمل على مختلف مجالات التراث الثقافي من جهة، وعلى مختلف ربوع وجهات المغرب من جهة ثانية.

وفي هذا الصدد، يأتي إسهام مثل هذه الإصدارات “أدلة العمل سواء الميداني أو النظري والمنهجي” ليرفد مثل هذه المبادرات ويقويها ويسندها.  ومن أجل ضمان حصانة تراثنا أيضا، يأتي دور البحث العلمي والمقاربة الجامعية لموضوع التراث باعتبارهما أساسيين للغاية من أجل النهوض بالموروث الوطني جردا وتوثيقا وتأصيلا وتكوينا. أما الشق الثاني من مقاربة الموضوع، الذي هو الترميم والصيانة والتوظيف في التنمية الاقتصادية، فرغم كونه موكولا إلى جهات أخرى تنفيذية من إداريين وتقنيين وغيرهم، إلا أنه متوقف على البحث العلمي الجامعي ابتداء. لذلك فمن ضروريات التكوين والبحث التسلح بمفاهيم التخصصات الأخرى ذات الصلة والعمل في إطار المجموعات والفرق العلمية المتعددة التخصصات. ولن يتأتى للطلبة ذلك إلا بمباشرة تداريب وتربصات داخل المؤسسات المعنية والزيارات العلمية المؤطرة لأوراش الترميم والمحافظة والاحتكاك بمفاهيم ومناهج التخصصات العاملة في المجال كالهندسة المعمارية وعلم المتاحف والاركيولوجيا وغيرها.

   5- إلى جانب الجهود المؤسساتية الرسمية في حماية التراث الثقافي المغربي، كيف يمكن في نظركم خدمة هذا التراث من بوابة الترافع المدني؟

ظهرت مؤشرات واضحة ألقت بظلالها على واقع  التراث بالمغرب والمجال التنموي والترافعي بشكل عام. فقد بدأ ينتج  خطاب حول التراث الثقافي يعج بمفاهيم وقضايا مرتبطة بالتنمية. وتوفرت حولها مادة علمية ووثائقية مهمة بفضل تعدد البرامج والمشاريع العلمية الرسمية منها والفردية. وحصل فيها نوع من الوعي بالأهمية التنموية للتراث. يمكن هنا أن نستدل بنماذج كثيرة بالمدن التاريخية المغربية كمراكش وفاس وغيرهما. كما برز المجتمع المدني مع بداية الألفية الثالثة كفاعل أساسي في الاهتمام بالتراث؛ بتنشيط التظاهرات والبحث عن الشراكات وخلق المبادرات التنموية حوله.

والواقع أن قضايا التراث باتت تحضر بأشكال مختلفة ضمن اهتمامات شبكة الجمعيات التي تعد شريكا موثوقا بالنسبة للعديد من الجهات الأجنبية الداعمة، مما جعلها تنخرط إلى جانبها في مشاريع ذات تمويلات مهمة وارتباط مباشر بالساكنة. وتبعا لذلك، حاولت هذه الجمعيات أن تستوعب الانظمة التدبيرية التقليدية ( كالقبيلة والجماعة والتويزة …الخ) وتبعث تراث المناطق التي تنشط فيها من خلال إحياء عناصر التراث الثقافي ونشر الوعي به، بل وإحيائه وتدبيره مثل السهر على أنظمة السقي التقليدية واحتفالات دينية وطقوس كانت في طريقها إلى الانقراض. بالإضافة إلى العديد من الألعاب الشعبية والعادات القديمة (بلماون أو بوجلود بأكادير وموكب الشموع بسلا وتغنجا بالشرق…).

وهذا الانخراط للمجتمع المدني وترافعه عن قضايا التراث في مختلف المحافل الوطنية والدولية يعد كفيلا بضمان نجاعتها وفعاليتها. وقد توج هذا الترافع لدى بعض الجهات بإدراج عناصر التراث ضمن قائمة التراث الإنساني كما حصل مع رقصة تاسكوين.

 

اقرأ أيضا

مدينة سلا تعيش على إيقاع الدورة 16 للمهرجان الدولي لأطفال السلام

الخميس, 25 يوليو, 2024 في 20:40

تحتضن مدينة سلا حاليا فعاليات الدورة 16 للمهرجان الدولي لأطفال السلام الذي تنظمه جمعية أبي رقراق إلى غاية 30 يوليوز الجاري تحت الرئاسة الشرفية لصاحبة السمو الملكي الأميرة لالة مريم.

إقليم تازة.. حريق بغابة بورد بدائرة أكنول يأتي على حوالي 30 هكتار

الخميس, 25 يوليو, 2024 في 19:23

أتى حريق اندلع مساء أمس الأربعاء بغابة بورد بمنطقة الشرشارة بجماعة بورد بدائرة أكنول بإقليم تازة على 30 هكتار من الغطاء الغابوي.

السيد أخنوش يشارك في قمة باريس حول “الرياضة والتنمية المستدامة”

الخميس, 25 يوليو, 2024 في 18:30

شارك رئيس الحكومة، السيد عزيز أخنوش، اليوم الخميس بباريس، في قمة “الرياضة والتنمية المستدامة”، التي تنعقد على هامش افتتاح الألعاب الأولمبية، حيث يمثل صاحب الجلالة الملك محمد السادس في هذا الحدث الرياضي العالمي.