جنوب إفريقيا .. 2015 سنة كل المخاطر

جوهانسبورغ- عاشت جنوب إفريقيا ، بدءا من أعمال العنف المعادية للأجانب والاحتجاجات الاجتماعية، مرورا بالإضرابات في القطاعات الاقتصادية الأساسية، على وقع مخاطر كبرى سنة 2015 في ظل أزمة اقتصادية مرشحة لأن تتعمق خلال الشهور المقبلة.

إن الأمر يتعلق بأزمة متعددة الأبعاد تمس هذا البلد الواقع في جنوب القارة الإفريقية. فمنذ بداية عام 2015 ، دخلت جنوب إفريقيا في حالة من الفوضى بسبب أعمال العنف المعادية للأجانب المنتمين إلى عدد من البلدان الإفريقية.

وأضرت أعمال العنف هذه، التي أودت بحياة 7 أشخاص على الأقل في دوربان وجوهانسبورغ، كثيرا بصورة جنوب إفريقيا، التي طالما قدمت على أنها فضاء للعيش المشترك بين أشخاص من مختلف الجنسيات والأعراق.

وتعود جذور أعمال العنف، التي أدت إلى توتر العلاقات بين جنوب إفريقيا ومجموعة من البلدان الإفريقية المجاورة، ومنها نيجيريا، إلى التصريحات المحرضة لعدد من السياسيين والقادة القبليين، على غرار الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي، الحاكم، غويدي مانتاشي، الذي دعا في بداية سنة 2015 الحكومة إلى إقامة مخيمات للاجئين من أجل التحكم بشكل أفضل في الأجانب، ولاسيما الموجودين في وضعية غير قانونية.

ولم تكن هذه المرة الأولى التي تعيش فيها جنوب إفريقيا أعمال عنف معادية للأجانب. فقد شهدت سنة 2008 موجة من أعمال العنف أدت إلى مقتل 62 شخصا. ومنذ ذلك الحين، تكررت هذه الأعمال، التي لم تلق الإدانة إلا نادرا.

وجاءت موجة العنف التي تواصلت إلى غاية أبريل من السنة الجارية لتأزيم المناخ الاجتماعي المحتقن سلفا. وبالفعل، أضحت المظاهرات ضد الأوضاع الاقتصادية، التي ما فتئت تزداد صعوبة، حدثا يوميا تعيشه جنوب إفريقيا مما أدى إلى تعميق الأزمة الاقتصادية في البلاد.

وبحسب المحللين الاقتصاديين، فإن الحركات الاحتجاجية الاجتماعية، بما في ذلك الإضرابات والمظاهرات، تسببت في خسارة جنوب إفريقيا لمليارات الدولارات.

وتعكس هذه المظاهرات إحساسا عميقا بالإحباط لدى الساكنة التي ترى حلم الانعتاق الاقتصادي والاجتماعي يتبخر بعد أزيد من 20 سنة على نهاية نظام الفصل العنصري (الأبارتايد).

وفي نونبر الماضي، نزل آلاف الجنوب إفريقيين إلى شوارع ساندتون، المركز المالي لجوهانسبورغ ، للمطالبة بإعادة توزيع ثروات البلاد، مهددين بإغلاق المؤسسات الاقتصادية والمالية الكبرى إذا لم تتم الاستجابة لهذه المطالب بحلول يناير المقبل.

ويترجم هذا التوتر الاجتماعي الصعوبات الاقتصادية، التي تواجه الدولة الأكثر تقدما في القارة الإفريقية، من خلال تسجيل نمو بطيء لا يمكنه امتصاص التحديات الاجتماعية، لاسيما البطالة التي تمس 25,5 في المائة من الساكنة النشيطة، بحسب الأرقام الرسمية.

وبالنظر إلى تهاوي أسعار المواد الأولية، والركود الاقتصادي في الصين، والجفاف الذي يعد الأسوأ منذ ثمانينات القرن الماضي، لم يكن بإمكان جنوب إفريقيا تحقيق معدل نمو يتجاوز 0,7 في المائة خلال الربع الثالث من سنة 2015. ويبرز هذا المعدل واقع الركود الاقتصادي الذي يعيشه الاقتصاد الأكثر تصنيعا في إفريقيا.

وبالرغم من توقع البنك المركزي الجنوب إفريقي تحقيق معدل نمو بحدود 1,5 في المائة خلال سنة 2015، فإن المحللين يؤكدون أن إشكالات كبيرة ستبرز سنة 2016 ومن المرشح أن تدخل جنوب إفريقيا مرحلة ركود اقتصادي جديد بعد ذلك الذي عاشته سنة 2009.

وبالفعل، فلم تستطع جنوب إفريقيا استعادة سرعة النمو الذي حققته قبل سنة 2009 ، حيث حققت معدلات نمو محبطة منذ سنة 2010. وكانت بريتوريا دخلت مرحلة ركود جديدة سنة 2014 عندما سجلت معدل نمو في حدود 1,5 في المائة مقابل 2,2 في المائة سنة قبل ذلك.

ولم ينفك المحللون يحذرون من هذا التراجع الذي سيرخي بظلاله على المناخ الاجتماعي المتوتر بسبب ارتفاع أسعار المواد الأساسية، وتضخم معدل البطالة والإضرابات لاسيما في قطاع المعادن.

ويرجع عدد كبير من المحللين السياسيين جزءا من هذا التراجع الاقتصادي لجنوب إفريقيا إلى ضعف القيادة السياسية في البلاد.

ومما يعكس ضعف القيادة السياسية هذه، قرار الرئيس جاكوب زوما الأخير بإقالة وزير المالية نلانلا نيني، الذي يحظى بتقدير كبير، دون سبب مقنع، وتعيين شخص غير معروف مكانه.

وقد أدخل قرار الرئيس زوما المثير للجدل الاقتصاد الجنوب إفريقي في وضعية من عدم اليقين.

واحتجاجا على هذا القرار، خرج الآلاف من الجنوب إفريقيين إلى الشوارع للمطالبة بتنحي الرئيس جاكوب زوما، الذي توجد شعبيته في أدنى مستوياتها.

(إعداد: عبد الغني عويفية)