جدل بألمانيا حول ثاني قضية تجسس أمريكي قد تهدد بزيادة التوتر في العلاقات بين البلدين

(إعداد : نادية أبرام)

برلين- في الوقت الذي انطلقت فيه أشغال لجنة تحقيق في البرلمان الألماني في ملف تجسس وكالة الأمن القومي الأمريكية على ألمانيا، ظهرت قضية جديدة من نفس العيار، يرى فيها البعض تهديدا بزيادة حدة التوتر بين واشنطن وبرلين.
فالقضية الأولى تعود أطوارها إلى السنة الماضية عندما كشف الموظف السابق بالوكالة الأمريكية، إدوارد سنودن، عن معلومات تفيد بتجسس الوكالة على بيانات اتصالات المواطنين الألمان والتنصت على الهاتف المحمول للمستشارة أنغيلا ميركل، ما أثار وقتها جدلا حادا في ألمانيا، تشكلت على إثره لجنة تحقيق برلمانية، قادت إلى اتصالات مكثفة بين برلين وواشنطن.
أما الفضيحة الجديدة، فظهرت، الأسبوع الماضي، بعد توقيف موظف بالاستخبارات الألمانية الخارجية (بي إن دي) في منطقة بولاخ بالقرب من ميونيخ (جنوب)، يشتبه في تعاونه مع الوكالة الأمريكية، وهو ما أكده المدعي العام الفدرالي الألماني.
وتمثل أول رد فعل لبرلين في استدعاء وزارة الخارجية الألمانية للسفير الأمريكي، جون إيمرسون، ومطالبته بتوضيح سريع.
أما رد السفارة الأمريكية ببرلين فجاء، أمس من خلال بيان لها أكدت فيه أنها “على علم بأمر القبض على ألماني بتهمة التجسس لصالح استخبارات الولايات المتحدة”، مضيفة أنها تعمل مع الحكومة الألمانية “لإيجاد الحل المناسب لهذه المشكلة”.
وذكرت السفارة أن “سياستها كانت دائما تفضل عدم مناقشة الشؤون الجارية الخاصة بالمتابعات الجنائية أو الاتهامات بشأن الأنشطة الاستخباراتية”.
وأثارت القضية ردود أفعال قوية داخل الساحة السياسية الألمانية، ولم تقتصر على المعارضة الألمانية، بل شملت حتى وزراء في حكومة ميركل الذين طالبوها بالحصول على “رد سريع وواضح” من واشنطن.
كما ألقت القضية بظلالها على زيارة وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، لمنغلوليا حيث طالب، في ندوة صحفية من العاصمة أولان باتور، واشنطن ب”تقديم توضيح فوري” حول الاشتباه في العميل الألماني (31 سنة) بالتجسس لصالح أحد أجهزتها.
وطغت القضية أيضا على زيارة ميركل للصين، إذ عبرت هي الأخرى عن “قلقها الكبير” إزاء ما أسمته ب”هجمات التجسس” التي تتعرض لها بلادها و”خيانة الثقة من دول حليفة لألمانيا مثل الولايات المتحدة”.
ومن جهته، اعتبر الرئيس الألماني، يوآكيم غاوك، في لقاء تلفزيوني، أن “زرع جاسوس للولايات المتحدة داخل الاستخبارات الألمانية مخاطرة تهدد العلاقات الألمانية الأمريكية”.
وقال إنه “في حال ثبوت تجسس موظف الاستخبارات الألمانية لصالح الوكالة الأمريكية فإن ذلك يعني التلاعب بالصداقة بين البلدين وبالثقة الوطيدة القائمة بينهما”، وأنه “من هذا المنطلق يتعين أن نقول فعلا، كفى هذه المرة”.
أما وزير الداخلية، توماس دي مايزيير، فقال إنه ينتظر من الجميع “المساعدة في تحقيق سريع في الاتهامات، وتفسير واضح من الولايات المتحدة”.
وسلطت الصحافة الألمانية بدورها الضوء على هذا الملف، وجعلت منه موضوعا رئيسيا على صفحاتها الأولى، ونشرت تفاصيل القبض على موظف الاستخبارات الألمانية الذي أكدت أنه قام فعلا بتسريب 218 وثيقة إلى أجهزة استخباراتية أمريكية على مدار سنتين مقابل 25 ألف أورو.
ونقلت الصحافة عن جهاز الاستخبارات الألماني تأكيده على أن حجم الضرر الناجم عن الاشتباه في تجسس أحد موظفيها لصالح الولايات المتحدة “محدود” إلا أن “جميع المؤشرات تدل على أنه كان يعمل لصالح الأمريكيين ونقل وثائق تتعلق بشكل عام بالجهاز وباللجنة البرلمانية المسؤولة عن التحقيق في قضية التجسس الأولى”.
وكشفت (صحيفة بيلد) الألمانية من جانبها، في عدد أمس، عن وثيقة لوزارة الداخلية الألمانية تفيد بأن السلطات الألمانية بصدد “الإعداد لإجراءات مضادة” تتعلق بشكل خاص بمراقبة الاتصالات، مشيرة إلى أن وزير الداخلية طلب من أجهزة استخبارات بلاده توسيع أنشطتها لتشمل الولايات المتحدة الأمريكية رغم أن أجهزة الاستخبارات الألمانية لا تتجسس عادة على شركائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو).