تونس.. مشاورات متواصلة لحل الأزمة السياسية ومخاوف متنامية من شبح الفشل

بقلم المراسل الدائم للوكالة بتونس عزيز المسيح

تونس – ما تزال المشاورات واللقاءات بين مختلف الأطراف السياسية التونسية في إطار الحوار الوطني متواصلة من أجل إيجاد حل للأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، غير أن المخاوف ومشاعر القلق بدأت تتنامى من احتمال الفشل والتعثر في العبور بسفينة الانتقال الديمقراطي في البلاد الى شاطئ الأمان.بجرد كرونولوجي للأحداث، يبدو أن الحوار بين الأطراف السياسية عرف تطورا هاما منذ اندلاع هذه الأزمة، إذ لم تعد جبهة الإنقاذ (ائتلاف موسع من الأحزاب المعارضة) تطالب كما كانت في السابق بحل المجلس التأسيسي (البرلمان)، وفي نفس الوقت قبل الائتلاف الحاكم بمبدأ حل الحكومة كمنطلق للحوار، وهو الأمر الذي كان يرفضه في البداية، معتبرا إياه “انقلابا على الشرعية”. لكن الضوء في آخر النفق لم يسطع بعد.
فرغم التقدم الحاصل على مسار المفاوضات، فإن استمرار الاحتقان والاستقطاب السياسي والإعلامي بين هذه الأطراف التي لجأت في أحايين كثيرة إلى توظيف الشارع في صراعها، وتفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وحساسية الوضع الأمني وغياب المرونة والثقة الكافية بين الفرقاء ، بدأ يرخي بظلاله القاتمة على المشهد التونسي ويثير المخاوف من تعثر مسار الإصلاح والزج بالبلاد في أتون المجهول.
ويرى بعض الملاحظين أن الصعوبة في إيجاد حل للأزمة السياسية ، التي اندلعت بعد اغتيال النائب المعارض بالبرلمان محمد البراهمي أمام منزله يوم 25 يوليوز الماضي في حادثة هي الثانية من نوعها خلال أقل من 6 أشهر بعد اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد في 6 فبراير الماضي، نابعة من إكراهات المرحلة الانتقالية من جهة وضعف الثقافة السياسية التوافقية لمختلف الأطراف، ودخول العوامل الإقليمية في الحسبان كمؤثر أساسي في مسار أي تطور محتمل لهذه الأزمة، و”مصر على مرمى حجر ونظر”.
ويعتبر آخرون أنه على الرغم من أن مسار المفاوضات اعترته صعوبات جمة فإنه سيفضي لا محالة إلى حل توافقي تتنازل من خلاله مختلف الأطراف المتصارعة، خصوصا وأن المشكل اليوم أصبح منحصرا، من جهة، في إصرار المعارضة على حل فوري للحكومة الحالية وتشكيل حكومة غير حزبية ، كما تضمنت ذلك مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل (الراعي الأساسي للحوار الوطني)، وإصرار الائتلاف الحاكم ،من جهة أخرى، على ضرورة أن يوازي حل الحكومة حوار وطني حول باقي أوراش الإصلاح ( إتمام صياغة الدستور ، وسن القانون الانتخابي، وإكمال تشكيل الهيئة المستقلة للانتخابات..).
ويمكن القول أنه ما بين الفترة التي تشكلت فيها جبهة الإنقاذ الوطني عقب اغتيال البراهمي وتجميد 70 نائبا برلمانيا لعضويتهم في المجلس التأسيسي وقرار مصطفى بن جعفر رئيس المجلس تعليق أشغاله إلى حين بدء حوار وطني، وتنظيم المعارضة “لاعتصام الرحيل” للمطالبة بحل البرلمان واستقالة الحكومة ، وإصرار الائتلاف الحاكم على رفض هذه المطالب، ومعطيات الفترة الحالية ، يبدو أن الحوار قطع أشواطا هامة ، في انتظار التوصل إلى قرارات نهائية وحاسمة إلى حد الآن من شانها طمأنة التونسيين على مصير بلدهم ومسارها الانتقالي.
هذا التردد والتعثر في حسم الصراع هو ما يجعل التونسيين ، الذين ضاقوا ذرعا بهذه الوضعية حسب عدة مؤشرات وشهادات واستطلاعات، يضعون أياديهم على قلوبهم خشية تفاقم الأزمة جراء مؤشرات اقتصادية واجتماعية تنذر بأوخم العواقب، ويطالبون ، في نفس الوقت ، النخبة السياسية بالتحلي بروح المسؤولية وتغليب المصلحة الوطنية على مصالحها الحزبية الضيقة.
وفي ظل أجواء الترقب وتضارب التكهنات حول مآل الوضع، يجمع المراقبون للمشهد التونسي أن الأيام القليلة القادمة ستكون حاسمة في أحد اتجاهين: إما الخروج من هذه الأزمة لإعادة الروح لثورة تونسية كانت بشارة ربيع عربي طالب بالديمقراطية والتغيير الحقيقي، أو الفشل الذي سيزج البلاد في نفق مظلم.