تقدم اليمين والاختراق غير المسبوق للجبهة الوطنية في الانتخابات البلدية يؤشر على انصراف الفرنسيين عن اليسار

(بقلم :نور الدين اللوزي)

باريس – يؤشر تقدم اليمين، والاختراق غير المسبوق الذي حققه حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، خلال انتخابات مارس الماضي، على انصراف الناخبين الفرنسيين عن اليسار الذي مني بهزيمة ساحقة في هذه الاستحقاقات.ولعل هذا الاختبار الحقيقي الاول لقياس شعبية الطبقة الحاكمة منذ ماي 2012 ، يشكل تحذيرا قاسيا يتعين على الاشتراكيين أخذه على محمل الجد، عبر تقديم أجوبة ملموسة لمطالب الشعب الذي خابت آماله في وعود انتخابية لم تتحقق.
فقد كان العقاب قاسيا بالنسبة لليسار خلال هذه الانتخابات التي حقق فيها حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف اختراقا غير مسبوق بفوزه بعشر عمديات مقابل أربع سنة 1997 .
وتطرح ماري لوبين رئيسة حزب الجبهة الوطنية الذي يشق طريقه تدريجيا ليصبح حزبا عاديا، نفسها كموحدة للساخطين، معتبرة أن الانتخابات البلدية ليست سوى مرحلة أولى على درب طويل لولوج الايليزي.
ويرى المحللون السياسيون أن العجز عن تحقيق نتائج على الصعيد الاقتصادي، وزيادة عدد العاطلين، وانكماش الاقتصاد، وعدم انسجام الاغلبية، كلها عناصر رئيسية كامنة وراء تراجع اليسار.
كما تشير كل استطلاعات الرأي الحالية الى أن اليسار لن يفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بل سيقصى من الدور الاول ، ما لم يتم اتخاذ مبادرات ملموسة لعكس منحنى البطالة.
وينتظر الفرنسيون نتائج ملموسة، خاصة على مستوى تخفيض عدد العاطلين عن العمل الذي بلغ هذه السنة 3،3 مليون عاطل، وهو مستوى غير مسبوق.
وكان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قد أقر مؤخرا بأن ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة، رهين بتحقيق نتائج على مستوى البطالة، وهو رهان صعب ضمن سياق الانكماش الاقتصادي على الصعيدين الداخلي والدولي.
ومن أجل مواجهة انتقادات اليمين وحتى من داخل اليسار ، بشأن سياسته الاقتصادية والاجتماعية، يراهن رئيس الدولة الفرنسية الذي تتواصل شعبيته في الانخفاض في استطلاعات الرأي، على ميثاق المسؤولية والتضامن، وعلى سياسة العرض من أجل تقويم الوضع.
وسيمكن ميثاق المسؤولية الذي قدم في دجنبر 2013 ، من أجل تقويم تنافسية المقاولات وخفض معدلات البطالة، من كسب 0،5 في المائة في معدل النمو وخلق مائتي ألف منصب شغل في أفق 2017 بحسب الحكومة.
لكن هذا المخطط لقي انتقادات من قبل عدة تيارات سياسية التي تتساءل حول ما اذا كانت سياسة الحكومة ذات طابع اشتراكي أم اجتماعي ديموقراطي، أو اجتماعي ليبرالي، بل ان بعض الاعضاء البارزين في الحزب الاشتراكي مثل مارتين أوبري عمدة ليل تبحث عن بدائل ، حيث أعلنت مؤخرا أنها ستقترح تغييرات على السياسة الاقتصادية التي تنهجها الحكومة.
ويواجه الرئيس فرانسوا هولاند الذي حطم الارقام القياسية من حيث تدني شعبيته (أقل من 13 في المائة من المؤيدين في أكتوبر الماضي) تمردا من قبل وزراء سابقين ونحو ثلاثين نائبا من أغلبيته ، وهو ما يقلل من حظوظه في الفوز بانتخابات 2017.
وفي جانب اليمين تبدو المعركة جد صعبة بين الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي الذي انتخب مؤخرا رئيسا للاتحاد من أجل حركة شعبية ب 64 صوتا، والوزيرين الاولين السابقين فرانسوا فيون والان جوبي ، أحد كبار المرشحين بحسب استطلاعات الرأي.
أما ماري لوبين رئيسة الجبهة الوطنية اليميني المتطرف ،التي أعيد انتخابها على رأس الحزب متم نونبر الماضي، فتواصل اللعب على مخاوف الفرنسيين، مما يزيد من حظوظها لبلوغ الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية المقبلة ، بحسب المحللين السياسيين الذين يرون أن التقدم الذي حققته في الانتخابات البلدية والاوروبية وفي مجلس الشيوخ، يرعب خصومها السياسيين.
وعلى بعد سنتين ونصف من هذه الانتخابات الحاسمة، تواصل مختلف التيارات السياسية تعبئة الناخبين، وتهييء مرشحيها، حيث تبدو المعركة صعبة للغاية بين الاحزاب السياسية التي ستتنافس في هذا الاستحقاق.