تفاؤل بخصوص تجاوز الصعوبات التي تشوب العلاقات الصينية -الأمريكية المعقدة

(عبد الكريم مفكر)

بكين-تجري حاليا الجولة السادسة من الحوار الاستراتيجي الصيني الأمريكي في قصر “دياويوتاي”، بقلب بكين، الذي استضاف في 1971 مفاوضات سرية بين مستشار الأمن القومي هنري كيسنجر ورئيس الحكومة شوان لاي، دشنت لعلاقات جديدة بين البلدين، لم يكن يتوقعها أكثر المراقبين تفاؤلا، في تلك الفترة الملتهبة بنار الحرب الباردة.
ويتفاءل المراقبون الصينيون بالمكان خيرا لتجاوز العقبات التي تعوق حاليا العلاقات بين القوتين ووضع مخطط عملي لمرحلة أخرى من هذه العلاقات.
ورغم الخلافات البينة التي تخيم على الحوار الاستراتيجي لا يفتأ الجانبان تأكيد عزمهما على تذليل الصعوبات التي تشوب علاقتهما المعقدة.
وبلغت الصعوبات والتعقيدات درجة لم تفلح في تجاوزها أزيد من 90 آلية حوار بين الجانبين، إلى جانب 41 اتفاق توأمة بين المقاطعات والولايات و202 توأمة بين المدن، إضافة إلى أكثر من 4 ملايين رحلة، في المتوسط، متبادلة بين البلدين سنويا.
وأشارت كلمات الوفدين في افتتاح الدورة إلى أن شكوك واشنطن بشأن طبيعة التطور السلمي للصين، قد تبددت، مؤقتا على الأقل، كما هو الشأن بالنسبة لقلق بكين بخصوص سياسة واشنطن المتعلقة بـ”إعادة التوازن نحو آسيا والباسيفيك”، وتركيزها الملح على إقامة تحالف عسكري مع جيران الصين الآسيويين.
وتعتبر بكين، التي تشدد على أنه ليس هناك حلولا جاهزة، أن مقترح بناء نمط جديد من العلاقات الثنائية، “غير المسبوق”، الذي تقدم به رئيسها شي جين بينغ، هو السبيل الأمثل لكسر حلقة الصراعات وتمهيد السبيل أمام مستقبل أفضل.
وأبدت واشنطن قبولها بالمقترح عندما أعلن الرئيس باراك أوباما أن النمط الجديد “هدف مشترك للتعاون العملي والتدبير البناء للخلافات”.
وقال الرئيس الصيني، خلال افتتاح جولة الحوار الحالية أمس الأربعاء ، إن التاريخ أظهر أن التعاون بين الصين والولايات المتحدة حقق نتائج مربحة للطرفين، بينما أضرت بهما المواجهة، التي يرى أنها ستكون كارثية في المستقبل.
وبعد أن أكد أن المصالح المشتركة تفوق خلافات البلدين، قدم شي مقترحات لتسريع المفاوضات حول اتفاقية الاستثمار الثنائي وتعزيز الحوار العسكري ومكافحة الإرهاب والتغير المناخي والتنسيق حول القضايا الدولية والإقليمية.
وأيد هذا التوجه وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، إذ قال إن “النموذج القديم للتنافس الاستراتيجي بين القوى العظمى والصاعدة ليس أمرا حتميا”.
وتأتي هذه الجولة من الحوار في ظل تزايد التوتر بين الصين والولايات المتحدة، خصوصا حول الأمن المعلومياتي، بعد أن اتهمت واشنطن خمسة من كبار ضباط الجيش الصيني باختراق خوادم الحواسيب الآلية لشركات أمريكية.
ونفت الصين تلك الاتهامات وألغت اجتماعات حول الموضوع، كانت مقررة في إطار الجولة الحالية.
واعتبر الرئيس الصيني أنه “من الطبيعي أن يكون للصين والولايات المتحدة وجهات نظر مختلفة بل وخلافات في بعض القضايا، نظرا لاختلافهما من حيث التاريخ والثقافة والنظام الاجتماعي والأيديولوجيا ومستوى التنمية الاقتصادية، مما يضفي على التواصل والتعاون أهمية أكثر”.
وقد انطلق الحوار الاستراتيجي بين الصين والولايات المتحدة، منذ 2009، بعد تولي أوباما رئاسة الولايات المتحدة، باعتباره قناة رئيسية للتواصل من أجل تعزيز الثقة المتبادلة والتعاون ومعالجة الخلافات بشكل ملائم.
وشهدت العلاقات الثنائية تطورا هائلا منذ الزيارة التاريخية للرئيس ريتشارد نيكسون للصين في 1972، وتداخلت المصالح ليبلغ حجم المبادلات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم 520 مليار دولار في العام الماضي، أي 200 مرة ضعف ما كانت عليه في 1979.
وتغطي جولة الحوار الحالية مجالات واسعة تهم، بالخصوص، التغير المناخي والعلوم والابتكار وملفات السودان وجنوب السودان وجهود الأمم المتحدة لحفظ السلام، إضافة إلى التفاعلات بمنطقة آسيا والمحيط الهادي.
وتعد هذه هي المرة الأولى التي تعقد فيها المشاورات رفيعة المستوى حول التبادلات بين الأفراد بتزامن مع الحوار الاستراتيجي والاقتصادي، الأمر الذي يظهر اهتمام الجانبين بالتبادلات بين الأفراد، وبشكل خاص بين أجيال الشباب في البلدين.
وكما قال كيري، فإن النموذج الجديد للعلاقات بين البلدين “لا تحدده الأقوال وإنما الأفعال”، فإن بكين تأمل في أن تفي واشنطن بالتزامها باحترام مصالح الصين الجوهرية والابتعاد عن أية محاولة لاحتوائها، وفي المقابل تؤكد عزمها على أن توضح للجانب الأمريكي بجلاء أهدافها الاستراتيجية.