تبادل طرد الديبلوماسيين بين كراكاس وواشنطن، فصل جديد من فصول مسلسل التوتر بين البلدين
(المراسل الدائم للوكالة بكراكاس: هشام الأكحل)
كراكاس-لا يختلف المراقبون في كون العلاقات الفنزويلية الأمريكية “معقدة” فكلما لاحت في الأفق بوادر تقارب أو تطبيع لهذه العلاقات حتى يطفو إلى السطح ما يعيد عقارب الساعة إلى الوراء ليستمر مسلسل التوتر الذي تمظهر الأسبوع الماضي في حلقة جديدة تبادل خلالها البلدان طرد الديبلوماسيين وهو مؤشر ينذر بأن زمان الوصل بين كراكاس وواشنطن لم يحن بعد أو على الأقل هذا ما أريد له أن يكون في هذه المرحلة من التاريخ.
“إن إقامة علاقات ودية مع الولايات المتحدة الأمريكية رهين بوجود احترام لسيادة واستقلال فنزويلا، ومادامت الحكومة الأمريكية لم تدرك بعد أن عليها أن تحترم فنزويلا، كبلد ذي سيادة، فلن تكون هناك علاقات ولا اتصالات ودية” بهذه الكلمات حسم الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في طبيعة العلاقات التي تريدها بلاده مع واشنطن، وذلك بعد أن أمر في وقت سابق بطرد القائمة بأعمال السفارة الأمريكية في كراكاس وديبلوماسيين أمريكيين آخرين نسبت إليهم تهم تتعلق “بتمويل والقيام بأعمال تخريبية في البلاد تطال الشبكة الكهربائية والاقتصاد المحلي”.
ولإقامة الحجة والدليل على تورط الدبلوماسيين الأمريكيين في “التآمر لزعزعة استقرار البلاد” بث التلفزيون الرسمي شريطا مصورا للقاء عقده الديبلوماسيون المطرودون مع سياسيين ينتمون إلى “اليمين الفنزويلي” بمدينة بويرتو أورداث جنوب شرق البلاد.وهو اتهام ردت عليه القائمة بأعمال السفارة الأمريكية بكراكاس، ديلي كيديرلينغ، ساعات قبل أن تغادر فنزويلا بالقول إن “ما قمنا به يدخل في إطار العمل الدبلوماسي ومن اختصاصات أي دبلوماسي في العالم، ولقاءاتنا مع المجتمع المدني تروم فهم البلاد التي نحن معتمدون لديها والتحاور مع مختلف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين وليس مع الحكومة فقط”.
وردت الولايات المتحدة بالمثل وقامت بطرد ديبلوماسيين اثنين إضافة إلى القائم بأعمال السفارة الفنزويلية بواشنطن كاليشتو اورتيغا الذي ما أن حل بكراكاس حتى سارع الرئيس مادورو إلى استقباله “استقبال الأبطال” وعينه نائبا لوزير الخارجية مكلفا بأوروبا “أن تكون في كراكاس أفضل من أن تكون هناك في واشنطن (…) لقد قمت بمهمتك كاملة” يقول مادورو متوجها إلى ديبلوماسيه المطرود من واشنطن.ورفض الرئيس الفنزويلي طرد أورتيغا والديبلوماسيين الآخرين معتبرا أن مبدأ المعاملة بالمثل ليس قائما في هذه الحالة لأنه “لا أحد من الديبلوماسيين الفنزويليين كان يتآمر ضد الحكومة الأمريكية أو للإطاحة بنظام حكم أوباما”.
أما المعارضة الفنزويلية فاعتبرت على لسان زعيمها إنريكي كابريليس رادونسكي أن طرد الديبلوماسيين الامريكيين لا يعدو أن يكون مجرد “سحابة دخان” واستعراض إعلامي يظل الهدف الأول والأخير من ورائه هو صرف نظر الشعب الفنزويلي عن ” المشاكل الحقيقية التي تعيشها البلاد”.
وبعد هذا المأزق الدبلوماسي بين فنزويلا والولايات المتحدة، كثرت تعليقات المحللين على أعمدة الصحف المحلية فالخبير في العلاقات الدولية فيليكس أريانو اعتبر ان ما يطبع العلاقات الفنزويلية الأمريكية هو ظاهرة “انفصام الشخصية” التي تميز قرارات الحكومة الفنزويلية، متوقعا أن تأتي بعد هذه الأزمة الديبلوماسية أيام فيها يطلق العنان لخطاب أكثر ودية ليدوم لساعات فقط قبل ان يترك مكانه لخطاب السب والشتم.
أما الخبير الاقتصادي أورلاندو أوتشوا فيقول بأنه “لا حاجة لطرد الدبلوماسيين، فالعلاقة متوترة أصلا بين البيت الأبيض وميرافلوريس وقد أثرذلك على المبادلات التجارية التي سجلت تراجعا بنسبة تجاوزت 24 بالمائة خلال السنتين الأخيرتين. وحذر أوتشوا من لجوء كراكاس للتهديد بوقف بيع النفط للولايات المتحدة تحت أية طائلة كانت سيكون بمثابة “انتحار” لفنزويلا لأن الولايات المتحدة لا تعتبر الزبون التجاري الأول فحسب، الذي يستورد نحو 5ر1 مليون برميل من النفط يوميا، ولكن أيضا الزبون الذي يؤدي فواتيره داخل الآجال المحددة دون تماطل.
أما عضو لجنة السياسة الخارجية في الجمعية الوطنية (البرلمان)، ساوول أورتيغا، فيأسف لأن الولايات المتحدة “فقدت محاورا متميزا من طينة الديبلوماسي كاليشتو أورتيغا”، معتبرا أن قرار الحكومة الفنزويلية شرعي لأن واشنطن لا يمكن أن تشارك في السياسة الداخلية لبلاده قبل أن يضيف أن فنزويلا تظل منفتحة على الحوار الجاد القائم على الاحترام.وبالمقابل يرى عدد آخر من المحللين أن اجتماع الديبلوماسيين الأمريكيين مع أطياف من المجتمع الفنزويلي محسوبة على “اليمين المتطرف” يعتبر أمرا يخفي وراءه شيئا من الريبة وكثيرا من التساؤلات حيث يقول الخبير في العلاقات الدولية والمحلل السياسي رايموندو قبشي إن “الرئيس مادورو الذي ما فتئ يحذر من وقوع مؤامرة تحاك ضده من واشنطن للإطاحة بحكمه عبر طرق غير صناديق الاقتراع ثم يكتشف اجتماعا لأعضاء السفارة الأمريكية مع أطراف من المعارضة فقد يرى في ذلك تهديدا لحكومته استوجب طرد الديبلوماسيين”.
أما أستاذ الدراسات الدولية في جامعة فنزويلا المركزية، مرفين رودريغيز، فيعتقد أن ما حدث لن يكون له تأثيرعلى العلاقات التجارية وهو بالضبط ما أكدته الناطقة باسم الخارجية الأمريكية، ماري هارف، حين اعتبرت أن العلاقات مع كراكاس مرتكزة الآن على التبادل التجاري و مكافحة الارهاب والمخدرات. وأضاف رودريغيز أن الحكومة الفنزويلية رأت في اهتمام الديبلوماسيين الأمريكيين بالحوار مع فصائل من المعارضة “إنذارا بالخطر” لاسيما مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية التي تعول عليها المعارضة لقياس مدى شعبية الرئيس مادورو ومحاولة استرجاع ما “سرق” منها خلال الانتخابات الرئاسية الماضية التي لم تعترف بنتائجها حتى اليوم.وشدد على أنه إذا كانت حكومة الولايات المتحدة تتآمر ضد كراكاس يتعين إثبات ذلك عبر الحجج الدامغة قبل أن يؤكد أن الثابت في العلاقات بين البلدين هو أنها تتجمد بسرعة وتأخذ وقتا طويلا لتعود إلى سابق عهدها، مشددا على أنه يحق لأي ديبلوماسي الاطلاع على ما يحدث داخل البلد المعتمد لديه.
ويعتبر المراقبون أن طرد كراكاس في الخامس من مارس الماضي أي يوم الاعلان عن وفاة الرئيس الراحل هوغو تشافيز لملحقين عسكريين أمريكيين كانا يعملان بسفارة بلدهما بكراكاس بتهمة التآمر لزعزعة استقرار البلاد، كان رسالة واضحة مفادها أن العلاقات المستقبلية مع واشنطن سوف لن تكون أحسن حالا مع خلف تشافيز ، نيكولاس مادورو.ومنذ وفاة تشافيز لم تستقر العلاقات الديبلوماسية بين البلدين على حال فتارة على تقارب وتارة على تجاذب ففي أعقاب إجراء الانتخابات في فنزويلا اعتبرت واشنطن أنه من الضروري إعادة فرز الأصوات، ثم بعد ذلك قرر البلدان ارساء قنوات للاتصال خلال اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره الفنزويلي إلياس خاوا على هامش اجتماع منظمة الدول الأمريكية في غواتيمالا في يونيو الماضي.
وتواصلت بعد ذلك لعبة شد الحبل بين البلدين عندما أعلن الرئيس الفنزويلي عن منح اللجوء السياسي للعميل السابق لدى وكالة الاستخبارات الأمريكية إدوارد سنودن، أياما قليلة بعد ذلك أعلنت فنزويلا من جديد عن “إنهاء” تقاربها الأخير ومحاولة تطبيع علاقاتها مع الولايات المتحدة، بسبب تصريحات سامانثا باور المرشحة وقتئذ لمنصب المبعوث الأمريكي في الأمم المتحدة التي اعتبرت انها ستقف في وجه “الأنظمة القمعية” وستواجه الحملات التي تقوم بها ضد المجتمع المدني في بلدان من قبيل فنزويلا.وقبل أن يتبادل البلدان طرد دبلوماسييهما كان الرئيس الفنزويلي قد ألغى زيارته إلى نيويورك للمشاركة في أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة بسبب وجود “مخططات تهدد سلامته الجسدية وتحاك ضده من واشنطن”.
ويختلف العارفون بخبايا العلاقات الدولية بشان مستقبل العلاقات بين فنزويلا والولايات المتحدة فمنهم من يرى أن المبادرة التي أقدم عليها الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالاتصال هاتفيا بالرئيس الايراني حسن روحاني بعد قطيعة لأزيد من ثلاثة عقود من الممكن أن تتكرر أيضا مع نيكولاس مادورو، ومنهم من يرى أن الهوة باتت سحيقة بين كراكاس وواشنطن حتى أن “الخرق اتسع على الراقع”، كما يقول المثل العربي.
اقرأ أيضا
فيضانات إسبانيا: الحكومة تستعد لإعلان المناطق المتضررة بشدة “مناطق منكوبة”
أعلن رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، اليوم السبت، أن السلطة التنفيذية تعتزم إعلان المناطق المتضررة بشدة من الفيضانات المدمرة التي ضربت جنوب شرق البلاد “مناطق منكوبة”.
وزارة العدل تعزز اللاّمركزية بتأسيس مديريات إقليمية لتحديث الإدارة القضائية
أصدر وزير العدل قرارا بإنشاء وتنظيم المصالح اللاممركزة للوزارة، متمثلة في مديريات إقليمية للعدل موزعة على مستوى الدوائر القضائية لكل محكمة استئناف.
السيد الشامي يبرز إيجابيات تعزيز حكامة المالية العمومية (مناظرة)
أكد رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أحمد رضا الشامي، أمس الجمعة بالرباط، أن تعزيز حكامة المالية العمومية يخلق آثار إيجابية على عدة مستويات.
أخبار آخر الساعة
-
فيضانات إسبانيا: الحكومة تستعد لإعلان المناطق المتضررة بشدة “مناطق منكوبة”
-
وزارة العدل تعزز اللاّمركزية بتأسيس مديريات إقليمية لتحديث الإدارة القضائية
-
السيد الشامي يبرز إيجابيات تعزيز حكامة المالية العمومية (مناظرة)
-
السيد بنسودة يدعو إلى تحسين نموذج الحكامة المالية العمومية
-
الصويرة تعيش على ايقاع فعاليات الدورة ال19 لمهرجان الأندلسيات الأطلسية
-
المقومات التراثية الفريدة للفن المعماري “آرت ديكو” محور مائدة مستديرة بالدار البيضاء
-
الدار البيضاء.. اختتام أشغال المؤتمر العربي الثالث للملكية الفكرية
-
الدار البيضاء.. إبراز تحديات حماية حقوق الملكية الفكرية بالتعليم في ارتباطها بالذكاء الاصطناعي (ندوة)