بولونيا .. محافظون في عزلة تامة عن الغرب بسبب شد الحبل حول التنمية الاقتصادية المستدامة

 وارسو – تنتهي سنة 2016 بالنسبة لبولونيا، التي تقودها منذ سنة 2015 حكومة محافظة، على وقع شد الحبل مع المفوضية الأوروبية والولايات المتحدة اللذان يرفضان تصور وارسو لدولة القانون في بلاد بين سنتي 2004 سنة الانضمام وشتنبر 2015 كانت تشكل نموذجا للإصلاحات السياسية والاقتصادية في أوروبا الشرقية والوسطى.

فالحكومة التي يتزعمها حزب الحق والعدالة (محافظ ومعارض لأوروبا) أعلنت نيتها غداة تنصيبها في أكتوبر 2015 بالتشكيك في عمل المحكمة الدستورية حيث قررت تجريد هذه المؤسسة التي يفترض أن تكون مستقلة من الحق في دراسة مطابقة القوانين للدستور.

  ولم يتوقف المحافظون عند هذا الحد بل قرروا أيضا ممارسة حق الرقابة على وسائل الإعلام العمومية (الإذاعات والقنوات التلفزيونية ووكالة الأنباء) وإعادة النظر في قرارات بروكسل بخصوص استقبال اللاجئين حسب كوطا تهم 7000 شخص تحددها بروكسل.

  وشكلت المسألة المتعلقة بإعادة النظر في دولة القانون التي أقرها المحافظون النقطة التي أفاضت الكأس بين وارسو والمؤسسات الأوروبية (المفوضية الأوروبية ومجلس أوروبا والبرلمان الأوروبي)، فبالرغم من الضغط الذي تمارسه بروكسل يبدو أن المحافظين الذين يتسلحون بشرعيتهم وحيازتهم أغلبية مقاعد الغرفة السفلى للبرلمان لن يستسلموا بسهولة وجددوا التأكيد وبقوة على تمسكهم بالحق في القضايا المتعلقة ب”سيادة” بولونيا رغما عن أنف المعارضة الليبرالية والاشتراكيين.

  ودعا نائب رئيس المفوضية الأوروبية السيد فرانس تيميرمانس السلطات البولونية لعدم تطبيق المقتضيات الجديدة دون إعطاء الإمكانية للمحكمة الدستورية لبحث مطابقة مطابقتها للدستور.

  وقال تيميرمانس، في افتتاحية نشرتها مؤخرا وسائل إعلام محلية، “أدعو رئيس جمهورية بولونيا إلى تحليف القضاة الثلاثة الذين جرى انتخابهم من قبل البرلمان السابق، وأدعو الحكومة البولونية إلى نشر واحترام جميع قرارات المحكمة الدستورية”.

  وأوضح أن “الاتحاد الأوروبي لا يمكن أن يعمل إلا إذا قبلت جميع الدول الأعضاء القوة القاهرة للقانون الأوروبي في جميع الميادين”، مؤكدا في الختام “أدعو السلطات البولونية إلى وضع حد للأزمة الدستورية التي تهدد الأسس التي بني عليها الاتحاد الأوروبي”.

  وفي نفس الاتجاه، عبر رئيس مجلس أوروبا دونالد توسك، الوزير الأول البولوني السابق الذي ينتمي للإطار المدني (الوسط الليبرالي المعارض)، حسب ما نقلت عنه وسائل الإعلام البولونية، عن تقديره لجهود كل الذين يريدون في بولونيا حماية الأسس والمؤسسات ومبادئ الديمقراطية الليبرالية.

  وأعرب عن أسفه لما يعتزم حزب المحافظين القيام به إزاء المؤسسات التي تعتبر عماد الديمقراطية الليبرالية”، مضيفا “لدي في نفس الوقت شعور بأننا سنتجاوز هذا. سيكون من السهل نسبيا بالنسبة لنا أن نصلح هذا الأمر في المستقبل”.

  وبالنسبة لتوسك فإن البرلمان الأوروبي منشغل بوضعية دولة القانون في بولونيا على اعتبار أن النواب يستنكرون المس بالديمقراطية والحرية بهذا البلد.

  فبعد مصادقة البرلمان البولوني الذي يحظى فيه المحافظون بالأغلبية على القانون الذي يقيد التجمعات العمومية في البلاد، أصدر النواب الأوروبيون قرارا يستنكر تصور المحافظين لدولة القانون في بلد عضو بالاتحاد الأوروبي.

  وعلى الرغم من ردود الفعل هاته تواصل الحكومة والبرلمان البولونيان لعبة شد الحبل مع الديمقراطيين والمؤسسات الأوروبية التي ستجعلها عرضة للعقوبات من قبل بروكسل.

  وأكد السيد تيميرمانس أن المفوضية الأوروبية كانت قد تبنت مؤخرا “رأيا” بخصوص دولة القانون ببولونيا، ويتعلق الأمر في الحقيقة بتحذير يهم الإصلاح المثير للجدل حول المحكمة الدستورية الذي صادقت عليه السلطات البولونية. وتبرر بروكسل هذا القرار بكون البلدان الأعضاء صادقت على الأوروبية، ومن الطبيعي إذن “أن يتم تطبيق هذه القوانين” من قبل الحكومات.

  يذكر أن الأزمة السياسية البولونية تأتي في وقت يتسم بنمو اقتصادي معزز حيث توجد جميع المؤشرات الاقتصادية للبلاد في وضعية جيدة. فقد أفاد تقرير لصندوق النقد الدولي صدر أخيرا حول الوضعية الاقتصادية لبولونيا بأن النمو الاقتصادي للبلاد لم يتأثر لا بالتضخم ولا بالعجز الجاري، حيث ينتظر أن تسجل بولونيا سنة 2017 نموا اقتصاديا يقارب 4 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وأن يظل التضخم في مستوى مقبول يتراوح ما بين 5ر1 في المائة و5ر3 في المائة إلى غاية متم 2017.