بعد تأكيد محكمة العدل الدولية وجود روابط قانونية وأواصر بيعة بين سلاطين المغرب والصحراء الملك الراحل الحسن الثاني يفاجئ العالم بتنظيم مسيرة سلمية خضراء

الرباط- بعد صدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بلاهاي صبيحة السادس عشر من أكتوبر 1975، والذي تضمن أن الصحراء لم تكن يوما “أرضا خلاء”، وأنه كانت هناك روابط قانونية وأواصر بيعة بين سلاطين المغرب وبين الصحراء، تناسلت تكهنات الأوساط السياسية والإعلامية الدولية بشأن الأنشطة والتحركات الدبلوماسية الموالية التي يعتزم المغرب القيام بها، فجاء خطاب الملك الراحل الحسن الثاني في نفس يوم صدور القرار ليفاجئ العالم أجمع بالدعوة لتنظيم مسيرة خضراء سلمية مظفرة لاسترجاع الصحراء من ربقة الاستعمار الاسباني.

ففي مساء نفس اليوم قال الملك الراحل مخاطبا الشعب المغربي والعالم أجمع، “فعلا شعبي العزيز جاء الحق وتبين الحق وحصحص الحق، (…) جاءنا النبأ هذا الصباح الذي كنا ننتظره، لم نكن ننتظره تفاؤلا فقط، بل كنا ننتظره إيمانا منا ويقينا منا بأن الحق معنا، لأن الحق سبحانه وتعالى معنا ووراءنا وأمامنا وفي جانبنا. جاء الحق يجيب، شعبي العزيز، على الأسئلة التي طرحناها أمام محكمة العدل”.

وبنبرة المنتشي بالفوز والانتصار للحق، قال الملك الراحل إن محكمة العدل الدولية سجلت في قرارها أن هناك روابط قانونية أولا وروابط بيعة بين المملكة المغربية وبين الصحراء، موضحا بنبرة ملك عبقري حكيم، أن استعمال هيئة المحكمة في نص القرار لكلمة “بيعة” عوض “سيادة”، استعملت “ما هو مناسب للتاريخ الذي استعمرت فيه الصحراء”، وذلك ردا على من قد يفسر عبثا هذا القرار، بكون المحكمة لم تتحدث عن روابط سيادة.

ومما زاد من قوة موقف المغرب، أن قضاة محكمة العدل الدولية، وقفوا على حقيقة جلية مفادها أن هذه البيعة بين ملوك المغرب وسكان الصحراء عبر التاريخ، كانت بيعة مكتوبة موثقة، وهو ما ينسجم حتى مع مفهوم البيعة في الفكر الإسلامي، الذي يعتبر أول قانون نظم حياة الأفراد مع الجماعة، حيث تتخذ البيعة أصنافا وأشكالا، قد لا تحيل بالضرورة وفي كل الحالات إلى وجود روابط قانونية متينة بين الحاكم والمحكوم.

وهنا يشرح الملك الراحل كيف أنه “في تاريخ الإسلام كان رؤساء القبائل يأتون للسلام على الأمراء والملوك ويضعون أيديهم على أيديهم، أو على المصحف ويقولون أننا نبايعك على الكتاب والسنة، ونبايعك بيعة الرضوان إلخ، ولكن المغرب هو الدولة الوحيدة التي لم تكتف بالبيعة الشفوية بل ما تبث في تاريخ المغرب وفي أي دولة مغربية أنه وقعت بيعة شفوية بل كانت دائما بيعة مكتوبة”.

وبعد هذا التوضيح، يؤكد جلالة الملك الراحل “بقي لنا أن نتوجه إلى أرضنا، الصحراء فتحت لنا أبوابها قانونيا، اعترف لنا العالم بأسره بأن الصحراء كانت لنا منذ قديم الزمن، واعترف لنا العالم أيضا بأنه كانت بيننا وبين الصحراء روابط وتلك الروابط لم تقطع تلقائيا وإنما قطعها الاستعمار”.

وهكذا، ولما يفرضه عليه واجبه كأمير للمؤمنين وخادم للبلاد وساهر أمين على وحدتها الترابية، دعا الملك الراحل الحسن الثاني، في قرار حكيم وعبقري للقيام بمسيرة خضراء لاسترجاع الأراضي المغتصبة واستكمال الوحدة الترابية للمملكة.

وظلت هذه الفقرة من الخطاب الملكي، وستظل، لحظة قوية ومحورية في تاريخ المغرب، حين قال “لم يبق شعبي العزيز إلا شيء واحد، إننا علينا أن نقوم بمسيرة خضراء من شمال المغرب إلى جنوبه ومن شرق المغرب إلى غربه. علينا شعبي العزيز أن نقوم كرجل واحد بنظام وانتظام لنلتحق بالصحراء لنحيي الرحم مع إخواننا في الصحراء”.

وحرص جلالته قبل الخوض في تفاصيل هذه الملحمة التي ستبهر العالم أجمع، وجوانبها التنظيمية، على أن يؤكد، أنه سيكون “من الأولين الذين سيضعون اسمهم في سجل المتطوعين وكما افتخر بكوني أتوفر على ورقة ناخب سأفتخر بأن تكون عندي بطاقة مسجل للتطوع في مسيرة استرجاع الصحراء حتى يبقى لأبنائي وأحفادي التاج الحقيقي ألا وهو صبغة الوطنية وأقول إنها صبغة الل ، ومن أحسن من الله صبغة”.