اليمن: انحباس الزمن السياسي بين مرحلتين يرهن تأسيس الدولة الجديدة باستمرار الحوار

اليمن: انحباس الزمن السياسي بين مرحلتين يرهن تأسيس الدولة الجديدة باستمرار الحوار

الخميس, 26 ديسمبر, 2013 - 10:01

بقلم .. عمر الطيبي

صنعاء – منذ دخول اليمن المرحلة السياسية الموسومة بالانتقالية، غداة “ثورة فبراير 2011″ كما يصفها البعض، و”الأزمة السياسية لسنة 2011” كما يفضل آخرون أن يطلقوا عليها، لم يخف اليمنيون، وعلى مختلف مشاربهم وانتماءاتهم، اعتزازهم بخصوصية تجربتهم، في القبول بالحوار وسيلة لحل خلافاتهم السياسية، وذلك على عكس اغلب بلدان “الربيع العربي” التي اختارت الايغال في العنف كأداة لحل خلافاتها الداخلية، حتى أن رئيس حكومة الوفاق الوطني محمد سالم بساندوة نصح مؤخرا هذه البلدان بالاقتداء بتجربة بلاده في معالجة نزاعاتها بالتي هي أحسن.

وقد استند هذا التفاؤل وذلك الاعتزاز على القبول بما بات يعرف في الادبيات السياسية للمنطقة بالمبادرة الخليجية، وكذلك للدعم الإقليمي والدولي الذي حظيت به هذه المبادرة، خاصة وأن الشق الأول من المرحلة الانتقالية عرف طريقه سريعا الى التنفيذ، فتم انتخاب رئيس انتقالي تنتهي ولايته الانتخابية في فبراير 2014، وتعيين حكومة انتقالية لمدة قد تصل الى سنتين أيضا.

ثم جاءت انطلاقة الشق الثاني من هذه المرحلة، مع انطلاق أشغال مؤتمر الحوار الوطني الشامل في 18 مارس الماضي، بمشاركة ممثلي مختلف فرقاء الازمة السياسية اليمنية، من أحزاب سياسية، ومنظمات مجتمع مدني، فضلا عن ممثلي مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية، خاصة فئة الشباب والنساء والمهمشين.

وحددت الالية التنفيذية للمبادرة الخليجية، وكذلك القانون الداخلي للمؤتمر، أهداف هذا الحوار في اشتغال الأطراف المشاركة على التوافق حول القضايا الاستراتيجية الخلافية المرتبطة ببناء دولة يمنية حديثة، كفيلة بتوفير الإطار الديموقراطي الأنسب لاقتسام الثروة والسلطة بصورة عادلة بين جميع أبنائها وأقاليمها.

وإذ عكف أعضاء المؤتمر على مناقشة قضايا الحكم الرشيد، والتنمية، والهيئات المستقلة، والامن والجيش، والحقوق والحريات، والعدالة الانتقالية، ومحافظة صعدة، وبناء الدولة، والقضية الجنوبية، وذلك في إطار فرق متخصصة، فان الالية التنفيذية المزمنة للمبادرة الخليجية، حددت للمؤتمرين موعدا أقصاه 18 شتنبر الماضي لاختتام أشغالهم، وألزمتهم بصياغة “وثيقة مخرجات” يمكن اعتمادها أرضية صلبة لوضع دستور جديد، فالانطلاق نحو التحضير لانتخابات رئاسية وبرلمانية في فبراير 2014، ومن ثم الشروع في إقامة أسس وهياكل الدولة الجديدة.

بيد أنه وبالرغم من نجاح المؤتمرين في التوافق على العديد من القضايا (يقال انها بلغت نسبة تتجاوز 90 في المائة)، فان الحوار بين الأطراف ظل يراوح المكان بالنسبة لموضوعين حاسمين بالنسبة للمسار السياسي الذي اختاره اليمنيون، وهما “القضية الجنوبية”، و”شكل الدولة”، ما حال دون التزام فرقاء الازمة اليمنية بإنهاء اشغال المؤتمر وفق الجدول الزمني الخاص بذلك، وما حول بالتالي التفاؤل بهذه التجربة الى خيبة أمل، والاعتزاز بها الى شك، نال كثيرا من مصداقية المتحاورين لدى قطاع واسع من المواطنين.

لقد ازدادت صعوبات الحوار منذ ذلك التاريخ، بحكم تفاقم مشاكل البلاد أكثر فأكثر، جراء ثقل تركة الماضي، وبسبب ما عرفته الفترة المتزامنة مع انعقاد مؤتمر الحوار من تزايد لعمليات تخريب المنشئات العامة في مختلف المحافظات، ومن مسلسل اغتيالات لا يبدو انه سينتهي قريبا، واشتداد لأوار الاعمال الإرهابية وتسلسلها، الى أن بلغت ذروتها في الهجوم على مجمع وزارة الدفاع مؤخرا بصنعاء.

يضاف الى ذلك كله انفجار الوضع في أكتوبر بمحافظة صعدة، على شكل مواجهات دامية لا تزال مسترسلة حتى الان، ثم تلاه انفجار الوضع خلال الشهر الجاري في منطقة حضرموت (تمد الدولة بنسبة 80 في المائة من مواردها النفطية) وأيضا في مختلف المحافظات الجنوبية، تحت شعار “الهبة الشعبية لطرد قوى الجيش والشرطة”، علما بأن الاحداث في هذه المناطق اتخذت ابعادا انفصالية مزدوجة، تذهب تارة باتجاه الدعوة لفصل الجنوب عن الشمال، وأخرى باتجاه فصل حضرموت عن الجنوب نفسه.

لقد دفعت هذه التطورات بتأثير الفعل السياسي للحوار الوطني الشامل على الشارع اليمني الى التواري شيئا فشيئا خلف جدران فندق موفمبيك -صنعاء حيث تجري الأشغال، ليفسح في المجال لتأثير الفعل الميداني المسلح، في ابعاده الإرهابية والطائفية والقبلية، التخريبية والانفصالية، المدمرة بطبيعة الحال.

إلا ان المنحى الذي فرضه تطور الأحداث بهذا الشكل لم يمنع الأطراف الفاعلة في مؤتمر الحوار، وفي مقدمتهم الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي، من السعي الى الدفع باتجاه تتويج “هذه الأشواط الإضافية البالغة مدتها ثلاثة شهور من زمن الحوار” (وفق تعبير جريدة يمنية)، بالحد الأدنى من التوافق على مخرجات الحوار، وعقد الجلسة الختامية في غضون الأيام القليلة المتبقية من سنة 2013.

ويمكن القول ان هذه الأطراف، التي خطت خطوة حاسمة في هذا الاتجاه، بالمصادقة في بداية الأسبوع الجاري على وثيقة لجنة (8+8) المتعلقة بالحلول والضمانات الخاصة بالقضية الجنوبية، والتي باتت تعرف ب “وثيقة بنعمر”، إنما تعول في ذلك على ضغط الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية، وهي تعول خصوصا على مفعول تهديد مجلس الامن مؤخرا باتخاذ إجراءات عقابية ضد من أسماهم ب “المعرقلين” و”المفسدين”، إذا ما استمروا في عرقلة هذا المسار، مستندا في ذلك الى قراره 2051 الخاص باليمن والذي استحضر البند 41 من ميثاق الأمم المتحدة في هذا الشأن.

ويحذر العديد من الملاحظين للشأن اليمني، في هذا الصدد، من خطورة ما قد ينجم عن مثل هذا التوجه لترحيل لقضايا المرحلة الحالية الى المرحلة اللاحقة، مع كل ما يعنيه ذلك من حجز للزمن السياسي للبلاد بين مرحلتين، مرحلة انتقالية تأبى الرحيل، ومرحلة تأسيسية لم تفلح الأطراف السياسية في وضع الأرضية المناسبة لإطلاقها حتى الان. فبدل توجه النخب السياسية اليمنية من مائدة الحوار رأسا نحو وضع أسس بناء الدولة المنشودة، والسعي في الحد الأدنى لمعالجة القضايا الملحة للبلاد، والاستجابة للحاجيات الأساسية للمواطنين، في ظل وضعية اقتصادية طاحنة وتحديات أمنية وسياسية متفاقمة، ستجد هذه النخب نفسها مضطرة لإنتاج نفس المعنى وان اختلفت قضايا ومواضيع النقاش.

فقد شرعت الأطراف السياسية، من الان وحتى قبل انتهاء الحوار الحالي فعليا، في مناقشة قضايا من قبيل مدى شرعية تمديد المرحلة الانتقالية الحالية، ومعها التمديد للرئيس هادي على رأس الدولة، بعد انتهاء فترة ولايته في فبراير القادم، بل ومدى شرعية المؤسسة البرلمانية التي استنفذت فترة ولايتها سنة 2007 وظل التمديد لها وسيلة الدولة الوحيدة لضمان استمرارية الهيئة التشريعية للبلاد.

وهي شرعت من الان في التساؤل عن ضمانات تنفيذ بنود الحوار، حتى لو تم التوافق عليها كلها، وعمن سيشرف على إجراءات تنفيذها، وهي تتساءل أيضا عن مآل مؤتمر الحوار. هل سينفض جمعه بمجرد استكمال مهامه الحالية بكل بساطة أم ستند له مهام تشريعية وتأسيسية أخرى.

ومع الإقرار بمشروعية نقاشات من هذا النوع، يلزم التأكيد على أن التحديات الضخمة التي تواجهها البلاد في ظل الظرفية الحالية من شأنها، وبكل تأكيد، تهديد المشروع السياسي لليمنيين من أساسه في أية لحظه، مع التشديد على أن تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية لن تظل بالضرورة ملائمة، والى ما لا نهاية، لمشاريع تغيير من هذا القبيل.

اقرأ أيضا

وزارة العدل والمديرية العامة الأمن الوطني.. نحو إدارة قضائية إلكترونية مندمجة ومتكاملة

الأربعاء, 24 يوليو, 2024 في 18:13

وقعت وزارة العدل والمديرية العامة للأمن الوطني، اليوم الأربعاء بالرباط، بروتوكول اتفاق لتأطير وتيسير التعاون بشأن التبادل الإلكتروني للبيانات يمثل خطوة مهمة نحو تعزيز التعاون والشراكة لإرساء إدارة قضائية إلكترونية مندمجة ومتكاملة، تتيح الولوج المشترك للمعلومات بين الطرفين.

السيد بوريطة يجري محادثة هاتفية مع نظيرته الأرجنتينية

الأربعاء, 24 يوليو, 2024 في 17:44

أجرى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج السيد ناصر بوريطة، أمس الثلاثاء، محادثة هاتفية مع وزيرة الشؤون الخارجية والتجارة الدولية والأديان الأرجنتينية، السيدة ديانا إلينا موندينو.

مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم يتعلق بنظام الدعم الاجتماعي المباشر

الأربعاء, 24 يوليو, 2024 في 16:44

صادق مجلس الحكومة، اليوم الأربعاء، على مشروع مرسوم يتعلق بنظام الدعم الاجتماعي المباشر، قدمه الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، فوزي لقجع.