النمسا 2015 : شاحنة الموت ومركز استقبال العار

النمسا 2015 : شاحنة الموت ومركز استقبال العار

الثلاثاء, 22 ديسمبر, 2015 - 12:18

فيينا – بقلم : رشيد السامي – تميزت سنة 2015 في النمسا بتدفق غير مسبوق للاجئين الى أوروبا، التي تواجه هذه الأزمة باعتبارها بلد عبور، حيث كانت محطة لاثنين من الأحداث المأساوية والدرامية التي توضح معانات المهاجرين في قلب أوروبا.
فمأساة اللاجئين الأولى تمثلت في العثور ،في 27 غشت الماضي ،على شاحنة مغلقة كانت متروكة في منطقة بورغنلاند، على الحدود المجرية على الطريق السريع النمساوي وبها 71 جثة في حالة تحلل متقدمة .
وقد كشف التحقيق من قبل الشرطة النمساوية وجود خلية لتهريب البشر غالبيتهم من بلغاريا ، لكن الامر استغرق نحو ثلاثة أشهر لتحديد 69 من الضحايا من أصل 71 . فالضحايا الذين لقوا مصرعهم في مأساة الهجرة في قلب أوروبا، هم من العراقيين، والأفغانين، والسوريين والإيرانين، وذلك وفقا للنتائج الرسمية لخبراء الطب الشرعي النمساوي.
هذه المأساة التي لا توصف أثارت ردود افعال ساخطة في البلاد والعالم ، فهذه الدراما البشرية من بين أخرى التي تقع في مختلف بقاع المعمور دفعت أوروبا والمجتمع الدولي إلى التفكير بجدية في إمكانية فتح الأبواب أمام آلاف المهاجرين الذين يأخذون الطريق البحري كل يوم للوصول إلى أوروبا، بعيدا عن الحروب والاضطهاد والبؤس .
ولعدة أسابيع، وبعد أيام قليلة من هذه المأساة، تم فتح الأبواب بمبادرة من ألمانيا للاجئين بشكل استثنائي لجميع الجنسيات ،حيث تم تسجيل هذه السنة مليون لاجئ لكن ضعف موقف الأوروبيين لمواجة ظاهرة الهجرة لن يدوم طويلا .
ولأن العبء ثقيل ،بدأت الكراهية تتخذ أبعادا مقلقة ،حيث بدأت سياسة القمع مع إغلاق الحدود الرئيسية في بعض بلدان العبور في منطقة البلقان وخارجها. أكيد أن هناك ضغط لتدفق اللاجئين على النمسا حيث قامت هذه الأخيرة بحذو الدول الأخرى التي أغلقت حدودها من خلال بناء حواجز تمتد على مسافة 3.7 كلم على حدودها الجنوبية مع سلوفينيا، وهي الأولى من نوعها في منطقة شنغن (أوروبا الحواجز).
المأساة الثانية، وقعت قبل شهر من مأساة الشاحنة، حيث كشفت وسائل الإعلام الوطنية والدولية الوضع المأساوي وظروف استقبال اللاجئين في تريسكشين ، أكبر مركز احتجاز لطالبي اللجوء في النمسا ، نحو 35 كلم إلى الجنوب من فيينا.
هذا المخيم الذي يضم أكثر من 4500 لاجئ، بما في ذلك 1700 من القاصرين في الوقت الذي لا تصل قدرته الاستيعابية سوى الى 1800 سرير، مما اضطر فائض اللاجئين إلى النوم على الأرض خارج المخيم .
هذه المأساة دفعت جامعة حقوق الانسان النمساوية والأحزاب السياسية النمساوية، بما في ذلك النمسا الجديدة والخضر منح مركز “تريسكشين” للاجئين الذي تقطنه أغلبية المهاجرين القادمين من سورية والعراق وأفغانستان اسم “معسكر العار” .
نفس التنديد والسخط أعربت عنه المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، ومنظمة أطباء بلا حدود والمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ، التي رأت أن الوضع الصحي “غير مقبول” و ” غير إنساني “. وبالمثل، نظمت جمعيات مساعدة اللاجئين عدة مظاهرات خارج المخيم احتجاجا على أوضاع طالبي اللجوء، متعتبرة أن هذا الوضع غير مقبول من قبل السلطات النمساوية التي أعلنت على الفورعدم قبول مهاجرين جدد في المخيم نظرا للمخاطر الصحية الخطيرة.
ولتصحيح الوضع ومنع وقوع كارثة إنسانية، قامت الحكومة الاتحادية النمساوية بممارسة الضغط على الأقاليم من أجل استيعاب المزيد من اللاجئين وتوزيع الأعباء، وفقا لنظام الحصص.
وقد وضعت الحكومة الاتحادية أيضا العديد من الحلول، بما في ذلك السكن في المخيمات، ومدارس الشرطة والحرم الجامعي، وتأجير الشقق و الاستعانة بمصادر خارجية ، وذلك عن طريق توقيع اتفاق مع سلوفاكيا ينص على الإقامة المؤقتة في بلد مجاور من 500 من طالبي اللجوء في النمسا في انتظار تسوية الوضعية .
كما استنكر، سكان بلدة جابسيكوفو في غرب سلوفاكيا، حيث يتم إيواء اللاجئين، وكذلك منظمة “أسيلكورديناسيا “، واصفة التعامل بأنه من الدرجة الثانية وأن المنظمة التي تضم العديد من الجمعيات لمساعدات للاجئين،أعربت عن قلقها إزاء تعميم هذا الخيار الرخيص والأقل تقييدا للسلطات النمساوية والذي يقوم على توافقات وترتيبات مماثلة مع دول أخرى مثل رومانيا و بلغاريا.
هذه الموجة من المهاجرين والمآسي التي تلاحقها ، فهو تحدي أكبر لأوروبا منذ سنوات الحرب العالمية الثانية، حيث يثير الانقسام والتضامن، ومشاعر الرفض والترحيب.
لكن يخشى أن يفشل الخير في تلبية هذا المطلب الكبير ما لم يتوصل القادة الأوروبيين إلى حل سياسي شامل لأزمة الهجرة ، فهي تهاجم جذور هذه الدراما العالمية في بؤر التوتر.
وعلى الرغم من كل المبادرات ومؤتمرات القمة الأوروبية، لا تزال مشكلة اللاجئين ،لان هناك عدد كبير من اللاجئين وعدد قليل من الأماكن ولكن سياسة الهجرة الأوروبية لديها سرعات كثيرة وتضامن منهار، ينضاف إلى ذلك، صعود قوة حركة نيوالشعبوية والقومية والأزمة الاقتصادية في أوروبا.
فهذه العوامل تعمل مجتمعة على قضية المهاجرين لكن لن يتم كسبها مسبقا وأن الهجرة ليست هي الفرصة التي سمحت إلى أوروبا سابقا بإعادة البناء .

اقرأ أيضا

فاس: تكريم الكاتب والمخرج المسرحي محمد الكغاط

الأحد, 30 يونيو, 2024 في 18:20

كرم ثلة من المثقفين ورجال الأدب من فاس وخارجها، السبت، الكاتب والمخرج المسرحي محمد الكغاط، بمناسبة الذكرى ال23 لوفاته، تكريما لذاكرة مبدع استثنائي بصم الساحة الثقافية المغربية.

مراجعة مدونة الأسرة.. الإحالة الملكية تضع حدا للتأويلات الدينية الفردية (فاعلة جمعوية)

الأحد, 30 يونيو, 2024 في 12:16

أكدت رئيسة جمعية “أيادي حرة”، ليلى أميلي، أن الإحالة الملكية لبعض المسائل الواردة في مقترحات اللجنة المكلفة بالنظر في مدونة الأسرة، على المجلس العلمي الأعلى، “تضع حدا للتأويلات الدينية الفردية التي لا تراعي الواقع وتطورات المجتمع”.

المهندس دعامة أساسية في بلورة الاستراتيجيات الوطنية وتحقيق التنمية المستدامة (السيد أخنوش)

السبت, 29 يونيو, 2024 في 21:52

أكد رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش، اليوم السبت بطنجة، أن المهندس يعتبر دعامة أساسية في بلورة الاستراتيجيات الوطنية التنموية وتحقيق التقدم والتنمية المستدامة.