النقل السككي بالمغرب: تطور باهر لقطاع ملتزم بالتميز

الرباط – قبل أكثر من مائة عام شرع في بناء أول خطوط للسكة في المغرب من صنف 60ر0 متر. ومنذ ذلك الحين، عرف القطاع تطورا باهرا لا تخطؤه العين، فقد شرع في استغلال خطوط فائقة السرعة، وعرفت محطات القطارات تجديدات بالكامل بمواصفات عصرية، كما تم تحديث حظيرة العربات والقاطرات.

وبذلك يكون المغرب قد حقق تقدما هائلا في هذا القطاع الاستراتيجي للنقل بالسكك الحديدية، الذي يشهد تطورا مطردا في مختلف مؤشراته سواء التقنية أو الاقتصادية والتجارية والمالية.

وفي تقريره للعام 2017/2018 صنف المنتدى الاقتصادي العالمي المؤسسة العالمية المرموقة المغرب، كدولة عربية وإفريقية ذات الريادة من حيث التنافسية ونوعية خدمات السكك الحديدية، وفي ذلك اعتراف عالمي وليس مجرد صدفة.

وبإشراف صاحب الجلالة الملك محمد السادس اليوم الخميس الى جانب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على إطلاق أول ربط بالخطط السككي فائق السرعة في القارة الإفريقية (طنجة-الدار البيضاء)، وهو مشروع وليد الرؤية الملكية للتنمية والتحديث، تقطع المملكة المغربية مستويات جديدة في سياسة الأوراش الكبرى المهيكلة التي تنجزها والرامية الى تعزيز التنمية الاقتصادية المتكاملة، وتحسين نوعية ووسائل التنقل للمغاربة.

ويمثل هذا العمل الجبار مصدر فخر وإلهام للمغاربة فقد تم إنجازه في حدود 90 في المائة من أشغال الهندسة المدنية من طرف الخبرات الوطنية، كما أن 72 في المائة من المهندسين والخبراء الذين اشتغلوا على إنجازه أطر مغاربة ساهموا، إلى جانب 5000 عامل مغربي لمدة سبع سنوات في إنجاز هذا الورش الضخم.

وبالموازاة مع بناء هذا الخط فائق السرعة قام المكتب الوطني للسكك الحديدية بتجديد محطات السكك الحديدية الرئيسية التي يعبرها القطار بشكل كامل وجذري فأصبحت فضاءات ضخمة للتلاقي والتنقل والترفيه، باعتماد أحدث التكنولوجيات وفي فضاء هندسي بديع يعكس المقومات الثقافية العريقة للمملكة وأصالتها.

وكان صاحب الجلالة الملك محمد السادس قد افتتح في العام 2014، محطة الدار البيضاء الميناء بعد عملية تحديث هامة بميزانية قدرها 400 مليون درهم لتصبح جوهرة المباني العصرية للشبكة الوطنية للنقل السككي.

وقد تم تجهيز هذه المحطة لتتسع لأكثر من 20 مليون مسافر في السنة وما يقرب من 5000 مسافر في ساعة الذروة، ومهدت هذه العملية بذلك الطريق لمشاريع مماثلة لتأهيل محطات القطارات.

وفي إطار هذه الدينامية ستعرف محطتا الرباط المدينة والرباط أكدال عمليتين كبيرتين للتأهيل والتحديث. وهما العمليتان اللتان أطلقهما جلالة الملك محمد السادس خلال السنة نفسها بإجمالي استثمارات من 05ر1 مليار درهم.

وسيساعد المشروعان اللذان يشكلان جزءا من عملية تشغيل الخط فائق السرعة تلبية الطلب المتزايد للمسافرين من خلال تقديم خدمات تلبي معايير الجودة، وتحسين تشغيل كلا المحطتين من حيث الرؤية وإمكانية الولوج وتحديد الأولويات للمساحات ، وإنشاء ديناميكية حضرية جديدة حول المحطتين اللتين أصبحتا منارتين عصريتين في محيطهما.

الشيء نفسه بالنسبة للمحطتين الجديدتين بطنجة والقنيطرة واللتين أصبحتا مركزين حضريين للتنقل والتلاقي والترفيه وفق أحدث المعايير المعمول بها دوليا في قطاع النقل السككي.

وفي الواقع، فقد كان المكتب الوطني للسكك الحديدية قد وضع برنامجا لتأهيل جميع محطات النقل السككي استفادت منه ما بين 2010 و 2017 أكثر من 40 محطة كبيرة ومتوسطة وصغيرة، لعل أبرزهما تجديد محطتي مراكش وفاس بالكامل لتصبح بذلك هذه المحطات ليس فقط نقاط عبور تقليدية بل مباني متعددة الوظائف مندمجة بشكل متناغم في محيطها الحضري.

ومكنت مختلف هذه الجهود الوطنية في قطاع السكك الحديدية اليوم من الوصول الى نقل 38 مليون مسافر في السنة على متن 560 عربة، عبر 3600 كلم من السكك، و2110 كيلومتر من الخطوط ، و133 محطة و250 قاطرة وآلية .

ولا ينوي المغرب اليوم التوقف عند هذا الحد. فقد أعد المكتب الوطني للشكك الحديدية مخططا تنفيذيا طويل المدى لمزيد من تأهيل القطاع في مختلف مكوناته بحلول العام 2040 أطلق عليه “المخطط السككي للمغرب 2040”.

ويأخذ هذا البرنامج الطموح بعين الاعتبار تلبية مختلف احتياجات النقل المستقبلي وتم إعداده حول محاور ، مترابطة داخل ممرات للسفر بواسطة القطارات فائقة السرعة والقطارات الجهوية والقطارات المكوكية، ما سيؤمن للمملكة شبكة كثيفة ستساهم بشكل حاسم في سياسات التخطيط وإعداد التراب.

وفي محصلتها ستمكن هذه الخطة التي تقدر ميزانيتها ب 375 مليار درهم من ربط 43 مدينة مغربية بدلا من 23 مدينة حاليا ورفع نسبة تغطية الساكنة بشبكة السكك الحديدية إلى 87 في المائة.

كما لدى المكتب الوطني للسكك الحديدية استراتيجية للتأهيل يطلق عليها “الوجهة 2025” وتهدف على وجه الخصوص إلى تسريع تثمين أصولها المادية وغير المادية من أجل توليد محركات النمو وتعزيز تطوير وإشعاع قطاع السكك الحديدية.