المشهد الإعلامي الوطني.. خطوات حثيثة للارتقاء بالممارسة المهنية

الرباط -إعداد: بشرى أزور – يشهد حقل الإعلام والاتصال بالمغرب تطورا حثيثا خلال السنوات الأخيرة، سمته الأساس انفتاح إعلامي كبير ساهم فيه تعميم الولوج إلى تكنولوجيات التواصل الحديثة.
ويشكل اليوم الوطني للإعلام والاتصال، الذي يتم الاحتفال به في 15 نونبر من كل سنة، محطة للوقوف على مكتسبات المشهد الإعلامي بالمغرب، وكذا التحديات التي يطرحها التطور التكنولوجي لمجال الاتصال، من خلال الحرص على الارتقاء بمصداقية الممارسة الصحافية والإعلامية إجمالا لتكون قاطرة حقيقية للتنمية، تضطلع بدورها الكامل في تنوير الرأي العام.
فتعدد المنابر الإعلامية التي مكنت فئات عريضة من المجتمع من الولوج إلى المعلومة، يسائل واقع المشهد الصحافي الراهن، من حيث ضرورة الانكباب على تطوير الأداء الإعلامي المهني وتشجيع الممارسة الإعلامية الهادفة إلى بلورة رأي عام وطني يواكب القضايا الكبرى للمجتمع.
وفي هذا الصدد، أكد مدير المعهد العالي للإعلام والاتصال، السيد عبد المجيد فاضل، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن المشهد الإعلامي الوطني عرف عددا من التحولات، وذلك على صعيد المشهد السمعي البصري، خصوصا بعد رفع الاحتكار في المجال الإذاعي ودور الإذاعات الخاصة، وهو ما أدى إلى نوع من المنافسة، معتبرا في الوقت نفسه أنه ما زال يتعين بذل بعض الجهود، خاصة على مستوى البرمجة الإذاعية لهذه القنوات.
وعلى صعيد القنوات التلفزية، يضيف السيد فاضل، وهو أيضا أستاذ اقتصاد وسائل الاعلام، كان هناك تحول أساسي بالانتقال من البث التناظري إلى الرقمي الأرضي، الذي تم في يوليوز الماضي، وهو الأمر الذي تطلب من الوزارة ضرورة القيام بحملة تحسيسية لحث الناس على التجهز بآليات التقاط هذه البرامج الرقمية.
وأكد على ضرورة بذل جهود في هذا المجال، إذ أن المعطيات تبين بأن الكثير من الأسر تلتقط أساسا البرامج المغربية عن طريق الساتل بدل البث الأرضي.
وفي مجال الصحافة المكتوبة، رصد الإعلامي تحولا أساسيا خص الصحافة الالكترونية، بظهور العديد من المواقع الإلكترونية، مشيرا في هذا الصدد إلى المناظرة التي نظمتها وزارة الاتصال لترتيب البيت الإعلامي في المجال الإلكتروني، نظرا للفوضى التي كانت تتسم بها بعض المواقع.
وأضاف أن تطور عدد المواقع الالكترونية لم يواكبه ارتقاء في مستوى المهنية، إذ يظل عدد المواقع التي تعمل بمهنية محدودا، مما يفرض تأقلم القانون مع هذا الوضع.
هذا الانتشار المتزايد للعناوين الصحافية الإلكترونية وارتفاع نسبة متابعتها يحيل في الوقت ذاته على وضعية الإعلام المكتوب الورقي.
وفي سياق متصل، تساءل السيد فاضل، عن مصير الصحافة الورقية وإمكانية استمراريتها في المنافسة، مشددا على أن هذه الأخيرة يجب أن تدفع المنابر الإعلامية الورقية إلى تحسين مردوديتها والبحث عن نموذج اقتصادي يمكنها من الاستمرار.
وذكر بأن المعطيات تبرز تقلص أعداد السحب خلال الأشهر الأخيرة، مما يطرح تساؤلات حول عدد العناوين التي يجب أن تستمر في الصدور.
ويؤكد الأستاذ فاضل أن التحولات التي يشهدها المشهد الإعلامي تطرح إشكالية أساسية تتمثل في النموذج الاقتصادي، سواء على الصعيد السمعي البصري أو الصحافة بمختلف أشكالها، موضحا أن السوق الإشهارية في المغرب مازالت لم تتطور بما فيه الكفاية لضمان استمرار ظهور عدة عناوين وتمويل من جهة الصحافة المكتوبة والإلكترونية والسمعية البصرية بمختلف أشكالها.
كما عرف المغرب خلال السنة الراهنة تحقيق تقدم هام في مسار بلورة مدونة للصحافة والنشر تواكب تطورات قطاع الصحافة، وتنبثق من عملية تشاركية واسعة.
وفي هذا الصدد، أشار السيد فاضل إلى قرب خروج هذه المدونة إلى حيز الوجود، وذلك بعد التوصل إلى اتفاق نسبي حول مضامينها، إلى جانب إحداث مجلس الصحافة الذي سيضطلع بالضبط الذاتي للمجال الإعلامي والصحافي.
ويفتح التطور المتسارع للحقل الإعلامي بالمغرب آفاقا واسعة من أجل تطوير الممارسة الإعلامية والارتقاء بجودة المضامين.
وفي هذا الصدد، يبرز السيد فاضل أن المشهد الإعلامي على الصعيد المغربي والعالمي على حد سواء، يعرف تحولات مستمرة ناتجة عن التطور التكنولوجي السريع الذي يعرفه المجال، مما يدفع المقاولات الإعلامية إلى ضرورة التأقلم والتلاؤم مع هذه التحولات.
ويشير إلى ظهور أشكال أخرى للاستهلاك والإنتاج الإعلامي، في الوقت الذي مازال فيه المغرب في المرحلة الأولى مقارنة مع دول متقدمة، موضحا “أننا لم نصل بعد لاستهلاك عدد من الوسائط الإعلامية الرقمية”، ويرتبط الإشكال في نظر السيد فاضل، أساسا بالتمويل وعملية الضبط والتقييم في المجال الإعلامي، إذ أن ظهور أشكال جديدة للإنتاج والاستهلاك يتطلب الملاءمة المستمرة للقوانين وهيئات الضبط في ما يخص المجال.
ويعتبر أن آفاق تطور القطاع ترجع إلى ارتفاع نسبة نفاذ الأنترنت داخل الاسر المغربية، مما يمكن أن يعطي بروزا كبيرا لأشكال متعددة في المجال.
وتظل الإشكالية، حسب السيد فاضل، منحصرة في مجال الإنتاج، الذي يقتصر في الوقت الراهن على الاستهلاك الوطني، في حين أن الاتجاه في معظم الدول يتجه نحو إيجاد منافذ على الصعيد الدولي، مؤكدا على ضرورة تحسين أشكال الإنتاج، مثل اعتماد المعايير الدولية المعمول بها في المجال.
ويضطلع المعهد العالي للإعلام والاتصال، باعتباره مؤسسة التكوين الأولى بالمغرب في مجال الصحافة والتواصل، حسب السيد فاضل، بدور أساسي يتمثل في تكوين الموارد البشرية، مشكلا بذلك رافعة أساسية في مجال النهوض بالمجال الإعلامي بمختلف أشكاله سواء السمعي البصري أو الصحافة المكتوبة أو الرقمية.
ويعمل المعهد، يضيف مدير المؤسسة، على ملاءمة برامجه مع التطور الحاصل في المشهد الإعلامي ليس فقط على الصعيد المغربي، بل أيضا العالمي، حيث أن المقررات يجب تدمج كافة المواد الجديدة، التي تهم على الخصوص الصحافة الرقمية والإلكترونية والمشهد السمعي البصري.
وإلى جانب التكوين الأساسي، الذي يتشكل من جهة من تكوين أولي للإجازة فضلا عن فتح عدة شهادات للماستر في “اقتصاد وتدبير المقاولات الإعلامية” و”التواصل السياسي” وانطلاق ماستر جديد ل”إنتاج المضامين السمعية البصرية والرقمية”، هناك التكوين المستمر الموجه، أساسا، للعاملين في الحقل الإعلامي السمعي البصري، من خلال تنظيم دورات تكوينية تخص جوانب جديدة في مجال الإعلام.
كما شدد على ضرورة اضطلاع المعهد بالبحث في المجال الإعلامي، معتبرا أنه لا يمكن أن يكون هناك تكوين رصين يشمل عدة جوانب إذا لم تكن هناك مواكبة من جانب البحث العلمي، خاصة البحث في المعارف المرتبطة بعلوم الإعلام والتواصل.
ومن المؤكد أن التطور المتواصل للتكنولوجيات الحديثة للتواصل يفرض على مجموع الجسم الإعلامي الوطني الارتقاء بمهنية الممارسة الصحافية، من خلال تطوير المضمون ووسائل الإنتاج، في أفق إرساء أسس مشهد إعلامي متقدم أداء ومضمونا.