المبادرة الوطنية للتنمية البشرية … نموذج تنموي وطني متجدد لحكامة مجتمعية للقرب
الرباط – تعد المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس يوم 18 ماي 2005، نموذجا تنمويا وطنيا متجددا لحكامة مجتمعية للقرب.
وتسعى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية إلى الإجابة على الإشكالية الاجتماعية في المغرب، وتجديد نمط تدبير الشأن العمومي، باعتماد مقاربة تشاركية والتقائية في بلورة وتنفيذ مشاريع وبرامج هذا المشروع التنموي، وصولا الى الارتقاء بمؤشرات التنمية البشرية للبلاد إلى مستوى البلدان المتقدمة.
كما تعتبر المبادرة ، التزاما سياسيا على أعلى مستوى في الدولة، يروم التأهيل الاجتماعي للمغرب، من خلال إعادة إدماج الساكنة الأكثر فقرا في الدورة الاقتصادية والاجتماعية، وأسلوبا تدبيريا متجددا باستمرار، ما يزال يحتفظ بأهميته وراهنيته في السياق السوسيو-اقتصادي الحالي رغم مرور ثماني سنوات على إطلاق هذا المشروع التنموي.
ومما يزكي هذا الطرح تأكيد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقريره الأخير، الذي صادق عليه في 31 يناير 2013، اقتناعه بمبادئ المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وأهمية إنجازاتها، مقدما في هذا الإطار جملة من المقترحات التي من شأنها أن تعطي زخما جديدا لهذا المفهوم التنموي الوطني، بشكل يجعله يندرج في إطار مفهوم شامل للتنمية البشرية.
فكما لا يخفى على أحد، فإن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي جاءت كاستراتيجية وطنية وعملية تصحيحية تضع قطيعة مع الممارسات السابقة في مجال الحكامة والشفافية، فرضتها ظروف دولية و وطنية.
وتستمد المبادرة، التي تعتمد أسلوبا جديدا في تدبير الشأن الاجتماعي، قوامه المقاربة التشاركية والتلاقي والاندماج بين البرامج العديدة والتدخلات العمومية المختلفة، خاصة في المناطق الفقيرة، قوتها ميدانيا من برامج محددة على الصعيد الترابي والوطني، مشكلة من البرنامج الأفقي، وبرنامج محاربة الإقصاء الاجتماعي بالوسط الحضري، وبرنامج محاربة الهشاشة، وبرنامج محاربة الفقر بالوسط القروي، وأخيرا برنامج التأهيل الترابي لفائدة ساكنة المناطق التي تعاني من العزلة.
وتتوخى هذه البرامج كلها، خلق التربة الاجتماعية الملائمة لتحويل المواطن المغربي إلى فاعل وشريك حقيقي معني بالدرجة الاولى بعملية التنمية في إطار مجتمع متماسك ومتضامن.
و هكذا، وعلى مر السنوات الماضية، عمل هذا المشروع التنموي على بلورة الأهداف المرسومة له عبر إضفاء دينامية اجتماعية في المناطق الفقيرة وأحيانا المعزولة تماما (دوار إنمل باقليم ميدلت نموذجا)، من خلال مشاريع وبرامج ملموسة، مما ساهم في تحسين شروط وظروف عيش الفئات المستهدفة وتعزيز قدراتها ومؤهلاتها سيما من خلال الانشطة المدرة للدخل.
وحققت المبادرة في مرحلتها الاولى (2005-2010) ما يفوق 22 ألف مشروع وأنشطة للتنمية، منها 3700 نشاط مدر للدخل لفائدة أزيد من 2 ر5 مليون مستفيد، باستثمار إجمالي بلغ 14 مليار درهم، ساهمت فيه المبادرة بمبلغ 4ر8 مليار درهم.
كما ساهمت المرحلة الأولى من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في النهوض بحقوق الأشخاص في وضعية الهشاشة، في ما يتعلق ببناء وتأهيل وتجهيز مراكز الاستقبال والرعاية الاجتماعية (1755 مشروعا)، وإدماج الساكنة الفقيرة في الدورة الاقتصادية عبر خلق أزيد من 3700 مشروع لفائدة الجمعيات والتعاونيات، مما وفر أكثر من 40 ألف فرصة عمل، إلى جانب إعطاء دينامية جديدة للنسيج الجمعوي من خلال تأسيس أزيد من 3800 جمعية منذ انطلاق المبادرة.
وستمكن المرحلة الثانية من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من توسيع مجال عملها ليشمل 701 جماعة قروية، وذلك تطبيقا لعتبة 14 في المائة كمعدل للفقر بدل 30 في المائة التي همت الجماعات ال 403، وتوسيع الاستهداف ليشمل 530 حيا حضريا مهمشا تابعا للمدن والمراكز الحضرية التي تتجاوز ساكنتها 20 ألف نسمة بدل 264 حيا تابعا لمدن تتجاوز ساكنتها 100 ألف نسمة، وإطلاق برنامج للتأهيل الترابي لفائدة 22 إقليما يعاني من العزلة.
وترتكز الخطوط العريضة للمرحلة الثانية من المبادرة على ثلاثة مبادئ رئيسية تهم تعزيز تجدر فلسفة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والتلاؤم مع أسسها، والاحتفاظ بالبرامج الأربعة لمرحلة (2006 -2010)، واعتماد برنامج طموح جديد مخصص ل”التأهيل الترابي” لفائدة ساكنة المناطق التي تعاني من العزلة.
وفي إطار السعي لتفعيل البرامج الخمسة التي تستهدفها المرحلة الثانية للمبادرة، تم تعبئة غلاف مالي قدره 17 مليار درهم، بدل 10 ملايير درهم لمرحلة (2006 -2010)، تم تخصيص 5 ملايير منها لتمويل البرنامج الجديد الخاص ب”التأهيل الترابي” والذي ينضاف إلى البرامج الأربعة الأخرى المعتمدة في المرحلة الأولى من المبادرة.
كما تم تخصيص غلاف مالي بقيمة 1ر3 مليار درهم لتمويل مشاريع برنامج مكافحة الفقر بالوسط القروي، الذي تستفيد منه 701 جماعة قروية مستهدفة، بغرض الحفاظ على دينامية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وتحسين ظروف عيش سكان الوسط القروي، وتعزيز الولوج إلى التجهيزات الأساسية والخدمات الاجتماعية الأساسية.
ورصدت برسم الشطر الثاني من المبادرة اعتمادات مالية بقيمة 4ر3 مليار درهم، لبرنامج محاربة الإقصاء الاجتماعي بالوسط الحضري الذي يستفيد منه 530 حيا حضريا مستهدفا، بغرض تعزيز المكتسبات وتحسين الولوج إلى التجهيزات الحضرية الأساسية، وتعزيز الولوج إلى خدمات القرب العمومية.
وبخصوص برنامج محاربة الهشاشة، والذي خصص لإنجاز مشاريعه غلاف مالي بقيمة 4ر1 مليار درهم، فإنه يروم توسيع الاستفادة لتشمل المصابين بداء السيدا والمدمنين الذين لا موارد لهم خلال الفترة ما بين 2011 و2015، ودعم نشاط المراكز المشيدة فعلا.
أما البرنامج الأفقي، فيروم من خلال مشاريعه التي خصصت لها اعتمادات مالية بقيمة 8ر2 مليار درهم، تعزيز قدرات النسيج الجمعوي، ومواكبة الفاعلين المكلفين بالتنمية البشرية من خلال دعم أنشطة التكوين وتطوير الكفاءات وأنشطة التواصل.
وبالنسبة للبرنامج الخامس الخاص بتأهيل المجال الترابي، والذي يبلغ الغلاف المالي الإجمالي المخصص له خمسة ملايير درهم، فيستفيد منه حوالي مليون شخص من القاطنين ب 3300 دوار تابعين ل 22 إقليم.
ويروم هذا البرنامج تحسين ظروف عيش سكان بعض المناطق الجبلية أو التي تعاني من العزلة، وتقليص الفوارق في مجال الولوج إلى البنيات الأساسية والتجهيزات وخدمات القرب (مسالك قروية، صحة، تعليم، كهربة، ماء شروب)، وإشراك سكان هذه المناطق في الدينامية التي خلقتها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
من دون شك، وكما يذهب إلى ذلك غالبية الباحثين والخبراء المتابعين للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بما في ذلك خبراء المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، فإن لا أحد يستطيع التنكر للوقع الايجابي الكمي لهذا المشروع منذ إطلاقه إلى غاية اليوم، في الحد من نسبة الفقر والإقصاء الاجتماعي في المناطق المستهدفة.
غير أنه، ومن أجل تفعيل أكبر، فإنه يتعين، بنظرهم، أساسا العمل في اتجاه تملك جماعي لفلسفة هذا المشروع الاجتماعي(الحكومة ،المنتخبون ،السلطات المحلية ،المجتمع المدني) ، كما رسمها جلالة الملك في خطاب السامي ليوم 18 ماي 2005، من أجل تحسين عمليات انتقاء المشاريع وضمان استمرارها وتوفير شروط التقائية البرامج القطاعية مع مخططات التنمية الجماعية وإخضاعها للتقييم والمراقبة بواسطة الآليات المختلفة التي تعمل بها المبادرة.
(إعداد فاطمة الحساني)
اقرأ أيضا
وزارة العدل تعزز اللاّمركزية بتأسيس مديريات إقليمية لتحديث الإدارة القضائية
أصدر وزير العدل قرارا بإنشاء وتنظيم المصالح اللاممركزة للوزارة، متمثلة في مديريات إقليمية للعدل موزعة على مستوى الدوائر القضائية لكل محكمة استئناف.
السيد الشامي يبرز إيجابيات تعزيز حكامة المالية العمومية (مناظرة)
أكد رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أحمد رضا الشامي، أمس الجمعة بالرباط، أن تعزيز حكامة المالية العمومية يخلق آثار إيجابية على عدة مستويات.
السيد بنسودة يدعو إلى تحسين نموذج الحكامة المالية العمومية
دعا الخازن العام للمملكة، نور الدين بنسودة، أمس الجمعة بالرباط، إلى تحسين مستمر لنموذج الحكامة المالية العمومية لدعم النمو بشكل فعال، وإحداث فرص الشغل، وتعزيز التماسك الاجتماعي.
أخبار آخر الساعة
-
وزارة العدل تعزز اللاّمركزية بتأسيس مديريات إقليمية لتحديث الإدارة القضائية
-
السيد الشامي يبرز إيجابيات تعزيز حكامة المالية العمومية (مناظرة)
-
السيد بنسودة يدعو إلى تحسين نموذج الحكامة المالية العمومية
-
الصويرة تعيش على ايقاع فعاليات الدورة ال19 لمهرجان الأندلسيات الأطلسية
-
المقومات التراثية الفريدة للفن المعماري “آرت ديكو” محور مائدة مستديرة بالدار البيضاء
-
الدار البيضاء.. اختتام أشغال المؤتمر العربي الثالث للملكية الفكرية
-
الدار البيضاء.. إبراز تحديات حماية حقوق الملكية الفكرية بالتعليم في ارتباطها بالذكاء الاصطناعي (ندوة)
-
معهد واشنطن في الصويرة: السيد أزولاي يسلط الضوء على الاستثناء المغربي بين الأمم