العلاقات الهندية-الأمريكية.. نحو تجاوز مرحلة الفتور وإرساء شراكة استراتيجية على أسس جديدة
(من المراسل الدائم للوكالة بنيودلهي: سعد أبو الدهاج)
نيودلهي – يبدو أن زيارة العمل التي قام بها الوزير الأول الهندي، ناريندرا مودي، إلى الولايات المتحدة قد ساهمت بقسط وافر في عودة الدفء إلى العلاقات الهندية-الأمريكية، وتجاوز مرحلة الفتور التي مرت منها خلال الفترة الأخيرة، بسبب بعض الإشكالات الدبلوماسية.
وتعد هذه الزيارة التاريخية، التي استغرقت خمسة أيام، وحضر خلالها مودي أشغال الدورة الـ 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة، نصرا شخصيا للوزير الأول الهندي، الذي سبق وأن رفضت الولايات المتحدة منحه تأشيرة الدخول إلى التراب الأمريكي سنة 2005 ، ولم تستأنف الاتصالات معه سوى أياما قليلة قبيل وصوله إلى السلطة في ماي الماضي.
وفي هذا الصدد، يرى المراقبون أن استقبال مودي في البيت الأبيض هو بمثابة إعادة الاعتبار إليه، بعد أن كانت الولايات المتحدة قد منعته من دخول أراضيها على خلفية اتهامات بشأن دوره في أعمال العنف الطائفي التي شهدتها ولاية غوجارات في سنة 2002، والتي راح ضحيتها ألف مسلم على الأقل، بالرغم من نفي مودي، الذي كان يشغل آنذاك منصب رئيس حكومة الولاية، مسؤوليته عن أعمال العنف.
ومما لا شك فيه أن الهند والولايات المتحدة ترغبان في طي صفحة الخلافات التي ساهمت في تلبد الأجواء بينهما، خاصة قضية الدبلوماسية الهندية التي أوقفتها السلطات الأمريكية في دجنبر الماضي في نيويورك بتهمة استغلال خادمتها، مما أثار موجة من الغضب في نيودلهي التي سارعت إلى طلب تخفيض تمثيلية الولايات المتحدة لديها، كما اتخذت إجراءات متشددة تجاه المواطنين الأمريكيين في ما يخص منح التأشيرات.
وبالإضافة إلى الأهمية التي تكتسيها مسألة تحسين العلاقات السياسية والدبلوماسية مع واشنطن، فقد سعى الوزير الأول الهندي، ناريندرا مودي، من خلال هذه الزيارة، إلى تركيز كامل جهوده لدى الفاعلين الاقتصاديين الأمريكيين في الترويج للاستثمار في بلاده، والمساهمة بقسط وافر في الحملة الترويجية التي كان أطلقها تحت اسم “إصنع في الهند” من أجل حث رجال الأعمال المحليين والأجانب على إقامة مشاريع استثمارية في البلاد.
وتجدر الإشارة إلى أن الهند كانت تلاقي على الدوام اهتماما ضئيلا من قبل الولايات المتحدة مقارنة بدول آسيوية أخرى كاليابان والصين وكوريا الجنوبية، إذ كانت أواصر التعاون تقتصر على المجالات المرتبطة بالأمن والدفاع ومحاربة الإرهاب، دون أن تمتد لباقي المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وفي هذا الإطار، يرى المحللون أن السبب يرجع، في المقام الأول، إلى التوجهات السياسية التاريخية للحكومات الهندية المتعاقبة، والتي كانت تنأى بنفسها عن الدخول في التحالفات السياسية والاقتصادية والدولية للمعسكر الغربي آنذاك، وكانت تكتفي بالانخراط في منظمة عدم الانحياز، التي تعد نيودلهي من مؤسسيها.
غير أن الولايات المتحدة أدركت على ما يبدو أن الهند، التي تعد اليوم ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان وثالث أكبر اقتصاد آسيوي وأحد الاقتصاديات الصاعدة إلى جانب الصين، أصبحت ذات وزن استراتيجي واقتصادي مهم في القارة الآسيوية وفي العالم، وأحد الأسواق المهمة والواعدة التي ينبغي أن تلقى مزيدا من الاهتمام مستقبلا.
وبدورها، ترى الحكومة الهندية الجديدة، التي يقودها الوزير الأول ناريندرا مودي القادم من حزب هندوسي قومي، أن السعي إلى إثبات الذات إقليميا ودوليا، وكذا جذب استثمارات اقتصادية كبرى يمر حتما من بوابة الولايات المتحدة الأمريكية، بالرغم من أن مودي يطمح إلى إرساء شراكة استراتيجية فعالة بين البلدين تتجاوز الروابط التقليدية لتشكل نموذجا تنمويا فريدا للعلاقات بين الشمال والجنوب.
وتندرج هذه الزيارة في إطار دينامية جديدة تعكسها رغبة الحكومة الهندية في إرساء أسس حركية اقتصادية غير مسبوقة في البلاد، التي تشهد منذ أزيد من عقد من الزمن تباطؤا في النمو الاقتصادي، من خلال إطلاقها للحملة الاستثمارية والترويجية “إصنع في الهند”، التي تتوخى جذب مشاريع استثمارية كبرى، وتعريف المستثمرين بسلسلة من التدابير والإجراءات، التي اتخذتها الحكومة الهندية، في أفق تحويل البلاد إلى قطب دولي للتصنيع بامتياز.
وفي هذا السياق، عمل الوزير الأول الهندي، طيلة مقامه بالولايات المتحدة وفي كل اللقاءات التي عقدها مع أقطاب الاقتصاد الأمريكي، على إبراز الوجه الجديد للهند كبلد يشهد تحولات اقتصادية مهمة تحت إشراف حكومته، ويتطلع إلى استقدام رؤوس الأموال الأجنبية لإقامة مشاريع استثمارية تنعش الاقتصاد الهندي المتذبذب، وتساهم في تشغيل عشرات الآلاف من الكفاءات العلمية والأيدي العاملة الهندية.
وخلال هذه الزيارة، بحث الوزير الأول الهندي ناريندرا مودي والرئيس الأمريكي باراك أوباما عددا من المواضيع السياسية والاقتصادية ذات الاهتمام المشترك، وأبديا توافقا بخصوص عدد من الملفات الشائكة كمحاربة الإرهاب وبرنامج الدفاع المشترك والوضع في أفغانستان.
كما اتفق زعيما البلدين على مواصلة تعزيز الاتصالات بينهما في إطار لجنة عليا تعمل على وضع الأسس الكفيلة بإرساء شراكة استراتيجية فعالة، كما التزما بالعمل على توفير الأرضية اللازمة من أجل إطلاق عدد من المشاريع الكبرى المشتركة، لاسيما في قطاع الطاقات المتجددة.
وشكل توقيع البلدين على اتفاقيتين بشأن التعاون المشترك في مجال الفضاء وإرسال البعثات الاستكشافية، أحد أهم النتائج التي تمخضت عنها زيارة ناريندرا مودي للولايات المتحدة، حيث نصت الاتفاقية الأولى على إطلاق قمر صناعي مشترك لمراقبة الظواهر الأكثر تعقيدا على كوكب الأرض، فيما نصت الاتفاقية الثانية على إنشاء فريق عمل مشترك لبحث وتحديد الأهداف العلمية والتكنولوجية المشتركة في مجال استكشاف كوكب المريخ.
وكان لافتا للانتباه إقدام الوزير الأول الهندي والرئيس الأمريكي على نشر مقال مشترك، أمس الأربعاء على الموقع الإلكتروني لصحيفة (الواشنطن بوست) الأمريكية، تحدثا فيه عن إرساء أسس جديدة للشراكة الاستراتيجية بين بلديهما خلال القرن الواحد والعشرين.
وفي هذا المقال، التزم أوباما ومودي بتعزيز القيم المشتركة والمصالح المتبادلة، مشيرين إلى أن “العلاقات بين الولايات المتحدة والهند ترتكز على الرغبة المشتركة لمواطني البلدين في تعزيز قيم الديمقراطية والعدالة والمساواة، فضلا عن تطوير أوجه التعاون الثنائي من خلال تقديم حوافز مهمة للقطاع الخاص وتشجيع الفاعلين الرئيسيين في المجتمع المدني بالبلدين”.
واعتبر الزعيمان أن الوقت قد حان لوضع أجندة أعمال جديدة تحقق فوائد ملموسة، وتمكن من إيجاد طرق ناجعة من شأنها توسيع التعاون المشترك في مجالات التجارة والاستثمار والتكنولوجيا التي تتوافق مع خطة التنمية الطموحة في الهند، مع ضمان احتفاظ الولايات المتحدة بدورها كعنصر محرك رئيسي للنمو الاقتصادي العالمي.
وأشار قائدا البلدين إلى أن شراكتهما الاستراتيجية “ستعود بالنفع على الشعبين معا، فبينما تستفيد الهند من النمو الناتج عن الاستثمارات الأمريكية والشراكات الاقتصادية والتقنية، تستفيد الولايات المتحدة من المؤهلات والإمكانيات الهائلة التي تزخر بها الهند كأحد أكبر الاقتصادات الصاعدة وأهم الأسواق الواعدة”.
اقرأ أيضا
المغرب يعمل بشكل حثيث على تحقيق أهداف منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (السيد حجيرة)
أكد كاتب الدولة لدى وزير الصناعة والتجارة المكلف بالتجارة الخارجية، السيد عمر حجيرة، اليوم الثلاثاء بالدار البيضاء، أن المغرب، باعتباره فاعلا اقتصاديا رئيسيا في إفريقيا، يعمل بشكل حثيث على تحقيق أهداف منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية.
السيدة بنعلي.. الوزارة ستواصل خلال سنة 2025 العمل على تسريع وتطوير مشاريع الطاقات المتجددة
أكدت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة ليلي بنعلي، اليوم الثلاثاء بمجلس النواب، أن الوزارة ستواصل العمل خلال سنة 2025 على تسريع وتطوير مشاريع الطاقات المتجددة.
موسم الشمندر السكري 2024-2025: كوسومار تروم مضاعفة المساحات المزروعة لتصل إلى 45000 هكتار
أطلقت مجموعة كوسومار الموسم السكري الجديد، مع برنامج يغطي 45000 هكتار، مقابل 23000 هكتار في العام السابق.
أخبار آخر الساعة
-
المغرب يعمل بشكل حثيث على تحقيق أهداف منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (السيد حجيرة)
-
السيدة بنعلي.. الوزارة ستواصل خلال سنة 2025 العمل على تسريع وتطوير مشاريع الطاقات المتجددة
-
موسم الشمندر السكري 2024-2025: كوسومار تروم مضاعفة المساحات المزروعة لتصل إلى 45000 هكتار
-
الأمريكيون يتوجهون إلى صناديق الاقتراع لاختيار الرئيس الـ47
-
المغرب يحظى بإعجاب كبير من النخب الفرنسية المهتمة بمستقبل إفريقيا (خبير فرنسي)
-
بانكوك: السيدة أخرباش تدعو لتقنين يصون حرية السوق الرقمية وحقوق مستخدمي الفضاء الرقمي
-
الأسبوع العربي الأول في اليونسكو: الثقافة المغربية تبصم على مشاركة بارزة
-
بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي