“السحابة السوداء ” ظاهرة موسمية تقض مضجع المسؤولين عن البيئة في مصر

(إعداد مكتب القاهرة)

القاهرة – تعاني العديد من المحافظات المصرية ، ومنها على وجه الخصوص العاصمة القاهرة، منذ سنوات عديدة، من ظاهرة تسمى ب “السحابة السوداء” تنتج عن تلوث موسمي للهواء الذي يصير محملا بغازات أكسيد الكربون والكبريت والنتروجين، جراء المخلفات الزراعية الجافة وإحراق “قش الأرز”.وتخيم على سماء مصر مع بداية كل فصل خريف سحابة سوداء في شكل سحابة ضبابية يعاني منها سكان القاهرة والمحافظات المجاورة خلال شهري أكتوبر ونونبر من كل عام، مع موسم حصاد منتوج الأرز وإحراق “قش الأرز”، الذي هو بقايا نبات الأرز بعد الحصاد وفصل الحبوب عنه.
وتبلغ كمية “قش الأرز” الناتجة سنويا عن زراعة الأرز في مصر نحو ستة مليون طن معظمها في محافظات الدلتا .
وباتت ظاهرة إحراق “قش الأرز ” وما ينتج عنها من دخان يتجمع ليكون “السحابة السوداء” تقض مضجع المسؤولين عن البيئة في مصر،بالنظر لمخاطرها الجسيمة المتمثلة بالأساس في انتشار العديد من الأمراض، ومنها إصابات الجهاز التنفسي وأمراض العيون والجلد، وأمراض القلب وغيرها ، فضلا عن زيادة معدلات حرارة الجو عن المعدل الطبيعي ، وتراجع الرؤية وحتى انعدامها بالطرق السريعة جراء الدخان الكثيف والضباب الناجمين عن هذه الظاهرة، مما يتسبب في العديد من حوادث السير .
وعن الأسباب الرئيسية لظهور “السحابة السوداء” سنويا ، قال خبير تدوير المخلفات بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، صلاح الحجار ،إن ذلك يرجع إلى “عدم وجود منهجية علمية متبعة ومطبقة بشكل فعلي للتخلص من مخلفات قش الأرز”، مشيرا إلى أن مصر تتكبد ما يقرب من ملياري جنيه في شهر أكتوبر لعلاج الأمراض الناجمة عن تلوث الهواء.
ومن جانبه، أشار أحمد أبو السعود ،الرئيس السابق للإدارة المركزية لنوعية الهواء بوزارة البيئة، إلى إحداث 85 مركزا لمعالجة “قش الأرز “لوقف الانبعاثات الغازية المترتبة عن إحراقه ، غير أنه أكد أن هذا العدد غير كاف حيث من المفترض أن يصل إلى 300 مركز لمعالجة أربعة ملايين طن من قش الأرز التي تنتجها مصر.
و من جهته أشار أحمد أبو السعود، رئيس جهاز شؤون البيئة المهندس في تصريحات لصحيفة”اليوم السابع” المصرية ،إلى أن هناك فرقا كبيرا بين غازات الاحتباس الحراري التي تنبعث من الوقود والبنزين والغازات والسولار، والعوادم الناتجة عن المصانع الكبرى، وبين الغازات الملوثة للهواء التي تنتج عن حرق المخلفات الزراعية والقمامة، وقال إن “هذه الأخيرة من الممكن السيطرة عليها”.
وأكد أنه لا بد من إعداد إستراتيجية جديدة لإعادة استغلال “قش الأرز”، للاستفادة منه بدلا من إحراقه، مشيرا إلى أن الوزارة وقعت بروتوكول تعاون مع وزارة الزراعة لاستغلال “قش الأرز”، بما يمنحه من قيمة اقتصادية ، بالإضافة إلى تطبيق القانون بكل حزم على المخالفين من المزارعين الذين يحرقونه .
ووفق تقارير إعلامية ، فقد طالب العديد من الخبراء وناشطي المجتمع المدني بوضع ضوابط تحد من انتشار ظاهرة التلوث ، من بينها مساعدة للمزارعين على الاستفادة من “قش الأرز”في أماكن إنتاجه.
كما حذرت مجموعة من الأطباء شاركت مؤخرا في لقاء علمي حول حساسية الأنف بالقاهرة، من انتشار “السحابة السوداء”، وأكدوا أن أضرارها يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بالأزمات القلبية والدبحات الصدرية.
وأشاروا إلى أن نسبة الإصابة بأمراض التلوث عالميا في ازدياد مستمر،حيث وصلت إلى 25 في المائة بين الكبار و40 في المائة عند الصغار، وأكدوا أن هذه النسبة تزيد في مصر خاصة في إقليم القاهرة الكبرى بسبب زيادة التلوث، وتتضاعف مع مجيئ “السحابة السوداء”، موجهين تحذيرا للمرضى من إهمال العلاج، لأن احتقان الجيوب الأنفية وانسدادها أثناء النوم، يمكن أن يؤديا إلى أزمات قلبية وذبحات صدرية.
وتجدر الإشارة إلى أن المساحات المزروعة بالأرز في مصر بلغت خلال موسم 2014 حوالي 814 ألف و767 فدانا نتج عنها حوالي مليون و800 ألف طن من “قش الأرزّ”، حيث ينتج فدان الأرز الواحد حسب وزارة البيئة حوالي 2.2 طن من “قش الأرز” .
وقد وضعت وزارة البيئة المصرية مخططا للتعامل مع” قش الأرز” من خلال عدة برامج أهمها إبرام بروتوكول تعاون مع وزارة الزراعة لتجميع كميات منه وتحويلها إلى سماد وأعلاف، إلا أن كميات كبيرة من القش لا زال يحرقها الفلاحون الذين لا يستخدمون إلا حوالي 50 في المائة من القش المنتج ويتخلصون من الباقي بإحراقه .