الزاوية الشرقاوية.. الواجهة الدينية والحضارية لأبي الجعد
– إعداد المصطفى الناصري –
خريبكة – تشكل الزاوية الشرقاوية بأبي الجعد، التي تأسست في مطلع القرن 16م على يد شيخها الولي الصالح سيدي بوعبيد الشرقي العمري، من بين أهم المعالم الدينية والحضارية بالمغرب باعتبارها مؤسسة دينية وعلمية واجتماعية تبلورت وظائفها داخل المجتمع المغربي.
وتكمن أهمية معالم هذه الزاوية، التي تعتبر من بين أهم الزوايا في تاريخ المغرب، في الأنشطة الروحية والعلمية لنشر الثقافة الدينية الصحيحة وما بذله مؤسسها من تضحيات لبلورة أسس مشروعه الحضاري في المدينة ، فضلا عن مشاركتها في الفعل السياسي للمغرب العميق خاصة خلال القرن 19م.
وساهمت الزاوية الشرقاوية بأبي الجعد، التي اتخذت الزاوية الشادلية منهاجا لقربها من الكتاب والسنة، بدور وافر في ازدهار العلم بالمغرب خلال القرن العاشر الهجري وما بعده، وتكريس ثقافة التكافل الاجتماعي بمختلف أنواعه من خلال المساعدات والإيواء والإطعام والقيام بدور التحكيم والفصل في قضايا الأفراد والجماعات والتوسط في حل مشاكل القبائل المجاورة والتدخل للصلح بين المخزن والقبائل ( وساطة بين المولى سليمان و بربر الأطلس بغاية المهادنة و نشر الأمن و الاستقرار).
وقد أهلت هذه الخصائص و المميزات الزاوية الشرقاوية القيام بدور إشعاعي و تربوي و ديني وعلمي حيث شكلت منارة علم وصلاح ووجهة لجموع الطلبة والمريدين وشخصيات علمية وصوفية. كما يشهد لها بمساهمتها الفعالة والتاريخية في تأسيس زوايا فرعية بجل مناطق المغرب (400 زاوية) أشهرها زاوية آل القيرواني بآيت عتاب وزاوية سيدي محمد بن سليمان الشاوي الزياني وزاوية سيدي حجاج بالشاوية وزاوية سيدي محمد بن الصالح العميري بالفقيه بن صالح ، إلى جانب وجود أضرحة لمنتسبيها بعدد من المدن المغربية كضريح العربي بن السايح بالرباط وضريح سيدي المعطى بن عبد الخالق بمراكش.
وقد تجاوز إشعاع زاوية أبي الجعد المناطق المغربية حيث أصبحت قبلة للباحثين من مختلف العالم كالسوسيولوجي الشهير شارل دو فوكو والباحث والمختص في الدراسات الشرق أوسطية الأمريكي ديل إيكلمان والذي اعتبر الزاوية الشرقاوية “مركزا دينيا ذا إشعاع ثقافي وعلمي كبير تجاوز حدود المنطقة “.
وللحفاظ على هذا الإشعاع يحرص حفدة الولي الصالح أبو عبد الله محمد الشرقي بتنسيق مع المجلس البلدي للمدينة على تنظيم الموسم الديني والثقافي للزاوية الشرقاوية سنويا احتفاء بمؤسسها وإحياء للعديد من العادات والتقاليد التي تجسد الارتباط الوثيق بين أهلها والقبائل المجاورة.
كما يتجلى الاهتمام بتراث و دور الزاوية الديني والفكري من خلال العديد من البحوث الأكاديمية والجامعية كمساهمات في إحياء التراث والحضارة المغربية، وكذا اهتمام وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بهذه المعلمة التاريخية من خلال إشرافها خلال السنوات الأخيرة على مشروع بناء قبة وبيوت للزوار وترميم ضريح سيدي بوعبيد الشرقي.
وقال أحمد بوكاري الشرقاوي مؤرخ الزاوية ومتخصص في دراسـة التصوف وتاريـخ الـزوايـا في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء إن تأسيس الزاويـة الشرقاوية من طرف الشيخ العالم الصوفي سيدي بوعبيد الشرقي منتصف القرن العاشر الهجري (16 م ) جاء بتزامن مع حكم الإشراف السعديين في منطقة وادي أبي الجعد ، مضيفا أن الشيخ الشرقي عمل على خلق مركز إشعاع ديني وعلمي وصوفي امتـد نفوذه إلى بلاد تادلة وورديغة والشاوية ودكالة والغرب والصحراء.
وأوضح بوكاري، الذي يشغل أستاذا باحثا بجامعة القاضي عياض بمراكش أن المشروع الحضاري للزاوية تواصل لعدة قرون بفضل جهود الأبناء والأحفاد والتلاميذ والمريدين كالشيخ العالم الصوفي والأديب المربي سيدي محمد الصالح مجدد الزاوية في عهد السلطان مولاي اسماعيل والشيخ والعالم والمبدع سيدي محمد المعطى بن محمد الصالح، مؤلف كتـاب “ذخيرة المحتاج في الصلاة على صاحب اللواء والتاج ” صلى الله عليه وسلم.
ولاحظ أن الزاوية الشرقاوية اليوم في أمس الحاجة إلى إعادة تجديد معالمها وإحياء أدوارها الدينية و العلمية والتربوية والروحية حتى تضطلع بواجباتها ومسؤوليتها في إشاعة الثقافة الإسلامية الحقة القائمة على الانفتاح والتعايش والتسامح والتلاقح وكذلك نشر أخلاق التصوف السني القائم على الاعتدال والأخلاق الفاضلة دون تعصب أو تمييز أو انغلاق.
اقرأ أيضا
الصويرة تعيش على ايقاع فعاليات الدورة ال19 لمهرجان الأندلسيات الأطلسية
رفع الستار مساء أمس الخميس بمدينة الرياح، على فعاليات النسخة ال19 لمهرجان الأندلسيات الأطلسية الذي يعد موعدا ثقافيا مميزا فرض نفسه منذ حوالي عشرين سنة ضمن الأحداث الفنية الكبرى.
المقومات التراثية الفريدة للفن المعماري “آرت ديكو” محور مائدة مستديرة بالدار البيضاء
استضافت العاصمة الاقتصادية، التي تعد جوهرة الهندسة المعمارية الحديثة بالمغرب، مساء أمس الخميس بحديقة الجامعة العربية، مائدة مستديرة خصصت لتسليط الضوء على فن “الآرت ديكو”، الذي يعد طرازا معماريا يجسد جزءا أساسيا من تراث مدينة الدار البيضاء.
الدار البيضاء.. اختتام أشغال المؤتمر العربي الثالث للملكية الفكرية
اختتمت، يوم الخميس بالدار البيضاء، أشغال المؤتمر العربي الثالث للملكية الفكرية، وذلك بعد يومين من النقاشات العلمية التي تمحورت حول موضوع “الملكية الفكرية وتحديات الذكاء الاصطناعي”.
أخبار آخر الساعة
-
الصويرة تعيش على ايقاع فعاليات الدورة ال19 لمهرجان الأندلسيات الأطلسية
-
المقومات التراثية الفريدة للفن المعماري “آرت ديكو” محور مائدة مستديرة بالدار البيضاء
-
الدار البيضاء.. اختتام أشغال المؤتمر العربي الثالث للملكية الفكرية
-
الدار البيضاء.. إبراز تحديات حماية حقوق الملكية الفكرية بالتعليم في ارتباطها بالذكاء الاصطناعي (ندوة)
-
معهد واشنطن في الصويرة: السيد أزولاي يسلط الضوء على الاستثناء المغربي بين الأمم
-
“مراكش إير شو 2024”: توقيع مذكرات تفاهم لتعزيز الاندماج المحلي لقطاع الطيران
-
مجلس الحكومة يطلع على عدد من الاتفاقيات الدولية ومشاريع القوانين المتعلقة بها
-
المملكة المتحدة.. إعادة تشكيل المجموعة البرلمانية متعددة الأحزاب المخصصة للمغرب ببرلمان وستمنستر