آخر الأخبار
التقائية سياسات التخطيط العمراني والبيئي عماد الاستدامة في المدن المغربية

التقائية سياسات التخطيط العمراني والبيئي عماد الاستدامة في المدن المغربية

الخميس, 17 أغسطس, 2023 - 12:37

(بقلم : حسنى أفاينو)

 

الرباط – تشكل حماية البيئة الطبيعية للمجال الحضري، وصيانة التنوع البيولوجي به، وإدماج البعد البيئي في التخطيط العمراني للمدن عبر تعزيز المساحات الخضراء والحفاظ على تنوع الغطاء النباتي وموائل أصناف الطيور المؤثثة لفضاءاتها وحدائقها وبناياتها وأسوارها التاريخية أيضا، أحد أبرز العوامل الكفيلة بتحسين جودة الحياة وتحقيق مدينة بيئية مستدامة.

والاستدامة مطلب عالمي تمليه الضرورة والحاجة إلى حياة آمنة في محيط سليم صحيا واجتماعيا وعمرانيا وبيئيا لما لذلك من أثر إيجابي ودور حيوي متعدد الأبعاد على الساكنة، الأمر الذي يستدعي نهج سياسات مجالية تقوم على دراسات ميدانية يلتقي فيها خبراء الطبيعة والإيكولوجيا والقطاعات المعنية، لا سيما قطاع التعمير والسلطات الترابية، من أجل خلق بيئة عمرانية مستدامة في المناطق الحضرية تحترم القيم البيئية وتستحضر أهمية المساحات الخضراء والتنوع البيولوجي للكائنات الحية بالمدن، خصوصا الطيور التي تضطلع بدور جمالي وإيكولوجي وصحي مهم للغاية.

في هذا السياق، أكد الأستاذ عبد الجبار قنينبة، الباحث الإيكولوجي بالمعهد العلمي – جامعة محمد الخامس، على أهمية إدماج عنصر البيئة ومفهوم الحفاظ على التنوع البيولوجي في سياسات التعمير والتنمية من خلال التشجير وتخصيص مساحات للحدائق والمنتزهات والغابات الحضرية، مشيرا إلى أن التمدد العمراني والزحف العقاري على حساب المساحات الخضراء تحت ضغط الطلب على السكن وإنشاء المرافق الإدارية وفي غياب تخطيط رشيد، يؤثر سلبا على البيئة الطبيعية والتنوع البيولوجي للمجال الحضري، ويقضي على الموائل الطبيعية للعديد من الحيوانات وفي مقدمتها الطيور؛ التي تشكل زينة المدن ورونقها و”مكنسة الفضاء” من الحشرات وأحد عوامل التوازن الإيكولوجي والسلامة الفيزيولوجية والنفسية للإنسان .

ولفت الباحث إلى أن المضاربات العقارية وهاجس الربح المادي لدى بعض المستثمرين، يشكلان أحد المخاطر التي تهدد التنوع البيولوجي في المدن واستدامتها، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى حذف المساحات الخضراء المبرمجة في تصاميم المشاريع السكنية أو تقليصها بسبب الجشع العقاري، أو إهمالها لتتحول مع مرور الوقت إلى مساحات جرداء أو مطرح للأزبال، تمهيدا لتحويلها إلى صفقة عقارية جديدة تخنق بيئة المدينة.

وأكد في هذا الإطار، على أهمية حس المواطنة ودور الساكنة الواعية في الحفاظ والدفاع عن أسباب جودة الحياة بمدنها كما حصل في أحد الأحياء بالرباط حين اعترضت الساكنة على تحويل مساحة خضراء إلى مرآب للسيارات، ليتم العدول عن ذلك وإنشاء المرآب أسفل الحديقة في مشهد يسجل انتصارا للبيئة العمرانية الرشيدة بالمدن بفضل وعي الساكنة.

وأشار السيد قنينبة إلى أن برنامج تنمية الرباط الذي أطلقه صاحب الجلالة الملك محمد السادس تحت شعار “الرباط مدينة الأنوار- عاصمة المغرب الثقافية” أعطى زخما كبيرا للمدينة، وانعكس إيجابا على البنيات التحتية والثقافية والمعالم التاريخية والحضارية للمدينة وأولى عناية خاصة لحدائق العاصمة ومنتزهاتها ومساحاتها الخضراء، مؤكدا على ضرورة صيانة هذا الزخم وعدم خدشه بممارسات مسيئة لأهدافه البيئية والحضارية.

وشدد الخبير البيئي على أن صيانة جودة الحياة بالمدن والارتقاء ببيئتها الطبيعية؛ رهين بالاستناد إلى رؤية شمولية تقوم على دراسات يتقاطع فيها التخطيط الحضري وعلم البيئة، وتنخرط فيها منظمات المجتمع المدني والجمعيات المتخصصة في حماية البيئة عبر التوعية والتحسيس والترافع البناء، إلى جانب تعزيز التكوين البيئي في الهندسة والطب وباقي التخصصات الجامعية، ووضع قوانين عمرانية تُلزم بتخصيص نسب محددة للمساحات الخضراء في المشاريع العقارية بالمدن.

وبخصوص عمليات غرس النخيل بدل الأشجار المظللة في شوارع المدن المغربية، كالرباط والدار البيضاء وطنجة وغيرها من المدن الساحلية، يرى الباحث الإيكولوجي أن ذلك له أضرار كبيرة، سواء من الناحية البيئية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو التاريخية ، مشيرا إلى أنه “باستبدال الأشجار المظللة بأشجار النخيل داخل المدن، تزداد درجات الحرارة وتُحرم الساكنة من ظلال الأشجار المورقة والانتعاش الذي تتيحه في وقت الحر، وهذا غير معقول في بلاد مناخها جاف أو شبه جاف”.

وأبرز في المقابل أهمية غرس النخيل في المدن الواقعة في الجنوب الشرقي للمملكة، والذي يشكل جزءا من تاريخ المنطقة منذ آلاف السنين، مشيرا إلى أن وجود النخيل بشكل مكثف في الواحات يضفي جمالية خاصة ويوفر الظل.

وأكد في السياق نفسه، أن وجود النخيل في مدينة مراكش له بعد تاريخي أيضا مرتبط بالمرابطين الذين بنوا المدينة واستقروا بها فكانت لهم قصة مع هذا النوع من الأشجار الذي كانوا يأكلون من ثمره هم وأنعامهم، ومع مرور الوقت نبتت نوى التمر الملقاة على التربة وتشكل ما يعرف اليوم بممر النخيل بالمدينة الحمراء، موضحا في هذا الصدد أنه “إذا كان أهل مراكش يقومون بتشجير شوارعهم بالنخيل؛ فذلك ينسجم مع تاريخ المدينة، أما في غيرها من المدن، فيجب البحث عن الأشجار الأصيلة المرتبطة بكل منطقة على حدة”.

وأشار بهذا الخصوص إلى أنه في مدن كالرباط، هناك أشجار متكيفة مع بيئتها الطبيعية كالبلوط الفليني وأشجار العرعر والعرعر الأحمر، وفي مدينة الصويرة مثلا ينضاف إلى هذه الأنواع شجر الأركان وهكذا..، مشددا على ضرورة استحضار عنصر التناغم والانسجام والتواصل بين المدن مع محيطها الطبيعي والإيكولوجي بما يحقق فوائد اقتصادية واجتماعية ويحفظ الذاكرة الطبيعية والتاريخية والجمالية للمنطقة .

ولم يفت المتخصص في علم البيئة الحيوانية- علم الطيور- لفت الانتباه أيضا إلى تأثر موائل الحيوانات بعمليات غراسة النخيل بالمدن بدل التشجير، وعلى رأسها الطيور، على اعتبار أن قاعدة أنواع الطيور التي تعشش في الأشجار أوسع بكثير من تلك التي تعشش في أشجار النخيل وهي محدودة جدا ( طائر الدوري والحمام )، وهذا من شأنه أن يمس بتوازن النظم البيئية ويؤثر على صحة الإنسان.

وبدورها، أكدت الباحثة والأستاذة بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، ارحيمو الحمومي، رئيسة مجموعة البحث من أجل حماية الطيور بالمغرب ( GREPOM/birdlife maroc )، في حديث مماثل، على أهمية التنوع البيولوجي في المناطق الحضرية، الذي يعد شعبة إيكولوجية جديدة لم تظهر إلا في القرن العشرين عندما بدأ الاهتمام أكثر في سنوات الثمانينات بالنباتات ليتطور الأمر إلى الاهتمام بالطيور، خصوصا عندما لوحظ تكيف الحيوانات والنباتات مع الحالة الإيكولوجية والبيئية للمدن رغم التلوث والضجيج والإزعاج الذي يتسبب فيه الإنسان.

وأكدت السيدة الحمومي على ضرورة تطوير ترسانة قانونية للحفاظ على المساحات الخضراء والضايات الغنية بأصناف الحياة وحمايتها من تغول الزحف العقاري، وإحداث ممرات التنوع البيولوجي الخضراء والزرقاء (المياه) “Corridor biologique ” التي تربط هذه المساحات فيما بينها، وتنظم الخريطة البيئية للمدن بما يسهم في حيويتها واستدامتها.

وبخصوص تزيين الحدائق والمنتزهات وجوانب الطرق في المدن بالمغروسات، أكدت الفاعلة الإيكولوجية على أهمية اختيار الأشجار التي تجمع بين الفوائد البيئية والجمالية والمحافظة على الهوية البيئية لكل مدينة ، مشيرة إلى أن غراسة النخيل في المدن دون غيرها من أنواع الأشجار، خارج مجال ونطاق الواحات، يمكن أن تسبب بعض الأضرار التي تنعكس سلبا على البيئة الحضرية وراحة وصحة الساكنة، كضعف قدرتها على تنقية الهواء ومكافحة التلوث، وعدم توفيرها الظل والرطوبة بسبب قلة أوراقها مقارنة مع الأشجار الوارفة، فضلا عن أنها تعتبر زراعة دخيلة على المدن الساحلية، داعية إلى إعادة النظر في غرس النخيل بهذه المدن وتعويضها بأصناف أشجار أخرى يمكنها التكيف مع الظروف المناخية المحلية لكل مدينة.

وأكدت السيدة الحمومي أن تنوع الأشجار في البيئة الحضرية له أهمية كبيرة وتأثيرات إيجابية عديدة على الإنسان والبيئة على حد سواء بما تحققه من تحسين للجودة البصرية للمساحات الخضراء والشوارع بإضفاء جمالية على المدينة من خلال مجموعة متنوعة من الألوان والأشكال والأنماط النباتية التي يمكن أن تساهم في التقليل من مستويات التوتر والقلق وزيادة الراحة النفسية للسكان.

كما تسهم الأشجار ذات الأوراق الكثيفة ، تضيف الأستاذة الجامعية، في تحسين جودة الهواء بامتصاص ثاني أكسيد الكربون والملوثات الجوية الأخرى مثل الغازات الضارة والجسيمات الصغيرة وبإطلاق الأوكسجين، وتخفيف الحرارة من خلال توفير الظل الكثيف وتبخر المياه من أوراقها، بما يؤدي إلى تحسين ملاءمة المناخ والتقليل من ظاهرة “الجُزر الحرارية” في المدن الكبرى، فضلا عن دعم الحياة البرية المحلية وتوفير بيئة متنوعة للكائنات الحية المحلية مثل الطيور التي تلعب دورًا هامًا في دورة الحياة وتوازن النظام البيئي.

ونبهت الباحثة الجامعية في هذا الإطار، إلى مخاطر المبيدات الحشرية المستعملة في الحدائق، على السلسلة الغذائية لأنواع كثيرة من الطيور، مما يتسبب في تراجع أعدادها واختفاء بعضها، داعية إلى ضرورة تحسين رعاية المساحات الخضراء والأخذ بعين الاعتبار جميع مكونات التنوع البيولوجي، حتى على مستوى أنواع الزهور والأشجار أو الشجيرات البرية وغير البرية التي يتم زرعها، والتي ينبغي أن تشكل قيمة مضافة تجعلها قادرة على جذب الحشرات التي تتغذى عليها أنواع الطيور وليس فقط الحرص على جمالية المنظر.

 

اقرأ أيضا

الاحتفاء بالرباط بتخرج طلبة المعهد العالي للإعلام والاتصال فوج 2023-2024

الجمعة, 26 يوليو, 2024 في 22:44

نظم، اليوم الجمعة بمسرح محمد الخامس بالرباط، حفل الاحتفاء بتخرج طلبة المعهد العالي للإعلام والاتصال فوج 2023-2024.

الرئيس الجديد للبرلمان الأنديني يشيد بالمبادرات التضامنية الرائدة لجلالة الملك لتعزيز التعاون جنوب -جنوب

الجمعة, 26 يوليو, 2024 في 20:40

أعرب الرئيس الجديد للبرلمان الأنديني، غوستافو باتشيكو، عن تقديره العميق لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، واعتزازه بالمبادرات التضامنية الرائدة لجلالته الرامية إلى تعزيز التعاون جنوب جنوب ومد جسور التواصل بين البلدان الأمريكولاتينية والقارة الإفريقية والعالم العربي.

خمس إصابات جديدة بـ “كوفيد-19” (النشرة الأسبوعية)

الجمعة, 26 يوليو, 2024 في 17:29

أعلنت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، اليوم الجمعة، عن تسجيل خمس إصابات جديدة بـ”كوفيد-19″ وحالة وفاة واحدة، خلال الفترة ما بين 20 و 26 يوليوز الجاري.