البرازيل .. بوتقة انصهار الثقافات والأعراق

البرازيل .. بوتقة انصهار الثقافات والأعراق

الإثنين, 30 يونيو, 2014 - 11:15

(مبعوث الوكالة إلى ساو باولو: هشام الأكحل)

ساوباولو- عند التجول في شوارع ساوباولو أو ريو دي جانيرو أو غيرهما من مدن البرازيل الشاسعة لابد أن تستوقف الزائر سحنات وجوه الناس وألوان بشرتهم التي تحيل إلى تعدد أعراقهم واختلاف جذورهم الثقافية، فيستفزه السؤال كيف تتعايش كل هذه الأجناس في غاية من الانسجام؟.وفي لعبة تفحص وجوه المارة لعل الزائر يجد ملامح مشتركة تميز هذا الشعب عن غيره، تبوء المحاولة بالفشل ليتيه في تداخل فسيفساء من الألوان والأجناس، انصهرت جميعها في بوتقة واحدة اسمها البرازيل، مجتمع متعدد الأعراق لكنه يتكلم لغة واحدة هي البرتغالية.
هذا التمازج العرقي والثقافي لم يشكل يوما عاملا مفرقا على أساس العرق، بل استلهم منه البرازيليون قوة جعلتهم يحتلون الريادة على المستوى القاري في مجالات متعددة، وبوأت اقتصاد بلادهم احتلال المرتبة السادسة عالميا.
فالبرازيل تعد من أكبر بلدان أمريكا الجنوبية من حيث المساحة الجغرافية التي تغطي نصف أراضي القارة، والتي يقطنها أزيد من 200 مليون نسمة ينحدرون من أصول أوروبية وإفريقية وعربية وأسيوية، إضافة إلى السكان الأصليين.
ويجد تعدد جذور الشعب البرازيلي تفسيره في عاملين أساسيين؛ وهما الاستعمار والعبودية، حيث أنه وإلى حدود القرن 19 كان تمازج الأجناس في البرازيل ثمرة اختلاط بين الشعوب الأصلية والمستعمرين البرتغاليين والعبيد الأفارقة.
وفي هذا السياق، تكشف دراسات أنثروبولوجية حديثة أنه في سنة 1500، أي زمن اكتشاف الساحل البرازيلي من قبل الملاح البرتغالي بيدروالفا ريسكابرال، ومع قدوم أول أفواج الأوروبيين واستعمار البلاد من قبل البرتغال سنة 1530، فإن عدد السكان الأصليين كان في حدود خمسة ملايين نسمة.
وتم حينها الاستيلاء على الأراضي البرازيلية على حساب السكان الأصليين الذين أبيدوا بالأعمال الشاقة التي فرضها عليهم الاستعمار البرتغالي أو لقوا حتفهم بسبب انتشار المرض.
وحاليا لا تمثل هذه الفئة من السكان، التي اختفت منها 700 قبيلة بسبب الأمراض والإبادة، سوى 0,2 في المائة من مجموع سكان البرازيل؛ أي حوالي 250 ألف شخص.
ويعيش أغلبهم في منطقة الأمازون (60 في المائة)، فيما ينتشر الآخرون شمال وجنوب ووسط البلاد على مساحة تقدر بنحو 900 ألف كلم مربع خصصتها لهم الحكومة البرازيلية.
وبدأت الهجرة البرتغالية إلى البرازيل في القرن 16 ووصلت ذروتها في أوائل القرن العشرين. ووفقا لبعض التقديرات، فإن غالبية سكان البرازيل ينحدرون من أصول برتغالية أو برتغالية-برازيلية.
كما أن 25 مليون من البرتغاليين-البرازيليين ينحدرون من 1,5 مليون برتغالي كانوا هاجروا إلى البرازيل بعد سنة 1850، وبحسب عدد من الدراسات الجينية التي أجريت في البرازيل فإن 50 في المائة من السود والغالبية العظمى من المختلطين ينحدرون من أصول برتغالية.
ذات الدراسات تشير إلى أن 133 ألف برتغالي كانوا يقيمون في ريو دي جانيرو سنة 1906، مما جعل من ريو ثاني أكبر مدينة تضم أكبر عدد من البرتغاليين في العالم، بعد العاصمة لشبونة.
كما أن أزيد من ستة ملايين من البرازيليين ينحدرون من أصول عربية ويعيشون أساسا في ساوباولو وبيلو أوريزونتي وريو دي جانيرو.
وبالإضافة إلى ذلك، تشير الدراسات إلى وجود حضور قوي للجالية اليابانية حيث يعيش نحو 1,6 مليون ياباني في ساوباولو، في حين أن 25 مليون برازيلي هم من أصول إيطالية و18 مليون ينحدرون من أصول ألمانية.
وفي حدود سنة 1950 كان عدد سكان البرازيل لا يتجاوز 50 مليون نسمة لينتقل العدد إلى 150 مليون نسمة سنة 2001 ، وأزيد من 200 مليون نسمة حاليا، مسجلة بذلك نموا ديموغرافيا متسارعا خلال العقود الأخيرة، بسبب تدفق موجات الهجرة إلى هذا البلد الجنوب أمريكي.
كما شكلت الحروب والمشاكل الاقتصادية أحد أبرز عوامل الهجرة من أوروبا وإفريقيا وآسيا نحو البرازيل. وفي أوائل القرن 20 وصلت الأفواج الأولى من المهاجرين الإيطاليين والألمانيين واليابانيين إلى هذا البلد حيث استقر معظمهم في الجنوب، خاصة بساوباولو،عاصمة البلاد الاقتصادية.
ويمثل السود حوالي 46 في المائة من مجموع السكان في هذا البلد الجنوب أمريكي، ويستقر معظمهم شمال وجنوب شرق البلاد. وتعد سلفادور دي باهيا المدينة التي يشكل فيها السكان السود الأغلبية بنسبة تقارب 86 في المائة من مجموع ساكنة المدينة.
وفي سنة 1532، جيء بأولى المجموعات الإفريقية من غينيا وأنغولا والموزمبيق والسودان، ليتم اتخاذهم كعبيد في هذا البلد حتى سنة 1888، تاريخ إلغاء العبودية.
وتشير الوقائع التاريخية إلى أنه قد تم ترحيل أزيد من ثلاثة ملايين ونصف المليون إفريقي نحو البرازيل، للعمل في مزارع قصب السكر وحقول القهوة والقطن ومناجم الذهب والمعادن.
وبعد إلغاء العبودية في البرازيل شجعت الحكومة الهجرة الأوروبية لتعويض اليد العاملة التي كان يؤمنها العبيد،وكان الفلاحون الألمان والسويسريون أول المهاجرين، ثم في وقت لاحق قدم الإيطاليون والإسبان والروس وغيرهم من الأوروبيين.
كما أن 700 ألف من المهاجرين العرب، ومعظمهم من سوريا ولبنان ركبوا البحر قاصدين وجهة البرازيل خلال عشرينيات القرن الماضي لأسباب اجتماعية واقتصادية محضة، واشتغلوا في بداية الأمر كباعة متجولين ثم ما لبثوا أن تحولوا إلى تجار كبار وملاكين لأكبر المتاجر خاصة في مدينة ساوباولو.
ولا يختلف اثنان في كون البرازيل غدت اليوم، من دون أدنى شك، بوتقة تنصهر فيها تقاليد شعوب متعددة الأعراق والأجناس والثقافات، وجدت في هذا البلد الجنوب أمريكي فضاء مفتوحا للتعايش السلمي بين الجميع.

اقرأ أيضا

المغرب استطاع تحت قيادة جلالة الملك أن يصنع لنفسه مكانة خاصة بين الأمم الكبرى (صحيفة كويتية)

الأحد, 28 يوليو, 2024 في 21:36

أكدت صحيفة (السياسة) الكويتية، أن المغرب استطاع تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أن يصنع لنفسه مكانة خاصة بين الأمم الكبرى.

الرباط.. افتتاح المعرض الدائم للجنة القدس

الأحد, 28 يوليو, 2024 في 14:16

جرى أمس السبت، بمقر وكالة بيت مال القدس الشريف بالرباط، افتتاح المعرض الدائم للجنة القدس التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، وذلك تزامنا مع تخليد الذكرى الـ25 لعيد العرش المجيد.

أولمبياد باريس 2024.. راكب الأمواج المغربي رمزي بوخيام يتأهل إلى الدور الثاني

الأحد, 28 يوليو, 2024 في 10:14

تأهل راكب الأمواج المغربي، رمزي بوخيام، أمس السبت بتيهوبو في تاهيتي، إلى الدور الثاني في رياضة ركوب الأمواج، ضمن الألعاب الأولمبية التي افتتحت أمس الجمعة بباريس.