البحرين تحسم “التباس” علاقة الحقلين الديني والسياسي بعزلهما وفصل دورهما

البحرين تحسم “التباس” علاقة الحقلين الديني والسياسي بعزلهما وفصل دورهما

الإثنين, 30 مايو, 2016 - 11:24

 أحمد الطاهري

 المنامة – بعد نقاش عميق ومستفيض، حسمت مملكة البحرين “الالتباس” الحاصل في علاقة الحقلين الديني والسياسي الذي ظل سائدا لمدة، بعزل بعضهما البعض، وفصل دور كل منهما، في خطوة جريئة نحو تأصيل قيم الدولة المدنية.

فقد وافق المجلس الوطني بغرفتيه، مؤخرا، على فصل المنبر الديني عن العمل السياسي بإقرار مشروع قانون بتعديل بعض أحكام القانون الصادر سنة 2005 بشأن الجمعيات السياسية.

ويؤطر مشروع القانون المعدل إجراءات تكوين أجهزة الجمعية واختيار قياداتها على ألا يكونوا من معتلي المنبر الديني أو المشتغلين بالوعظ والإرشاد والخطابة ولو بدون أجر، ومباشرتها لنشاطها وتنظيم علاقاتها بأعضائها على أساس ديمقراطي، وتحديد الاختصاصات السياسية والمالية والإدارية لأي من الأجهزة والقيادات، مع كفالة أوسع مدى للمناقشة الديمقراطية داخل هذه الأجهزة.

وينص المشروع بشكل واضح على إضافة عبارة: “ألا يجمع العضو بين الانتماء للجمعية واعتلاء المنبر الديني أو الاشتغال بالوعظ والإرشاد ولو بدون أجر، وفي جميع الأحوال لا يجوز الجمع بين المنبر الديني والعمل السياسي”.

لقد أزالت هذه الخطوة، برأي المراقبين، خلطا طالما طبع العلاقة بين الحقلين الديني والسياسي، بعد أن برزت مخاطر تدخل الأول في الثاني وتوجيهه له وفق أجندات خاصة تتهم السلطة أصحابها بكونها مدبرة من الخارج، على استقرار البلاد وسلمها الأهلي.

وبموجب القانون، بدت الحكومة حاسمة في ضبط اشتغال كلا الحقلين، بغية وضع حد لحالة “الانفلات” القائمة خارج دائرة اختصاصهما، مع ما يستتبع ذلك من مخاطر الحشد الإيديولوجي والتحريض في مجتمع مجبول على التعايش والتآخي في كنف الاختلاف، وعانى من ويلات وأضرار كبيرة أشعلتها نار الفتنة قبل سنوات.

ويروم تعديل القانون، الذي يستهدف حسب وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، الشيخ خالد بن علي آل خليفة، العمل السياسي، وليس الرأي السياسي، كون حرية التعبير والرأي مكفولة بموجب دستور المملكة، الحيلولة دون “تحزب المنابر وطأفنة السياسة”، ويزيل بالتالي الخلط الحاصل بين الممارسة الدينية والممارسة السياسية محافظا لهما على خصوصيتهما في نطاق اشتغالهما المختلف، وبما ينزع هيمنة المرجعيات الدينية وتدخلها في المنحى السياسي للناس.

وشدد الوزير، في تصريحات حول الموضوع، على أن الدولة الدينية التي تعني أن رجل الدين له دخل في اتخاذ قراراتها غير موجودة في مملكة البحرين التي هي دولة مدنية وبها دستور ومؤسسات تعمل وفقه.

وفي موقف حازم للغاية، قال الوزير: “إن الحرب بيننا وبين من يتاجر باسم الدين (..) ومن يتخذ اسم الله عنوانا لحربه ضد الناس، ومن يريد أن يعطل الدين لن يجد موقعا بيينا (..)”، مشددا على أنه “يجب أن يكون هناك رجل دين يمثل الأخلاق بمعناها الأسمى وألا يحزب منبره”.

وردا على أصوات معترضة من داخل المعارضة، التي تتزعمها (جمعية الوفاق الإسلامية) الشيعية، وهي المعارضة التي وجدت نفسها عمليا خارج الملعب السياسي بعد مقاطعتها الانتخابات التشريعية في نونبر 2014، تجزم الحكومة بأن تعديل قانون الجمعيات السياسية بمنع الجمع بين العمل السياسي والمنبر الديني، لا يستهدف جمعية بعينها وإنما يتوخى تنظيم عمل الجمعيات، على اعتبار أن مسألة عدم الخلط بين الحقلين جاءت عامة وعالجها القانون، مشددة على أنه يتعين على الجميع أن ينظم نفسه وفق القانون الذي لم يذكر اسم جمعية بالتحديد، وإنما جاء بقواعد عامة مجردة تطبق على الكل.

وإلى جانب المؤسسة التشريعية، شاطرت الموقف الرسمي ودافعت عنه باستماتة شرائح عريضة من المجتمع، وعلى رأسها المثقفون وكتاب الرأي، الذين يجزمون بأن خطوة الفصل بين المنبر الديني والعمل السياسي خطوة مهمة و”فارقة” في تاريخ الجمعيات، وهي لا تنتقص من حقوق أية جهة، وجاءت لتحفظ كينونة الدين الخاصة ومكانته المرموقة بإبعاده عن أي محاولة للتسييس.

وردا على بيان ما تصفهم (جمعية الوفاق) ب”كبار العلماء”، أصدروه مؤخرا، ويرفض “الوصاية على الحوزات”، قال الكاتب الصحفي سعيد الحمد، إنه بيان يحلق في فضاء آخر، إذ يتحدث عن “رفضهم أي شكل من أشكال الوصاية الرسمية على المساجد والحسينيات والحوزات”، مؤكدا أنه موضوع آخر لا علاقة له بموضوع منع الجمع بين المنبر الديني وعضوية الجمعيات السياسية، “إلا إذا أرادوا القول: دعوا من يعمل في الحسينيات والحوزات يفعل ما يشاء ويقول ما يشاء، فهو فوق القانون والنظام”.

 وكتب في مقال بجريدة (الأيام)، أمس الأحد، أن القانون لا يمنع ولا يحظر على أصحاب “العمامة” عضوية مجلس النواب ولكنه يحظر على من يعتلي المنبر الديني أن يكون عضوا في جمعية سياسية، أي في حزب سياسي، حفاظا على هذا المنبر من “الزج به في السياسة وألاعيبها وحساباتها واختلافاتها وتبايناتها وحتى صراعاتها”.

ووفق المنظور ذاته، توالت مقالات وتحليلات العديد من كتاب الرأي التي تؤكد بأن خطوة فصل منبر الخطابة عن السياسة تعد عملا محمودا، منافعه كبيرة وكثيرة، وذات علاقة مباشرة بأمن البلد واستقراره، مبرزة أنه آن الأوان لتنظيم كل من المنبر الديني والعمل السياسي الحزبي وفق أسس وقوانين واضحة لا لبس فيها ولا ازدواجية، بعد معاناة طويلة تولدت عن استغلال المنبر الديني.

ومن بين هؤلاء من نبه إلى أن المجتمع أوهم بأن من يفصل الدين عن السياسة هو بالتأكيد ضد الدين، في حين أن الموضوعية تقتضي الفصل بين الديني والسياسي (المقدس والمدنس)، والتوضيح بأن الخلاف قائم حول الدور الذي يلعبه الدين في المجال العام، وبأن الصراع اكتسب بعدا مذهبيا جراء التوتر المتزايد بين المذاهب الإسلامية في أكثر من منطقة بالعالم الإسلامي.

وفي ما رأى البعض أن الموضوع ليس بالأمر الهين، والتحكم فيه بقانون مسألة غير مضمونة النتائج، شدد آخرون على أن من يرى في نفسه القدرة على الوعظ وإلقاء الدروس الدينية بما ينفع المجتمع، ويسهم في بناء المواطن الصالح والمتحضر في مجتمع مدني، عليه أن يعتزل العمل السياسي ويتفرغ للخطابة والوعظ والإرشاد، ومن يرى في نفسه القدرة على العطاء في الحقل السياسي فهو مطالب أيضا بأن يعتزل المنبر ويبتعد عن الخطابة حماية لهما من الاستغلال.

وانتقدت تحليلات، أيضا، استغلال البعض للمنبر الديني ك”طريق سريع” للوصول إلى قبة البرلمان، منددة بما وصفته استبدادا بعقول بعض الناس وتحكما في مصائرهم عبر هذا المنبر، في خلط “فاضح” و”معيب” بين حقلين تحكمهما خصوصيات وتوجهات ونيات ذات طبيعة مغايرة ومتباعدة.

اقرأ أيضا

تدشين المحكمة الابتدائية بالعيون

الإثنين, 22 يوليو, 2024 في 22:02

أشرف وزير العدل عبد اللطيف وهبي، اليوم الاثنين، على تدشين المحكمة الابتدائية بالعيون، إثر إعادة بنائها في إطار تأهيل البنيات التحتية القضائية وتحسين ظروف عمل أسرة العدل.

رفع عدد مقاعد النقل الجوي ب40 في المائة خلال سنة 2024 (وزيرة)

الإثنين, 22 يوليو, 2024 في 21:49

أفادت وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، فاطمة الزهراء عمور، اليوم الإثنين بمجلس النواب، أنه تم الرفع ب40 في المائة من عدد مقاعد النقل الجوي خلال سنة 2024، بينما بلغت هذه االنسبة سنة 2023 حوالي 22 في المائة.

المختبر الوطني لمراقبة الأدوية يحصل على شهادة “إيزو” للمرة الرابعة

الإثنين, 22 يوليو, 2024 في 21:40

حصل المختبر الوطني لمراقبة الأدوية، للمرة الرابعة، على شهادة المطابقة لمعايير الجودة العالمية (إيزو 17025) من المديرية الأوروبية لجودة الأدوية.