إصلاح نظام الأراضي الجماعية .. ضرورة حتمية من أجل إدماج فاعل للعالم القروي في التنمية

الرباط – إعداد: إبراهيم صلاح الدين أمهيل – أضحى إصلاح نظام الأراضي الجماعية ضرورة حتمية، من أجل إدماج مثالي وفاعل للعالم القروي في سياق التنمية السوسيو- اقتصادية للمغرب.

وتشكل الأراضي الجماعية، التي تقدر مساحتها الإجمالية بنحو 15 مليون هكتار، إرثا عقاريا يحول تعقيد بنيته وعدم ملاءمة الترسانة القانونية التي تنظمه دون تثمينه بكيفية أمثل.

ويأتي إصلاح نظام الأراضي الجماعية في حينه ليطبع بذلك سنة 2015 ، من خلال الانكباب على معالجة إشكال أكثر من شائك عمر لزمن طويل.

ويتوزع حق الانتفاع من هذه الأراضي بين ذوي الحقوق من طرف جمعية المندوبين أو “النواب”، طبقا للأعراف والعادات وتعليمات سلطة الوصاية، حيث تعد ملكية للجماعات السلالية التي ينظمها ظهير 27 أبريل 1919 بتنظيم الوصاية الإدارية على الجماعات وتنظيم تسيير وتفويت الأملاك الجماعية كما وقع تغييره وتتميمه.

وتتسم الأراضي الجماعية، التي تمثل الأراضي الرعوية منها نسبة تفوق 85 بالمائة (تستعمل بصفة جماعية من طرف ذوي الحقوق بينما توظف أهم المساحات المتبقية في النشاط الفلاحي)، بكونها غير قابلة للتقادم ولا للحجز ولا للتفويت إلا لفائدة الدولة، أو الجماعات الترابية، أو المؤسسات العمومية أو الجماعات السلالية.

وقد عهد المشرع إلى وزارة الداخلية بالوصاية على الجماعات السلالية، حيث تتولى السهر على تسيير شؤون الوصاية على الجماعات السلالية مديرية الشؤون القروية بهذه الوزارة، وكذا السلطات الإقليمية.

وفي مواجهة تعقيد هذه الإكراهات، التي تظل مستمرة بالنظر لضعف دور جمعية المندوبين أو “النواب” والإشكاليات المرتبطة بتحديدها وعملها، إلى جانب عدم تمكنها من التشريع المتعلق بتسوية النزاعات وحماية العقار، أضحى القيام بإصلاح يأخذ بعين الاعتبار قطاع العقار، من خلال تبني رؤية شاملة تدمج كافة الأبعاد القانونية والمؤسساتية والتنظيمية والمسطرية، ضرورة عاجلة.

وفي هذا السياق، تعد دعوة صاحب الجلالة الملك محمد السادس لمراجعة وتحديث الترسانة القانونية المؤطرة للعقار، العمومي والخاص، وإصلاح نظام الأراضي الجماعية خطوة أساسية إلى الأمام من أجل تنمية العالم الفلاحي والقروي، ومبادرة استشرافية تروم إدماجه بكيفية مثلى في مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.

وتحث التوجيهات الملكية المتضمنة في الرسالة السامية التي وجهها جلالة الملك ل “المناظرة الوطنية حول السياسة العقارية للدولة”، المنعقدة يومي 8 و9 دجنبر الجاري بالصخيرات، بالخصوص، على إنجاح عملية تمليك هذه الأراضي، بما يساهم في حماية وتثمين الرأسمال العقاري، بما يجعله يضطلع بالدور المنوط به في تعزيز الدينامية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة.

ودعا جلالة الملك ، في هذه الرسالة ، كافة الجهات الحكومية المعنية إلى “العمل على تسريع وتيرة تصفية الوضعية القانونية للأراضي الجماعية، بهدف توفير مناخ ملائم لدمج أمثل لهذه الأراضي في مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد”.

ويشمل العزم الملكي على إصلاح نظام الأراضي الجماعية الرغبة في إدماج ذوي الحقوق في الدينامية الوطنية للتنمية، والنهوض بالحقوق والواجبات في إطار مبادئ الحقوق والعدالة الاجتماعية، وذلك خارج كل اعتبار قديم، إلى جانب دعوة ملكية لتضافر الجهود من أجل إنجاح عملية تمليك الأراضي الجماعية الواقعة داخل دوائر الري لفائدة ذوي الحقوق، مع مجانية هذا التمليك.

وحرصا على رفاه المغاربة وتمكينهم من ظروف حياة كريمة تيسر استفادتهم من عائدات التنمية، شدد جلالة الملك أيضا على ضرورة الانكباب على إصلاح قطاع العقار من خلال تبني رؤية شاملة تدمج جميع الأبعاد القانونية والمؤسساتية والتنظيمية والمسطرية، اعتبارا لمميزاته والطبيعة المعقدة والمتداخلة لبنيته.

ومن هنا فإن الحكومة مدعوة لمواصلة إصلاح الأنظمة العقارية المرتبطة بالاستثمار الفلاحي، بما يجعل من العقار دعامة أساسية لتطوير الفلاحة ورافعة للتنمية القروية.

وهكذا، يتعين على السياسة العقارية للدولة معالجة أوجه الاختلال الأساسية التي تشكل عائقا في وجه الدور المنوط بالعقار في مجال التنمية، واقتراح التدابير التشريعية والتنظيمية والمسطرية الكفيلة بضمان إصلاح ناجع.