ندوة دولية بالرباط تقارب موضوع ” تدريس العلوم الإنسانية في مؤسسات التعليم العالي الديني : الراهن والمستقبل “

الرباط –   افتتحت، اليوم الثلاثاء بالرباط، أشغال ندوة دولية تنظمها مؤسسة دار الحديث الحسنية حول موضوع ” تدريس العلوم الإنسانية في مؤسسات التعليم العالي الديني : الراهن والمستقبل ” بحضور أساتذة وباحثين متخصصين في العلوم الإنسانية والعلوم الإسلامية، من المغرب وخارجه، فضلا عن علماء وخبراء من مختلف التخصصات.

وتهدف هذه الندوة إلى مقاربة مكانة العلوم الإنسانية وتقويمها في مؤسسات التعليم العالي الديني، بشكل عام، وفي تجربة مؤسسة دار الحديث الحسنية بوجه خاص. كما تهدف إلى إبراز الدور الرئيسي الذي أضحت تنهض به هذه العلوم، وتسليط الضوء على التحديات الراهنة والمستقبلية.

وفي كلمة له بالمناسبة، أكد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، على الأهمية التي يكتسيها موضوع هذه الندوة ، معتبرا أنه لا ينبغي النظر إلى الجانبين العلمي والشرعي، والعلمي والإنساني على أنهما متنافران ، بل ينبغي التوفيق بينهما .

وأوضح في هذا الإطار، أن العلوم الإنسانية التي انبثق عنها الاستنباط لاسيما في القرون الخمسة الأخيرة، تمثل ثروة مشتركة بين البشرية، وتتناول المعارف عن الإنسان في نفسه وبيئته، مسجلا أن هذه العلوم تتميز بغزارتها وأن إدراجها ضمن برامج معاهد تدريس الدين يعتبر أمرا عظيم الفائدة.

وأبرز في هذا الصدد أهمية العمل على الجمع بين كبار المتخصصين في العلوم الإنسانية والعلوم الشرعية في مجامع العلم والتفسير .

من جهته قال منسق وحدة العلوم الإنسانية بمؤسسة دار الحديث الحسنية، مصطفى زرهار، إن تنظيم هذه الندوة الدولية الذي يأتي في إطار تكريم المرحوم الأستاذ د.أحمد الصادقي، أستاذ الفلسفة بالمؤسسة، يهدف إلى إبراز مظاهر تفاعل وتكامل وحدة العلوم الإنسانية بالمؤسسة مع باقي المواد الشرعية، والمساهمة في إبراز مكانتها.

وأبرز السيد زرهار بالمناسبة، أن إصلاح التعليم الديني يهدف إلى تمكين العلماء من عدة منهجية، ورؤية حصيفة لإقدامهم على الحوار باعتماد الحجج الشرعية مؤيدة بالأدلة العقلية، وامتلاك معارف في مجالات تعضد تكوينهم الشرعي.

وعلى هذا الأساس ، يضيف السيد زرهار، شكلت العلوم الإنسانية لبنة من لبنات التكوين الرصين، حيث تقوم الهندسة البيداغوجية على صرح علمي جعل المنهاج العام لمؤسسة دار الحديث الحسنية يعتمد على تكوين يمر عبر وحدات ثلاث، وهي وحدة العلوم الشرعية، ووحدة العلوم الإنسانية، ووحدة اللغات الحية.

وأشار إلى أن هذه الوحدات تشكل عالما يستوعب عالم الشريعة، وتجتهد في تكيفها مع رؤى إنسانية من خلال الانفتاح على العلوم الإنسانية، من سوسيولوجيا وسيكولوجيا وعلم الأديان المقارن والعلوم الاجتماعية، فضلا عن التشبع بالفكر الفلسفي بخلفيتيه التساؤلية والنقدية، وبالعدة المنطقية، ومناهج البحث، وكل هذا من دون التشويش على المنطلقات العقدية.

وبدوره قال الكاتب العام لمؤسسة دار الحديث الحسنية، محمد اليعلاوي، في كلمة باسم اللجنة العلمية للندوة، إن نجاحات العلوم الإنسانية المعاصرة أصبحت تجذب الانتباه أكثر فأكثر إلى درجة أصبح من المسلم به المناداة بتخصيص مساحات إضافية لمواد العلوم الإنسانية في مقررات علوم الدين، موضحا أن هذا المطلب أصبح له مبرر آخر يستند على ما تتيحه هذه العلوم من روافد معرفية تساهم في توسيع الآفاق لطالب العلوم الدينية، وتساعده على تجنب الوقوع في شراك التخصص الضيق والزوايا المغلقة للمعرفة.

واعتبر السيد اليعلاوي، أن الواقع يؤكد أن الاقتناع بالعلوم الإنسانية والحاجة إليها أصبح أمرا ملموسا في برامج العديد من مؤسسات التعليم الديني، ولاسيما العالي منه، سواء وطنيا أو دوليا، مشيرا إلى أنه من بين التجارب الهامة في العالم الإسلامي توجد على وجه الخصوص تجربة مؤسسة دار الحديث الحسنية، حيث شهدت تجديدا في برامج التكوين أناط للعلوم الإنسانية دورا معرفيا وعلميا وجعلها تتبوأ مكانة متميزة.

وأضاف أن هذه الندوة ستتطرق إلى محور نظري يرمي إلى التأمل في الموضوع من الناحيتين العلمية والبيداغوجية انطلاقا من نظرة كل من الأستاذ المختص في العلوم الإنسانية وأستاذ العلوم الدينية، حول حضور العلوم الإنسانية وما ينبغي أن تكون عليه مستقبلا، وذلك من خلال مواد دراسية بعينها، ومحور آخر علمي يهدف إلى عرض التجارب الحالية لتدريس العلوم الإنسانية في مؤسسات التعليم العالي الديني سواء وطنيا أو دوليا.

وخلص إلى أن الغاية المنشودة من عرض هذه التجارب تكمن في السعي إلى الخروج بتوصيات واقتراحات تسهم في تطوير المناهج الدراسية لمؤسسات التعليم الديني العالي عامة، ومؤسسة دار الحديث الحسنية خاصة، وتمكين خريجيها من الاستفادة من المكاسب العلمية والمنهجية للعلوم الإنسانية التي ستنعكس إيجابا على التكوين والبحث العلمي.

يشار إلى أن برنامج هذه الندوة يتضمن تنظيم سبع جلسات علمية موزعة على يومين.