كوبنهاغن أو جنة ركوب الدراجات الهوائية

كوبنهاغن أو جنة ركوب الدراجات الهوائية

الجمعة, 14 نوفمبر, 2014 - 13:31

(عمر عاشي)

كوبنهاغن- سواء هطل المطر أو هبت الرياح أو سقط الثلج، فإن سكان كوبنهاغن نادرا ما يتخلون عن ركوب الدراجات الهوائية، التي تعد أكثر من وسيلة للنقل بالنسبة لهم، بل إن لها فوائد صحية وبيئية واقتصادية، وتعبر داخل هذه المدينة طريقة للحياة.إن ثقافة استعمال الدراجات الهوائية، كيفما كان شكلها والعلامة التجارية، تجمع سكان كوبنهاغن، سواء الأطر في المقاولات الذين يرتدون البذل الرسمية وربطات العنق، أو النساء اللواتي يلبسن الكعب العالي، أو الشباب الذين يحبذون الملابس المزينة أو الرياضية، أو الآباء الذين يرافقون أبناءهم إلى الحضانات أو إلى التسوق. الكل يستعمل الدراجات الهوائية ذات العجلتين وفي كل مكان.

ويمكن لزائر هذه المدينة، التي يبلغ عدد سكانها 1.6 مليون نسمة، وهي إحدى أقدم مدن أوروبا، أن يلاحظ، بشكل سريع، مدى حركة الدراجات الهوائية في وسط المدينة الأكثر كثافة من العربات ذات العجلات الأربع، وهو ما يعطي الانطباع بأن الدراجات أكثر من السكان.

وفي كل يوم، يقطع راكبو الدراجات نحو 1.2 مليون كيلومتر، وثلث السكان ينتقلون للعمل بالدراجة الهوائية، وهو الرقم الذي تريد عمدية المدينة أن يتجاوز 50 في المائة.

وتوجد 400 كيلومتر من مسارات الدراجات تساعدهم على الانتقال بسلاسة إلى غاية أوقات الذروة وهي الفترة التي تجد فيها السيارات في بعض الأحيان صعوبة في السير نظرا للزحام الذي يحدث.

وتسير العاصمة الدنماركية، التي تعد نموذجا للتنمية الحضرية التي تحترم البيئة، إلى أن تكون جنة الدراجات الهوائية، وهو لقب لا تطمح إليه في أوروبا سوى مدينة أمستردام.

ويؤكد عمدة المدينة افرانك جنسن، الذي يطبق منذ سنة 2010 سياسة طموحة تروم خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، مرارا، على أهمية الدراجات الهوائية كوسيلة من وسائل النقل الحضرية التي تستعمل يوميا للحد من تلوث الهواء، ما يجعلها تقلل من تكاليف الصحة العامة.

وحذا حذوه العديد من رجال السياسة، حيث يقطع رئيس البرلمان، موغنس ليكيتوفت، البالغ من العمر 65 عاما، بالدراجة كل يوم، مسافة الكيلومترات التي تفصل بين مقر إقامته والبرلمان. إنها ظاهرة مثيرة لدهشة السياح ولكنها مألوفة لدى الدنماركيين.

إن التنقل في هذا البلد الاسكندنافي لا ترتبط بمسألة العمر أو الوضع الاجتماعي، بل إنها مجرد الوسيلة الأكثر شعبية والأكثر استعمالا.

ولا تعود ثقافة الدراجات الهوائية إلى سنوات قليلة ماضية، بل إنها قديمة مثل اختراع الدراجة الهوائية، فمنذ سنة 1880 توسع في الدنمارك مجال استعمال الدراجات البخارية ذات المقاعد الثلاثة والدراجات الهوائية، وهو استعمال تطور على مدى العقود لا سيما في سنوات العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي.

وعقب الحرب العالمية الثانية، تم استخدام الدراجات والسيارات بفضل الإقبال على استخدام الدراجات النارية على نطاق واسع في سنوات الخمسينيات من القرن الماضي، وذلك في سياق التوسع الحضري السريع.

لكن أزمة النفط لسنوات السبعينيات ذكرت، وبسرعة، الدنمارك بمخاطر مثل هذا النموذج الاقتصادي، واستأنف سكان كوبنهاغن هوايتهم في ركوب الدراجات الهوائية الذي يرمز للطريقة الحضرية البيئية، ولنظافة بلد يوجد اليوم في طليعة التحول إلى الطاقة المتجددة.

يشار إلى أن الحلول الصديقة للبيئة في مجال النقل، والتخطيط الحضري، والصناعة، عرفت تطورا مستمرا وانتشارا خاصة استعمال الدراجة بشكل تدريجي.

ومن أجل تحقيق طموحاتها الكبيرة، وفرت المدينة الوسائل الكبرى، ففي كوبنهاغن يرجع تاريخ الجزء الأكبر من شبكة الدراجات إلى خمسة وعشرين عاما مع الاستثمارات الكبيرة في المجال.

ويهدف ذلك إلى التقليل من حركة السيارات إلى حد كبير، عن طريق تكييف المجال الحضري أكثر مع استعمال عجلتين مع اعتماد مسارات “خضراء” و”طرق خاصة للدراجات” تربط بين وسط المدينة والضواحي، وجسور مخصصة حصريا للدراجات الهوائية، وكذا مواقف جديدة فقط لهذه “الملكات الصغيرة”.

ومن العوامل الأخرى التي تدفع إلى عدم استخدام السيارات هو سعر قسط التأمين الباهظ في أي مكان من هذا البلد، وعدم أداء أي مقابل نقل الدراجات في أي وسيلة نقل عمومية داخل المدينة.

ولابد من القول إن الدراجة الهوائية قضية جدية بالنسبة للدنماركيين، حيث إن الأطفال يتعلمون استعمال الدراجات الهوائية منذ سن مبكرة، ويتم احترام مدونة السير بشكل كبير، وتقدم دروس للمهاجرين وتنظيم حملات بشكل منتظم لتشجيع السلوك المدني، وأي خطأ في مسار الدراجات يؤدي إلى ردود فعل أحيانا قاسية من قبل مستعملي المسارات الآخرين، وفي بعض الأحيان أداء غرامات.

وتوجد في المناطق الحضرية الجديدة مسارات خاصة بالدراجات الهوائية واسعة أكثر، وسلالم تمكن مستعملي الدراجات الهوائية من جلب دراجاتهم وركنها في القطارات ومحطات المترو.

ومن المتوقع، في غضون سنة، أن تقلص بلدية كوبنهاغن العاصمة البيئية المقدسة في أوروبا، إلى النصف التنقل عبر السيارات.

وترى عمدية كوبنهاغن أن الأمر يتعلق بمواصلة الاستثمار في نموذج للنقل أثبت على مر السنين أنه وسيلة نقل سهلة وسريعة وأرخص.

ويتمثل التحدي الرئيسي للمدينة في تحقيق هدفها الطموح في القضاء على انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول سنة 2025.

اقرأ أيضا

مدينة سلا تعيش على إيقاع الدورة 16 للمهرجان الدولي لأطفال السلام

الخميس, 25 يوليو, 2024 في 20:40

تحتضن مدينة سلا حاليا فعاليات الدورة 16 للمهرجان الدولي لأطفال السلام الذي تنظمه جمعية أبي رقراق إلى غاية 30 يوليوز الجاري تحت الرئاسة الشرفية لصاحبة السمو الملكي الأميرة لالة مريم.

إقليم تازة.. حريق بغابة بورد بدائرة أكنول يأتي على حوالي 30 هكتار

الخميس, 25 يوليو, 2024 في 19:23

أتى حريق اندلع مساء أمس الأربعاء بغابة بورد بمنطقة الشرشارة بجماعة بورد بدائرة أكنول بإقليم تازة على 30 هكتار من الغطاء الغابوي.

السيد أخنوش يشارك في قمة باريس حول “الرياضة والتنمية المستدامة”

الخميس, 25 يوليو, 2024 في 18:30

شارك رئيس الحكومة، السيد عزيز أخنوش، اليوم الخميس بباريس، في قمة “الرياضة والتنمية المستدامة”، التي تنعقد على هامش افتتاح الألعاب الأولمبية، حيث يمثل صاحب الجلالة الملك محمد السادس في هذا الحدث الرياضي العالمي.