دونالد ترامب، مرشح مشاكس يوقع المراقبين في حيرة

بقلم .. فؤاد عارف

واشنطن – يتميز الدخول السياسي بواشنطن بحملة الانتخابات التمهيدية التي ستفرز مرشحين اثنين، ديمقراطي وجمهوري، يتنافسان في المرحلة الأخيرة من سباق الانتخابات الرئاسية المرتقبة في 6 نونبر 2016، حملة أذكاها بروز الظاهرة دونالد ترامب، عملاق العقارات الذي يتربع على مقدمة نتائج استطلاعات الرأي حول الانتخابات التمهيدية بالحزب الجمهوري، والذي ألقى خطابه المناهض خصومه والمراقبين السياسيين والإعلاميين على السواء في بحر من الحيرة.
شعبوي حد الإفراط، يجيد ترامب اللعب على وتر ناخبي اليمين الحانقين والباحثين عن خلخلة المشهد من جموده المعهود، ناخبون ينأون عن كل ما يمت بصلة من قريب أو بعيد لواشنطن، حيث الحياة السياسية تسير على إيقاع الصراع الإيديولوجي داخل الكونغرس، بين الأغلبية الجمهورية بالمؤسسة التشريعية وإدارة الرئيس باراك أوباما.
وفي هذا السياق المتميز باتهام الطبقة السياسية بالمغالاة في الصراع الإيديولوجي وتقويض التوازن المقدس بين مختلف أجنحة السلطة بالولايات المتحدة، على وقع إحساس بانعدام الأمن بلغ مستويات غير مسبوقة منذ أحداث 11 شتنبر 2001، يعزف “ذو ترامب”، كما يحب أنصاره أن ينادوه، على وتر مخاوف المواطنين، وإحساسهم بانعدام الأمن اقتصاديا وثقافيا، بل حتى هوياتيا.
ويبدو أن المرشح الجمهوري الظاهرة عثر على النغمة الانتخابية الملائمة التي مكنته من تصدر مختلف استطلاعات الرأي، بفضل خطابه العدواني المقصود، والمناهض للمسلمين والمهاجرين المنحدرين من أصول إسبانية، بالإضافة إلى قضايا أخرى أشارت إليها وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى، وذلك في سباق محموم لكسب الجمهور، الذي يعتبره ترامب “بضاعة رائجة”.
وكلما كانت تصريحاته مستفزة أكثر، كلما ارتفعت أسهمه في استطلاعات الرأي. وهي استراتيجية تكاد لا تكلف شيئا، إذ يعتبر ترامب المرشح الأقل إنفاقا في ما يتعلق بالوصلات الاشهارية التي تستنزف ميزانيات منافسيه، الذين يبدون في حيرة من أمرهم، كما هو شأن خبراء الحياة السياسية الأمريكية، في مواجهة هذه الظاهرة التي لا يبدو أنها ستختفي قريبا. علما أن المراقبين سابقا كانوا دائما ما يتوقعون أن يتهاوى المرشحون المتصدرون لاستطلاعات الرأي خلال الخريف مع اقتراب الانتخابات التمهيدية بولايات أيوا ونيو هامبشير في شهري يناير وفبراير.
واليوم، يبقى السؤال الذي يطرح نفسه، “أمن المستبعد أن يفشل دونالد ترامب في الظفر بترشيح الحزب الجمهوري؟”. وبالفعل، يؤكد باري بينيت، المدير السابق لحملة بين كارسن، المطارد المباشر لترامب في الانتخابات التمهيدية، أنه صار من الصعب تصور أن يفلت ترشيح الحزب الجمهوري من بين يدي الملياردير الأمريكي.
وقال بشكل حاسم، في تصريح لقناة سي إن إن، “أنا واقعي وأؤمن بصحة الأرقام التي تتناقلها مختلف استطلاعات الرأي”، لافتا إلى أنه “لم ير لحد الساعة استراتيجية حقيقية قادرة على وقف زحف ظاهرة ترامب”، أي بعبارة أخرى، إنها الحيرة التامة التي تستبد بخصومه.
ويتراجع خصومه أمام تقدمه العنيد في استطلاعات الرأي، حتى لو شكك البعض في صحة ورجاحة تصريحاته، فأنصاره يأخذون الأمر على محمل الجد. إذ يلقي مع تصريحاته وعودا خيالية تتجاوز كل الحدود، فمن بناء “سور عظيم” على طول الحدود الجنوبية مع المكسيك وعلى حساب الحكومة المكسيكية، إلى “طرد المسلمين من فوق التراب الأمريكي حتى نصبح نراه بوضوح”.
واعتبر العديد من خصومه الجمهوريين ومن كبار أعضاء حزب أبراهام لنكولن تصريحه الأخير بمثابة إهانة إلى الولايات المتحدة وقيمها المؤسسة، لكن زعماء الحزب الجمهوري يبدو أنهم وقعوا في مأزق يسمى “دونالد ترامب”، إذ أن من شأن خطابه أن يزيد من نفور الجمهوريين المعتدلين، وخاصة الشباب والناخبين غير البيض، الذين قد يديروا ظهورهم إلى مرشح الحزب خلال الانتخابات الرئاسية.
وبالمقابل، يرى آخرون أن عودة الجمهوريين إلى البيت الأبيض قد لا تكون ممكنة دون مساهمة أنصار ترامب، وفي انتظار ذلك، يتابع الخبراء مراقبة المشهد بواشنطن، حيث يواصل المرشح الأوفر حظا التصرف بنوع من الصفاقة.