خطاب العرش: الإنسان ورفاهيته في صلب الرؤية الملكية

رشيد ماموني

الرباط – جدد خطاب العرش لسنة 2016، التأكيد مرة أخرى، على أن الإنسان ورفاهيته وتحسين ظروف عيشه كانت وستظل في صلب الرؤية الملكية في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية.

وجدد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في الخطاب الذي وجهه، اليوم السبت، إلى الأمة بمناسبة الذكرى ال17 لاعتلاء جلالته عرش أسلافه الميامين، التأكيد على أن غاية المبادرات والعمل الذي تم إنجازه لا تقف فقط عند الحصيلة والمنجزات، بقدر ما تركز على الوقع الذي كان لها على ظروف عيش المواطنين بغية تحسينها.

وقال جلالة الملك، في هذا الخطاب الذي استحضر التوجهات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية الكبرى التي طبعت ال12 شهرا الماضية، “إننا نضع البعد الإنساني في طليعة الأسبقيات. فما يهمنا هو المواطن المغربي، و الإنسان بصفة عامة، أينما كان”.

وأكد جلالة الملك، منذ البداية، على “الأمانة الجليلة” و”الجسيمة” المتمثلة في قيادة الشعب المغربي بالنظر لما تنطو ي عليه من مسؤوليات والتزامات تجاه جميع المغاربة.

وأضاف جلالة الملك، بهذه المناسبة المجيدة، وبنبرة تطبعها الثقة في قدرة المغاربة على تفهم رهانات الحاضر وتحديات المستقبل، “فما أريده لكل المغاربة أينما كانوا في القرى والمدن، وفي المناطق المعزولة والبعيدة، هو تمكينهم من العيش الكريم في الحاضر، وراحة البال والاطمئنان على المستقبل، والأمن والاستقرار على الدوام، في تلازم بين التمتع بالحقوق، وأداء الواجبات” .

ففي حياة الشعوب تبقى سبعة عشر سنة مدة زمنية قصيرة جدا. وعلى الرغم من ذلك فقد تغيرت ملامح المغرب خلال هذه الفترة بفضل الإصلاحات السياسية العميقة والأوراش الاقتصادية الكبرى ومشاريع التنمية البشرية، وإن كان الطريق ما يزال طويلا والتحديات التي ينبغي رفعها مهمة.

وحرص جلالة الملك على التذكير بأنه ملك المغاربة كافة، سواء المنتمين للأحزاب أو غير المنتمين لها، المصوتين وغير المصوتين، مؤكدا أن “شخص الملك، يحظى بمكانة خاصة في نظامنا السياسي. وعلى جميع الفاعلين، مرشحين وأحزابا، تفادي استخدامه في أي صراعات انتخابية أو حزبية”، فالكلمة الفصل في الانتخابات تعود للمواطن باعتباره مصدر السلطة التي يفوضها لهم.

ويتضح جليا مرة أخرى أن المواطن يحظى بالأولوية في الرؤية الملكية في ما يتعلق بدور وأهداف أية عملية انتخابية وأي هيئة تمثيلية، والتي تتطلب “الصدق والمسؤولية، والحرص على خدمة المواطن، وجعلها فوق أي اعتبار”.

وفي ما يتعلق بتطلع المغاربة لتنمية متوازنة ومستدامة، فقد حدد جلالة الملك سبيل بلوغه بوضوح في انخراط المغاربة كافة، بشكل فردي أو جماعي، في المعركة الاقتصادية الحاسمة التي تدور حاليا في العالم، والتوزيع العادل لثمرات التحول الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، القوية في ذلك بثقة العديد من الشركات الدولية في مؤهلات المملكة واستقرارها.

ويتم ضمان استدامة هذا الاستقرار وهذا الأمن الذي يتمتع به المغرب من خلال العمل واليقظة وصرامة المصالح الأمنية في مواجهة التحديات الأمنية، والمؤامرات الدنيئة والتهديدات التي تحدق بالمغرب.

وعلى الصعيد الدبلوماسي، فإن الرؤية الملكية لا يكتنفها أي غموض، حيث كان على المغرب رفع تحديين كبيرين يتمثلان في التعاطي بحزم مع الدفاع عن الوحدة الترابية، وتنويع الشركاء السياسيين والاقتصاديين دون التخلي عن الشركاء التاريخيين للمغرب.

وبخصوص قضية الصحراء، ذكر جلالة الملك بأن الكلمة المفتاح تتمثل في جعل سنة 2016 “سنة الحسم” في ما يتعلق بالمحافظة على الوحدة الترابية قصد إحباط مناورات وادعاءات خصوم المغرب.

وفي هذا الملف بالذات، فإن السلاح الرئيسي الذي يستخدمه المغرب يتمثل في إنجاز مشاريع التنمية على أرض الواقع في الصحراء، والإشراك الفعلي لساكنة هذه الجهة في تدبير شؤونها، وهو ما أذكى حقد خصوم المغرب.

فلم يكد  هؤلاء الخصوم يستوعبون النجاج الباهر للنموذج الجديد للتنمية لجهة الصحراء، حتى تلقوا ضربة قوية أخرى لم تكن في الحسبان، وهي عودة المغرب لأسرته المؤسساتية الإفريقية، والطلب الذي تقدمت به رسميا معظم الدول الإفريقية (28 دولة في المجموع) لطرد الجمهورية الوهمية من الاتحاد الإفريقي.

وتمثل الصرامة والعزم والتطلع إلى غد أفضل بالنسبة للمغرب وأبنائه، في نهاية المطاف، الكلمات المفتاح التي يرتكز عليها العمل الملكي كما قدم مضامينه وشرحه الخطاب الملكي. عمل يتم بشكل يومي دون كلل، على جميع الجبهات وفي جميع القطاعات لكي يتمتع المواطن المغربي بحقوقه ويقوم بواجباته، وحتى يكون مستقبل أبنائه دائما أفضل.