برازيليا تحفة حضرية تجسد إبداع الهندسة المعمارية البرازيلية

(بقلم: نادية الهاشمي)

برازيليا – رأت برازيليا النور بعد ألف يوم فقط من الأشغال، ويتعلق الأمر بتحفة حضرية تعكس إبداع الهندسة المعمارية البرازيلية.

وبعد 4 سنوات من ذلك التاريخ، قرر جوسيلينو كوبيستشيك، الذي سيصبح رئيسا للبلاد في ما بعد، تجسيد حلم تشييد عاصمة جديدة للبرازيل تكون رمزا لقوة العملاق الجنوب أمريكي.

وانبثق عن هذا الحلم مركز حضري خرج من مخيلة أب الهندسة المعمارية البرازيلية الحديثة، أوسكار نايميير، الذي أرسى أسس مدينة فريدة من نوعها على خارطة العالم تضم بنايات تستشرف المستقبل لغاية اليوم بعد أزيد من 58 عاما من تشييدها.

وكان حجم تحدي تشييد هذه العاصمة كبيرا لأنه كان يتعين إيصال الجرافات وأكياس الاسمنت إلى المنطقة عن طريق الجو لإرساء أسس هذه الفكرة التي لم تكن لترى النور لولا مثابرة نايميير، والمتخصص في المجال الحضري لوسيو كوستا، الذي صمم مخططها الحضري قبل تشييدها، إلى جانب المعماري المتخصص في المناظر الطبيعية، بيرل ماركس.

ومن مخيلة هذا الثلاثي، رأت المدينة النور على شكل قوس، وتم استيحاء بناياتها العمومية من المشاهد الطبيعية البرازيلية، وصممت فضاءاتها الخضراء الفسيحة لتسلط الضوء على الغطاء النباتي بالبلاد.

وتوجت هذه الأفكار المبتكرة بوضع المدينة على لائحة التراث الانساني من قبل اليونيسكو منذ 1987.

وتجسد برازيليا، الذي تخترقها طريقان سريعان الأولى من الشمال نحو الجنوب والثانية من الشرق نحو الغرب، فضلا عن أحيائها السكنية والتجارية وبحيرتها الاصطناعية والساحة التي تضم السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، فضاء حضريا مكتفيا بذاته.

وقد أضفت فكرة بناء المدينة على شكل قوس طابع الفرادة على مشروع نايميير، كما تنعكس هذه الفكرة في أجزاء أخرى من المدينة كساحة الوزارات، القلب النابض للعاصمة الفدرالية، حيث كاتدرائية برازيليا، أحد أبرز معالمها، والكونغريس الوطني بقبابه المتميزة، فضلا عن المتحف الوطني.

وبالنسبة لعشاق الألعاب الضوئية، فيجدون ضالتهم في زيارة قصر يتاماراتي، مقر وزارة الشؤون الخارجية، وقصر العدالة الشهير بشلالاته الصغيرة الحجم، والمسرح الوطني كلاوديو سانتورو.

وتعكس ساحة السلطات الثلاثة الواقعة بالقرب من ساحة الوزارات ابداعا معماريا واضحا بفضل بناياتها المختلفة التي تشمل قصر بلانالتو، المبني من الزجاج، وسقف باللون الأبيض، إلى جانب المحكمة العليا الفدرالية التي تحاكي مقر الرئاسة.

وبالإضافة إلى العديد من المنحوتات التي أبدعها النحاتون البرازيليون البارزون مثل برونو جيورجي أو ألفريدو تشيتشياتي ، تحتضن برازيليا أكبر علم وطني في البلاد، يبلغ ارتفاعه 100 متر في الجزء العلوي من سارية مشكلة من 24 أنبوبا معدنيا تمثل عدد الولايات الفدرالية في وقت افتتاح هذه المعلمة في عام 1972.

وأخذ مصممو العاصمة البرازيلية بعين الاعتبار حاجة محبي الطبيعة إلى الفضاءات الخضراء وشيدوا عددا منها من ضمنها “باركي دا سيدادي دونا سارة كوبيتستشيك”، أحد أكبر المنتزهات الحضرية بالعالم إذ تتجاوز مساحته 420 هكتارا والذي يفوق من حيث المساحة “سانترال بارك” بنيويورك (341 هكتارا).

ويشكل هذا النسيج المعماري الفريد مصدر إلهام بالنسبة للمهندسين المعماريين والمصورين من مختلف أنحاء العالم، وتجسد برازيليا بذلك الشعار الوطني “أورديم إي بروغريسو” (النظام والتقدم) بفضل الصورة التي تروجها عن نفسها في العالم باعتبارها واجهة لعبقرية الهندسة المعمارية البرازيلية التي تسبق عصرها.