الوضع السياسي المعقد بجمهورية التشيك يجر البلاد الى إجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها

  بقلم عبد العزيز حيون

  براغ –  كل المؤشرات تدل حاليا على أن الوضع السياسي المعقد بجمهورية التشيك سيجر الى إجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها.

 ومن المرجح أن يختار مسؤولو جمهورية التشيك ،على مضض ، حل إجراء انتخابات تشريعية مبكرة ،في وقت لم يمر على إجراء استحقاق مماثل نحو ثلاثة أشهر، فاز خلاله حزب (أنو) اليميني بأعداد لم تسعفه لحد الآن في كسب تأييد الأغلبية داخل البرلمان ،وبالتالي تشكيل حكومة جديدة بتكليف من طرف رئيس البلاد ميلوش زيمان.

وازداد الوضع سوء في المشهد السياسي بجمهورية التشيك وبداخل البرلمان مع عدم قدرة أندري بابيتش على كسب تأييد باقي الفرقاء السياسيين وتشكيل اتلاف مريح ،بدليل أن مجلس النواب رفض مرتين (يومي 16 و19 من يناير الجاري) منح الثقة له ولحكومته ، فضلا عن حرمان زعيم الحزب الفائز بالانتخابات التشريعية الأخيرة من الحصانة البرلمانية ،بسبب اتهامه بالفساد واستغلال منصبه لكسب أموال غير مشروعة وتحويل دعم مالي من الاتحاد الأوروبي .

 ويتوقع معظم المحللين السياسيين التشيكيين إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في الخريف القادم على أقصى تقدير ،مع شبه استحالة تشكيل حكومة ائتلافية لا في الأفق المنظور ولا في الأفق البعيد .

 ولا يستبعد هؤلاء المحللين أن تكون نتائج الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها في صالح الملياردير أندري بابيش ،شريطة أن يتقن دور “الضحية” وكسب عطف المجتمع ،كما لو أن ما يتعرض له يحمل خلفيات سياسية ليس إلا ،وبالتالي الفوز ب 50 في المائة من مقاعد البرلمان في انتخابات الخريف القادم ،أو في المقابل قد تكون هذه الانتخابات الضربة القاضية له وسبب مغادرته الحياة السياسية بشكل نهائي .

 ولا يمكن لرئيس الحكومة المفوض أندري بابيتش أن يعول على الدعم اللامشروط للرئيس التشيكي مليوش زيمان ،الذي بدوره يبقى قاب قوسين أو أدنى من عدم كسب رهان الانتخابات الرئاسية ،في جولتها الثانية التي ستجري خلال نهاية الأسبوع الجاري، خاصة وأن ميلوش زيمان (73 سنة) يتوفر على حظوظ ليست كبيرة للفوز بولاية رئاسية ثانية أمام منافس قوي مدعم من قبل الدول المؤثرة في الاتحاد الأوروبي جيري دراهوس (68 سنة).

ويتقلص عدد مناصري رئيس الحكومة ورئيس البلاد بسرعة لأسباب كثيرة ،منها ما هو مرتبط بقضايا داخلية ،ومنها ما له ارتباط بقضايا خارجية ،فبالإضافة الى تهمة الفساد التي تلاحق رئيس الحكومة ،توجه اليهما الانتقادات لمسهما بسيادة القانون في البلاد وفصل السلطات ومحاولة الاستحواذ على المؤسسات الدستورية المستقلة ،هذا الى جانب قناعاتهما المناهضة للأجانب والمهاجرين ورفضهما المطلق لاستراتيجية الاتحاد الأوروبي بخصوص قضية اللاجئين .

بيد أن الملياردير الشعبوي  أندري بابيش سيحصل على فرصتين أخريتين في البرلمان ومحاولة كسب ثقة أعضاء البرلمان قبل التخلي نهائيا عن منصب رئيس الوزراء، خاصة في حالة  عدم التمكن من تكرار التحالف الذي كان قائما ما بين سنوات 2013 و2017 بين الحزب الديمقراطي الاجتماعي التشيكي، و (أنو) وحزب الديمقراطيين المسيحيين .

  وحتى الآن، وبسبب شخصية أندري بابيش “الغامضة ” و”خطابه المتشدد واليميني الحاد المناهض للمهاجرين بشكل عام وللمسلمين بشكل خاص ” ، لم يرغب أي من الأحزاب الممثلة في البرلمان المنتخب في أكتوبر الماضي من دعم الحزب ،الذي حصل على المرتبة الأولى ،و تشكيل تحالف معه.  

وفي خضم كل هذه الأحداث السياسية المعقدة ، تزداد باطراد ثغرة المجتمع السياسي التشيكي ويصبح الحوار بين مكوناته أكثر عسرا ،خاصة مع دخول أطراف سياسية خارجية على الخط ،إما لتأييد هذا الطرف أو ذاك.

  ولن تتبين الصورة على الأرجح إلا بعد ظهور نتائج الفصل الثاني من الانتخابات الرئاسية ،التي إما أنها ستكرس قوة الرئيس الحالي ميلوش زيمان الحليف الاساسي لرئيس الحكومة أندري بابيتش ،أو أنها ستساهم في محو اسمي هذين السياسيين من ذاكرة المجتمع ،وستفتح المجال أمام تحالفات جديدة تريح بال جمهورية التشيك من هذا الصداع السياسي ،الذي عمر طويلا وأدخل سياسة البلاد في دائرة الشك ،خاصة مع حلفائها في الاتحاد الأوروبي وفي منطقة أوروبا الوسطى .