المكسيك 2015 .. سنة انتخابية بامتياز

إعداد .. الطيب كزرار

مكسيكو سيتي – تميزت السنة التي نودعها بالمكسيك بإجراء انتخابات التجديد النصفي للمؤسسة التشريعية، وكذا الاستحقاقات المتعلقة باختيار 10 من بين 31 من حكام الولايات، والتي زكت نتائجها مكانة الحزب الثوري المؤسسي (الحاكم) في المشهد السياسي والحزبي في البلاد.
وقد شكلت هاته الانتخابات، بكل تأكيد، عنوانا على قدرة الطبقة السياسية في البلاد على إعادة الثقة في المؤسسات المكسيكية، التي تضررت صورتها بشدة بعد حادث إغوالا إثر اختفاء 43 طالبا دون أي أثر، وهو الحادث الذي كشف عن مدى تغلغل الجريمة المنظمة في هيئات السلطة المحلية، خاصة على صعيد الولايات.
لهذا، سعت الحكومة، التي يقودها حزب الرئيس إنريكي بينيا نييتو، بكل الوسائل، إلى إقناع الناخبين بالإدلاء بأصواتهم، وضمان سير انتخابات سلمية وقانونية، وسط ظروف صعبة، خاصة مع تعالي دعوات المتظاهرين الغاضبين إلى تأجيل الانتخابات، بدعوى تفشي العنف واستشراء الفساد لدرجة قد تعوق ممارسة الديمقراطية.
وفي ظل هذه الأجواء، تمكن حزب الثورة المؤسساتي والحزبان المتحالفان معه، حزب الخضر والتحالف الجديد، من الحفاظ على أغلبية تزيد على 250 مقعدا في مجلس النواب المؤلف من 500 مقعد، كاسرا بذلك القاعدة التي تم تكريسها خلال انتخابات التجديد النصفي الثلاث الأخيرة، والتي اختار فيها المكسيكيون التصويت العقابي للأحزاب الحاكمة.
ففي سنة 1997 خسر حزب الثورة المؤسساتي أغلبيته في الكونغرس وحكام الولايات وفي العاصمة الاتحادية، وفي سنتي 2003 و2009، فقد حزب العمل الوطني صدارته ليتقهقر إلى المركز الثاني بعد تصويت عقابي للناخبين.
وعلى الرغم من فقدان الحزب لمنصب الحاكم في ولايات مهمة، فهذه النتيجة ليست سيئة بالنسبة للرئيس إنريكي بينيا نييتو، الذي انخفضت شعبيته على مدار العام الماضي.
وشكلت هاته الانتخابات رهانا بالنسبة للحزب الثورة المؤسساتي للتأكيد على المسار الإصلاحي الهيكلي الذي باشرته الحكومة الفدرالية، والتشديد على أن “التغيير بدأ بالفعل” وأن “الأفضل لم يأت بعد”.
وفي هذا الصدد، كان الرئيس المكسيكي قد أكد، في خطاب إلى الأمة بمناسبة السنة الجديدة، على أن هذا التحول الذي قد بدأ بالبلاد يعتبر “هو التغيير الأكثر عمقا الذي شهدته المكسيك منذ سنوات عديدة”، مشيرا إلى أن تحولا من هذا الحجم يخلق العقبات والمقاومة.
إن النتائج التي حققها الحزب الثوري المؤسساتي والحزبان المتحالفان معه يعتبرها المراقبون بمثابة “استفتاء” لمواصلة الحكومة الفدرالية للإصلاحات الهيكلية التي تباشرها لإعطاء دفعة للاقتصاد الوطني، وتنفيذ الاستراتيجيات والتدابير المتخذة لمكافحة الفساد، من بينها سن قانون الشفافية وإجراء نقاش حول نظام وطني لمكافحة الفساد.
ومن شأن هذا “التفويض” الانتخابي للحزب المشكل للحكومة أن يمنح لهذه الأخيرة بكل تأكيد الحافز للمضي قدما في طريقها الإصلاحي بغية تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي، ولكن بتضافر جهود كافة القوى السياسية التي مكنت من إرساء الإصلاحات التي تسعى لبناء البلاد ونموها وتطورها في المستقبل.
وفي هذا السياق، تشير إحصائيات وزارة المالية والائتمان العام، التي نشرت في نونبر الماضي، إلى أن الاقتصاد المكسيكي يواصل تعزيز أدائه على الرغم من الظرفية الدولية الصعبة التي تتميز بانخفاض توقعات النمو العالمي والتذبذب في الأسواق المالية وتراجع أسعار النفط.
وقد سجلت البلاد خلال الأشهر التسعة الأولى من سنة 2015 نموا اقتصاديا معززا بشكل رئيسي بالدينامية التي شهدها الطلب المحلي، وذلك في سياق انخفاض معدلات التضخم وأسعار الفائدة.
كما سجل الاقتصاد أداء جيدا على نحو متزايد خاصة مع وجود تحسن تدريجي في مؤشرات الاستهلاك والاستثمار الخاص؛ بالإضافة إلى تعزيز مناصب الشغل وانخفاض معدل البطالة.
لكن تظل نتائج الإصلاحات الهيكلية الجاري تنفيذها والأداء الاقتصادي، لغاية اليوم، لا تتقدم بالسرعة المطلوبة لتحقيق تحسن في جودة الحياة لجميع الأشخاص وتقدم البلاد إلى الأمام.
ولهذا الغرض، أعلن الرئيس المكسيكي إنريكي بينيا نييتو، في التقرير الثالث لأنشطة الإدارة الحكومية، عن عشرة تدابير جديدة سيتم تنفيذها في النصف الثاني من ولايته، تروم تعزيز دولة القانون وإعطاء دفعة للنمو الاقتصادي ومحاربة عدم المساواة.
ومن ضمن هاته التدابير العمل على إقرار قوانين جديدة لتعزيز دولة القانون تكمل النظام الجديد للعدالة الجنائية وحقوق الإنسان، وتكرس الاتفاق الوطني للعدالة، وتعطي دفعة لتنمية المناطق الأكثر هشاشة.