المغرب والأرجنتين خلال سنة 2016 .. زخم متجدد لعلاقات جيدة على أكثر من صعيد

(بقلم: هشام الأكحل)

بوينس أيريس- السنة التي توشك على الانقضاء شكلت حلقة أخرى ضمن مسار العلاقات المتميزة التي تربط المغرب والارجنتين، علاقات سجلت خلال سنة 2016 زخما جديدا ساهم فيه تبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين وتنظيم العديد من اللقاءات المشتركة التي همت مختلف جوانب التعاون الثنائي.

وتعزيزا للعلاقات القائمة بين الرباط وبوينوس أيريس، والتي توصف بأنها متناغمة وجيدة جدا، بصم المغرب خلال سنة 2016 على حضور لافت في أبرز الاحداث التي عرفتها الارجنتين، وفي مقدمتها الاحتفالات المخلدة للذكرى المئوية الثانية لاستقلال هذا البلد الجنوب الأمريكي.

ولأن للعلاقات المغربية الأرجنتينية طابعها الخاص، الذي يميزه التعاون والتنسيق، كان المغرب البلد العربي والإفريقي الوحيد المشارك في الاحتفالات المخلدة للذكرى المئوية الثانية لاستقلال الأرجنتين عن إسبانيا ذات تاسع يوليوز من سنة 1816، إلى جانب فرق موسيقية عسكرية خاصة من أمريكا اللاتينية.

وسيكون حضور الفرقة الموسيقية التابعة للقوات الجوية الملكية في هذه الاحتفالات صعبا على الارجنتينيين أن يسقطوه من ذاكرتهم، لاسيما وأن الفرقة المغربية قدمت أروع صور التلاحم الانساني التي تربط الشعبين المغربي والارجنتيني وتفاعل معها الجمهور بشكل لافت عندما أدت وسط العاصمة بوينوس أيريس معزوفات خالدة من بينها “صوت الحسن ينادي” و”العيون عينيا” و”بنت بلادي” وروائع أخرى من ريبيرتوار الأغنية المغربية التي تعكس غنى وتعدد الموروث الثقافي والفني المغربي.

وكما هو الحال في السنوات الأخيرة حظي التعاون في مجال حقوق الانسان بأهمية بالغة من لدن المعنيين بذلك في البلدين، حيث شهدت السنة التي تشارف على الانتهاء زيارة رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، السيد إدريس اليزمي، إلى بوينوس آيريس في ماي الماضي في إطار اجتماعات الجنة الدولية لتنسيق وتنظيم المنتديات العالمية لحقوق الإنسان، وذلك للتباحث بشأن الدورة الثالثة للمنتدى العالمي الذي سينعقد في الأرجنتين سنة 2017.

زيارة السيد اليزمي مكنت أيضا من إجراء مجموعة من اللقاءات ببوينوس أيريس مع عدد من المسؤولين الأرجنتينيين، كما عقد جلسة عمل مع أعضاء من لجنتي البيئة بمجلسي النواب والشيوخ الأرجنتينيين.

وتعززت علاقات التعاون بين البلدين في مجال حقوق الإنسان أيضا خلال السنة التي نودعها بزيارة إستيلا بارنيس دي كارلوتو، رئيسة المنظمة الارجنتينية “جدات ساحة مايو” لحقوق الإنسان إلى المغرب في يوليوز المنصرم، حيث عبرت الناشطة الحقوقية عن إعجابها “بطيبوبة الشعب المغربي وروعة البلاد وتفردها الإقليمي ومسلسلها الديمقراطي وعن حماسة فاعلاتها وفاعليها الحقوقيين”.

ودعت دي كارلوتو التي كانت مرفوقة في زيارتها إلى المملكة بمديرة المركز الدولي للنهوض بحقوق الإنسان بالأرجنتين التابع لمنظمة اليونيسكو، أدريانا أرسي إلى إرساء جسور تعاون أكبر بين المغرب والأرجنتين في مجال حقوق الانسان الذي يعد، برأيها، أرضية مشتركة بين البلدين.

وفي سياق التحضيرات التي سبقت انعقاد قمة مراكش للمناخ، احتضنت العاصمة بوينوس أيريس ندوتين دوليتين بمبادرة من (المركز الدولي للنهوض بحقوق الإنسان- الأرجنتين)، وبدعم من الحكومة الأرجنتينية، وتميزتا بمشاركة وفد مغربي هام ضم عددا من المسؤوليين والخبراء المغاربة.

واحتضنت بوينوس أيريس في شتنبر الماضي لقاء ترأسه السيد نزار بركة، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، واللجنة العلمية للمؤتمر، ووزير البيئة والتنمية المستدامة الأرجنتيني، السيد سيرخيو بيرغمان، خصص لتنسيق عمل وجهود مختلف المراكز العلمية الوطنية والإقليمية المعنية بالبيئة والمناخ من خلال خلق شبكة تضم هذه المراكز خلال قمة المناخ “كوب 22″، بهدف تبادل التجارب وتوحيد الجهود لمواجهة التحديات المناخية والبيئية المطروحة.

ولدعم العلاقات بين المؤسستين التشريعيتين بالارجنتين والمغرب، قام وفد برلماني أرجنتيني بزيارة عمل للمغرب خلال في يوليوز الماضي، وهي الزيارة التي مكنت من تبادل الرؤى والافكار وتوضيح وتوحيد المواقف بشأن العديد من القضايا الاقليمية والدولية المشتركة.

وجدد الوفد الأرجنتيني التأكيد خلال هذه الزيارة على أن المغرب أصبح نموذجا في المنطقة بالنظر لما ينعم به من استقرار وللدينامية التي يعرفها على عدة مستويات، وأن المملكة هو البلد الوحيد الذي يمكن المراهنة عليه في المنطقة لتعزيز التعاون على المستوى البرلماني والاقتصادي والثقافي والأمني.

كما أن للتعاون القضائي بين البلدين حضور فاعل حيث تم بالعاصمة الأرجنتينية بوينس أيريس، وعلى مدى أسبوع كامل، استعراض التجربة المغربية في مجال الولوج إلى العدالة خلال ندوة دولية نظمت مطلع مارس الماضي تحت شعار “الولوج إلى العدالة.. مختلف آفاق السياسة العمومية والآليات المؤسساتية”.

وخلال السنة التي توشك على الانصرام بصمت الارجنتين على مشاركة متميزة في قمة المناخ “كوب 22” بمراكش بوفد رفيع المستوى ترأسه وزير البيئة والتنمية المستدامة سيرخيو بيرغمان، الذي حضر أيضا بقمة الضمائر بفاس حيث تمت الدعوة إلى ضرورة انخراط حوار الأديان والثقافات في إذكاء الوعي والمسؤولية بقضايا المناخ لدى مواطني وشعوب العالم.

وللثقافة نصيب من التعاون المغربي الأرجنتيني حيث شارك مؤخرا مدير المركز السينمائي المغربي، السيد صارم الفاسي الفهري في فعاليات المهرجان الدولي للفيلم “مار ديل بلاتا” الذي يعد أحد أبرز المواعيد السينمائية بأمريكا اللاتينية.

سنة 2016 كرست نفسها كمحطة من محطات مسار طويل من التعاون والتنسيق المشترك على أكثر من صعيد بين بلدين طالما رسخا روح التضامن الذي ينبغي أن يسود بين دول الجنوب، وساهما في تعزيز الأمن والسلم الدوليين.