المغرب، قوي بعدالة قضيته ودعم أشقائه وأصدقائه، أبان عن ثبات وهدوء وثقة

بقلم: حسين الميموني

الرباط – رب ضارة نافعة، فلعل الخطأ الفادح الذي ارتكبه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، خلال زيارته الأخيرة للمنطقة، قدم دعما للمغرب على الأقل في عدالة قضيته وأظهر الالتزام الصادق واللا مشروط لأشقائه وأصدقائه.

ولأن ” رياح العداء لا تهب أبدا على مملكة الحكمة” كما يقول المثل الفارسي، فإن المغرب، القوي بوحدة جبهته الداخلية حول قضيته المقدسة، رد فورا على ” الزلة ” القاتلة لبان كي مون بالثبات والهدوء والثقة المعهودة.

ولا داعي للتأكيد على قوة البراهين ووضوح التصريحات وعمق التحليل ودقة المصطلحات وشدة لهجة بلاغ حكومة المملكة المغربية إثر زلة بان كي مون، ولا على نجاعة وابل ردود الفعل التي استنكرت فعله داخل المغرب وخارجه.

وباعتباره بلدا ملتحما بكثافة وغنى تاريخه ومتشبعا بقيم الحداثة والانفتاح، فإن المغرب بادر مبكرا إلى جعل التعاون المثمر والتضامن الفاعل والاحترام المتبادل عمادا لروابطه مع أشقائه وأصدقائه الكثر.

وفي هذا السياق بالضبط ينبغي وضع الدعم الصريح ،الذي قدمه مؤخرا وزراء خارجية بلدان مجلس التعاون الخليجي والأردن الذين اجتمعوا في الرياض، لمقترح الحكم الذاتي ” الجدي وذو المصداقية الذي قدمته المملكة المغربية كأساس لحل متفاوض بشأنه لوضع حد للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية”.

ويرى علي الازرق، المفتش العام لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون، أن هذا الموقف الذي اتخذ غداة الخطأ الشنيع للسيد بان كي مون، يكشف بوضوح كثافة علاقات الشراكة بين بلدان الخليج والمغرب “الذين خطوا خطوات مهمة على درب إرساء أسس إطار تشاركي مميز”.

“وقطعت روابط الشراكة والتعاون بين بلدان مجلس التعاون الخليجي والمغرب، في أبعادها الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية والإنسانية والتنموية، أشواطا مهمة في أفق إرساء إطار تشاركي وتعزيزه طبقا لتوجيهات قادة بلدان المجلس والمغرب”.

وتجدر الإشارة إلى أن المجلس الأعلى للخليج كان قد قرر، خلال اجتماع تشاوري في ماي 2011، تعزيز الشراكة بين مجلس التعاون الخليجي والأردن والمغرب، تلاه قرار آخر خلال القمة التي انعقدت في دجنبر الماضي في اتجاه تعبئة دعم مالي لمشاريع التنمية في هذين البلدين، في حدود 5 مليار دولار لكل منهما.

وفي ماي2012، تم الاتفاق على تقديم مساعدات التنمية التي أقرها المجلس، على شكل منح لتمويل مشاريع التنمية في المغرب، بقيمة 5 مليار دولار تمتد على خمس سنوات، وبمبلغ وأجل مماثلين لتمويل مشاريع تنموية في الأردن.

وتقرر أيضا أن تؤمن الإمارات العربية المتحدة والسعودية وقطر والكويت تمويل مساعدات التنمية هاته بحصص متساوية.

وتجسيدا لهذه الالتزامات على أرض الواقع، شرع وفد هام لرجال أعمال سعوديين يقوده رئيس مجلس الأعمال السعودي المغربي، السيد محمد بن فهد الحمادي، أول أمس الأربعاء بالعيون، في زيارة للأقاليم الجنوبية مفتاحها لقاءات تتمحور حول فرص الاستثمار التي تزخر بها المنطقة في جميع المجالات.

وفي نفس الاتجاه، أكد سفير المملكة العربية السعودية في المغرب، السيد عبد العزيز بن محيي الدين خوجة، الاثنين الماضي في الرباط، أن السعودية والمغرب لهما رؤية موحدة وينسقان بشكل مشترك على مختلف الواجهات، موضحا أن زيارة الوفد السعودي تندرج كذلك في سياق دعم الرؤية السياسية للبلدين.

كما أبرز أن الزيارة “رسالة قوية نؤكد من خلالها على دعمنا للوحدة الترابية للمغرب وحرصنا على تنمية هذه الأقاليم بكل ما نملك من قوة”.

ففي مواجهة الشعارات الجوفاء والمتجاوزة الموروثة عن الحرب الباردة، تبنى المغرب، بدعم من شركائه، خيار الواقعية، معبئا غلافا ماليا بقيمة 77 مليار درهم لتمويل مشاريع النموذج الجديد لتنمية الأقاليم الجنوبية للمملكة.

وسيساهم إطلاق هذه الرؤية الطموحة، الذي جرى في نونبر الماضي بالعيون بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء تحت رئاسة جلالة الملك محمد السادس، في مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي وإحداث 120 ألف منصب شغل، وبالتالي النهوض بالأقاليم الجنوبية للمملكة بشكل يمكنها من أداء دورها كليا كمعبر إقليمي ومركز اقتصادي إفريقي وصلة وصل مع أوروبا.

ولاعتبارات متعددة، فإن إطلاق هذه المشاريع يعد بمسيرة خضراء جديدة قوامها تقوية المكتسبات والأوراش المهيكلة والمشاريع المدرة للثروات ومناصب الشغل.

وإذا كان بعض المبتزين، بفعل عمى أو هوس مرضي، لم يدركوا بعد الفراغ الذي يتعمق داخلهم وحولهم، فمن المناسب تذكيرهم بحقيقة تستحق التأمل بأن التاريخ مثل واد يبحث أزليا عن قاع مجراه.