آخر الأخبار
المدينة العتيقة في مراكش تقاوم تحولات نمط الحياة

المدينة العتيقة في مراكش تقاوم تحولات نمط الحياة

الأربعاء, 4 سبتمبر, 2013 - 10:35

– بقلم : فؤاد بنجليكة –

مراكش – إذا كانت الحداثة قد تسللت إلى عدد من المجالات في الحياة اليومية للمراكشيين، فإن سكان المدينة العتيقة يواصلون، ما وسعهم الأمر، مقاومة التحولات التي يفرضها نمط العيش .  ويعرف سكان هذا الحي أنفسهم ، قبل كل شيء ، كحاملين لقيم أصيلة هي مبعث فخر لكل مراكشي، ويرون أنه من واجبهم الحفاظ على هذا الإرث الحضاري العريق ونقله إلى الأجيال المقبلة.
وبالنسبة لسكان المدينة العتيقة في مراكش، فإن تشبثهم بمسقط رأسهم وإقامتهم هو طقس ينتقل من جيل إلى جيل، ومن الصعب إقناعهم ، بل مجرد الحديث معهم في موضوع مغادرة “المدينة القديمة” لأي سبب وبأي ثمن.
فهنا يبدو للسائح الوطني أو الأجنبي أن إيقاع العيش اليوم ، مع جميع ما يترتب عنه من التزامات ومسؤوليات وواجبات ، لم يتغير قيد أنملة عما كان عليه منذ قرون.
“لا شيء يدعو للعجلة ، ولا شيء يستدعي جعل الحياة مرهقة وكل شيء يمكنه أن ينتظر”. هذا هو شعار، ومفهوم وأسلوب الحياة لدى سكان المدينة العتيقة.
وهنا أيضا لا مكان لأية مخاوف من تداعيات العولمة. فبالرغم من أن الظاهرة  قد تبدو في أماكن أخرى قدرا لا مفر منه، فإنها لم تؤثر على أنماط العيش وعادات سكان هذا الحي العريق.
والتوتر، الذي يعتبر “مرض الأزمنة الحديثة”، ومصدر انتشار عدة أمراض كارتفاع الضغط والسكري والانهيار العصبي، يبقى في هذا الحي العريق مفهوما مجردا، شبه غائب ولا معنى له  لدى الساكنة .
فقد اعتمد هؤلاء نمط عيش يتيح لهم التحرر من الزمن، بدل البحث عن مراكمة الخيرات المادية والثروات. فهم يكتفون بالقليل، وهم أناس معروفون بروحهم المرحة، وحبهم للنكت ولبهجة العيش . وبالفعل، فإن أشهر منشطي الحلقة في جامع الفنا ينحدرون من أحياء المدينة العتيقة.
والمراكشي بصفة عامة، وسكان المدينة العتيقة بصفة خاصة، مضياف وخدوم بطبيعته ، وليس من المستغرب أن يشاهد المرء تاجرا يترك زبونه وتجارته للحظة كي يدل سائحا تائها على الطريق. وبفعل استعدادهم للتوجه نحو الآخر ، فسكان الحي العتيق لا يترددون في أن يربطوا مع أجانب علاقات صداقة يمكن أحيانا أن تستمر العمر كله.
ولكنهم معروفون أيضا على المستوى العالمي بكونهم صناعا تقليديين مهرة، وصناعتهم التقليدية هي مهارة عريقة تتطلب الصبر. لذا فإنه ليس من المستغرب أن يختار مواطنون من جنسيات مختلفة الإقامة في المدينة العتيقة لمراكش وأن يتكيفوا مع هذا المكان ويصبحوا مع مرور الوقت مكونا أساسيا في نسيجها.
وعلى مدى سنوات ، تبنى هؤلاء الأجانب ، الذين جذبتهم تلقائية السكان ومتانة علاقاتهم الإنسانية العميقة والحميمية التي تطبع كل تصرفاتهم وتتحكم في ذهنياتهم ، نمط عيش هؤلاء السكان المحليين الذين ما زالوا يعيشون حياة بسيطة ، أبعد ما تكون عن مختلف الضغوطات واكراهات الحياة المعاصرة.
ولم يجد هؤلاء الأجانب صعوبة في إمكانية التكيف مع المكان، وسكانه الذي اعتادوا منذ قرون على التعايش والتسامح واحترام التعدد الثقافي.
وجعلت الأزقة المغلقة وهيكلة المدينة القديمة، التي تقدم ظروفا أفضل لعلاقات اجتماعية أكثر حميمية، من هذا الحي مكانا مثاليا لهؤلاء السياح الباحثين عن الراحة والذين يهدفون إلى اكتشاف أحد الوجوه المتعددة للمغرب العميق والحقيقي.
وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى تسابق المستثمرين والسياح على السواء إلى اقتناء الرياضات هذه البيوت المغربية التقليدية المتمحورة حول ساحة رئيسية (الباسيو).
ولكن الحياة في المدينة القديمة هي أيضا وبالخصوص الليل ، الذي يحكمه جمال خاص. فقد صار تقليدا عريقا لدى سكانها أن يسهروا إلى ساعة متأخرة. ففيما يفضل بعض السكان الجلوس في باحات المقاهي الشعبية لتبادل الأحاديث مع الأصدقاء والأقارب ولعب الورق، يفضل آخرون الاحتماء بالفضاءات الخضراء والحدائق العمومية ، لاستنشاق الهواء العليل متحلقين حول نوافير المياه.
وغير بعيد، تتكون مجموعات من الشباب يعزفون ويغنون ويرقصون ، ما يتيح للزائرين وللعابرين أيضا الاستمتاع بأغان من الريبرتوار الموسيقي المحلي.
والمدينة العتيقة في مراكش أيضا هي المكان الذي يعيش فيه في انسجام تام أغنياء وفقراء حيث تنمحي الفوارق الاجتماعية والمظاهر لفائدة  التعاون والتضامن.
ويقدم هذا الحي في المدينة الحمراء، الذي يمتد على مساحة تزيد على 600 هكتار، ليكون أحد أكبر الأحياء العتيقة في المغرب مساحة،  مفارقة أخرى مثيرة للاستغراب ، فهنا حيث نسبة الهشاشة أكثر من مثيلاتها في أي منطقة أخرى في مراكش ، يعد مستوى الأمن المسجل الأعلى ومستوى الجريمة الأكثر انخفاضا.
وبالنسبة لعدد من علماء الاجتماع، تعكس هذه الحقيقة الانسجام التام والتضامن الاجتماعيين اللذين يسودان بين العائلات في المدينة العتيقة ، وكذا هدوء الطبع والمزاج الذي يميز سكانها وميلهم إلى الهدوء والاستقرار، ورفض العنف بجميع أشكاله.
وحتى في غياب الدراسات، يبعث كل شيء على التخمين بأن الأمل في الحياة لدى ساكنة المدينة القديمة هو الأكثر ارتفاعا في المغرب. ولن يكون من المثير للاستغراب أن يعلن يوما ما عن أن الإنسان الأكبر سنا في العالم يقيم في هذا الحي العريق.

اقرأ أيضا

مجلس الوزراء السعودي يوافق على مذكرة تفاهم بين المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بالسعودية وصندوق الإيداع والتدبير

الثلاثاء, 23 يوليو, 2024 في 17:38

وافق مجلس الوزراء السعودي في جلسة ترأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، اليوم الثلاثاء في جدة، على مذكرة تفاهم للتعاون في مجال التأمين الاجتماعي بين المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بالسعودية وصندوق الإيداع والتدبير بالمغرب.

كأس العرش للغولف 2024 .. انطلاق منافسات الدورة التاسعة عشرة بالرباط

الثلاثاء, 23 يوليو, 2024 في 12:38

انطلقت، صباح اليوم الثلاثاء بمسالك النادي الملكي للغولف دار السلام بالرباط، منافسات الدورة التاسعة عشرة لكأس العرش للغولف للموسم الرياضي 2024، التي تستمر إلى غاية 27 يوليوز الجاري.

المملكة المتحدة.. حضور قوي للمغرب في معرض فارنبورو للطيران

الثلاثاء, 23 يوليو, 2024 في 11:27

يبصم المغرب على حضور قوي في معرض فارنبورو الدولي للطيران، الذي يقام بجنوب غرب لندن من 22 إلى 26 يوليوز الجاري، بهدف إبراز المؤهلات التي يزخر بها المغرب من حيث فرص الاستثمار وتوفير الموارد في قطاع الطيران.‏